كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان خلال الملتقى السنوي الثالث للتعلم والمشاركة المجتمعية في كلية المجتمع - قطر
نلتقي اليوم ومجتمعاتنا تواجه تحديات حروب وفوضى الثورات المضادة التي ألقت بملايين السكان إلى المجهول. قتلوا بلا حدود وشردوا بلا حدود وتشبثوا بلا حدود. بلدان عديدة اليوم تعيش حروبا ونزاعات دون دولة ودون أي ضمانات لبشر بالملايين لا يجدون قوت يومهم.
كيف نتماسك ونحمي مجتمعاتنا ، هذه مهمة تضع نفسها أمامنا جميعاً كافراد ومنضمات وفئات مجتمعية ومجتمع مدني وشركات تجارية ومجتمع اهلي وكل من هو قادر على المبادرة والعمل.
خلق شبكات العمل المجتمعي وتنمية المسؤلية الاجتماعية هو سؤال اليوم وتحدي الغد أمام مجتمعاتنا.
نعيش في عالم فاقد للتوازن ولأي معايير ، عالم انتقالي تعصف به تغيرات شاملة لا تترك أحدا بعيدا عن تأثيرات هائلة في السياسة والحروب والدول والعمل والاقتصاد والعلاقات وكأن العالم يعاد صياغته من جديد.
أمام كل ذلك تقفز الحاجة الى المبادرات الاجتماعية لملأ الفراغ وتنمية وعي مجتمعي بضرورة العمل من أجل بقاء المجتمع وخلق فرص الحياة والتواصل والاستجابة للمتغيرات امام افراد المجتمع وفئاته وكل مكوناته.
ملايين البشر يجدون انفسهم في المجهول بدون عمل وبدون فرص حياة ولا دولة تحميهم. اذا كانت وسائل وأدوات المسؤلية الاجتماعية بكل أنواعها حاجة للمجتمعات في مراحل التحول الاقتصادي والاجتماعي فهي اكثر ضرورة والحاجة اليها مضاعفة في ظل الثورات والحروب والنزاعات وانهيار الدول العالم كله حاضر في هذه الدائرة المشتعلة في الشرق الاوسط. ارادت شعوبنا الخروج من صندوق الاستبداد المغلق ، لكن المصالح الدولية أعمت العالم عن إرث الديمقراطية والحرية. جاءوا إلينا ليخوضوا الحرب بجانب ديكتاتوريات ساقطة ، وتبخرت كل دعاواهم في دعم انتشار الديمقراطية والحريات والانفتاح والقيم العصرية وحقوق الانسان.
ظلت دول كثيرة طريقها واتبعت سياسات اقتصادية مدمرة لمجتمعاتها في الثلاثين عاما الماضية. سياسة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين عممت نموذجا آليا من الإصلاحات الاقتصادية تقوم على الخصخصة وتخلي الدولة وكف يدها. وتم هذا في بلدان لم تستكمل فيها عملية بناء الدولة ولا زالت تعيش في مراحل ماقبل الحداثة. والنتيجة كانت واضحة في الوصول الى ما اطلق عليها " الدول المتعثرة " فلا اقتصاد ازدهر ولا فرص عمل توفرت ولا تنمية ولا شيء سوى ازدهار الديكتاتوريات والفقر.
كف يد الدولة تزامن مع إطلاق يد النخب الحاكمة ومع تعميم الفساد ونهب الثروات ووجد المجتمع نفسه في بلدان عربية عديدة في مواجهة تحديات الحياة بدون تأهيل ولا دولة راعية ولا ضمانات لتكافؤ الفرص والعمل والمنافسة التجارية وحرية المبادرات المجتمعية والأهلية بدون ان تنعكس عليها يد السياسة والنخب الحاكمة التي جمعت بين السلطة والتجارة ولم تترك مجالا في المجتمع بعيدا عن قبضتها.
نتحدث عن المجتمع والمسؤلية المجتمعية ، وهذا لا يبعد عن همومنا الراهنة ؛ الثورات والتغيير والحروب والنزاعات والصراع الدولي في منطقتنا ، والهجرة والبطالة والفقر وانهيار الدول تنمية مشاركة المجتمع المدني في التعليم ونشاطات العمل المجتمعي والأهلي والمبادرات والمشروعات الصغيرة وكل ما يتعلق بتمكين المجتمع من التماسك ومواجهات التحديات وخلق قيادات مجتمعية مهمة أساسية في عالم اليوم.
لا اريد ان اذهب بعيدا في تفاصيل ستكون مهمة هذا الموتمر نقاشها في محاوره التخصصية حول هذه القضية وما يتعلق بها من عناوين ، واكتفي هنا بالحديث عن واقع الحال لمجتمعاتنا والتحديات التي تواجهها والمؤثرات التي سيعمل في ظلها المجتمع المدني والأهلي وشبكات المسؤلية الاجتماعية ومنظماتها في بلدان تعاني من انهيار الدولة والحروب والنزاعات وفقدان ملايين البشر للعمل وفرص الحياة.
الأخوة والاخوات الحاضرون جميعا:
أعزائي عزيزاتي الحضور جميعا:
نلتقي اليوم في الدوحة ، ولامعنى لأي كلمات عن المشاركة المجتمعية دون التطرق للحصار الظالم الذي تتعرض له دولة قطر!
أحيي قطر الصامدة أمام حصار الأخوة/الأعداء وهجماتهم الصبيانية.
إن استهداف قطر جزء من اندفاعة طائشة تمارس الانتقام من كل ماله علاقة بثورات الربيع العربي وانتفاضات الشعوب وتطلعاتها للالتحاق بقيم العصر.
استهداف قطر انتقام من دورها الريادي في فتح آفاق رحبة لحرية الاعلام في منتصف تسعينات القرن الماضي ورفع غطاء التعتيم والعزل والتكتم في بلدان تعيش حداثة الاستهلاك وتحيا بقيم القرون الوسطى وعقليات التحجر والمنع وتحريم كل جديد.
ألم يكن تاريخهم تاريخ تحريم ومناهضة لكل جديد حتى في منتجات عصرية مثل الساعة والتلفزيون وكل جديد في التعليم والإعلام والحداثة والتقدم. ويذهبون اليوم لاستخدام كل ساحة منع أغلقوها بأقفالهم هم في دعاية جوفاء تظهرهم في موضع السخرية وهم يصارعون انفسهم وتاريخهم محاولين التبرؤ منه ورميه فوق مشجب الشيطان الجديد "الاخوان المسلمين" ، بدلا من "الشيوعيين".
نحيي قطر ولا نتردد في اعلان وقوفنا معها في خندق واحد ، كانت قطر مع الشعوب ومدت يدها للشعوب المغلوبة والمقهورة ولم تضع يدها في يد الطغاة والمستبدون.
جريمة قطر انها وضعت نفسها مع الشعوب وساهمت في دفع عجلة التغيير في منطقة استعصت على التغيير زمنا طويلا حتى ظن سدنتها الجمهوريون ان بامكانهم ان يؤبدوا جلوسهم فوق كراسي الحكم وتوريثها لابنائهم
هذه الثورة المضادة التي تقودها السعودية والامارات جاءت بعد انهيار خط الدفاع الأول للاستبداد والتخلف في جمهوريات وراثية شكل سقوط ديكتاتورياتها المؤبدة اعلانا بميلاد عربي جديد سيفرض التغيير على الجميع وبدلا من البدء بتغيير حقيقي في سياسات وتوجهات الملكية المتحجرة في السعودية اختاروا خوض الحرب ضد التغيير والمناورة بعنوانه في نفس الوقت هذه دعاية فارغة لن تمر في عالم اليوم. مايقوم به الاشقاء يفتح بلدهم والخليج العربي على اطماع الدول الكبرى ويكشف الأمن العربي كله فوق ماهو مكشوف ويزيده سوءا على سوء وسيجدون حصاد طيشهم أمامهم بعد ام يطول التورط وتستنزف الموارد وتتبخر الرطانات المعسولة التي وزعوها في دعايات تعرض في مدن الغرب وعواصمه التقدم ليس دعاية. التقدم مسار الديمقراطية والتغيير الذي وقفت حجر عثرة أمامه. التقدم هو حرية الشعوب وحرية الاعلام وحق الشعوب في المشاركة السياسية وتقرير مصيرها.
الاصدقاء والصديقات:
ثلاث سنوات من حرب التحالف في بلدي اليمن أدخلت بلدنا في عصر الدويلات وتعدد الميليشيات. دعمت السعودية والامارات الميليشيات الحوثية واسقطوا الدولة وسلموا مقدراتها وجيشها للميليشيا انتقاما من ثورة 11 فبراير.
في اليمن كانت الرعاية الدولية والإقليمية التي قيل انها ترعى اتفاق نقل السلطة والمرحلة الانتقالية كذبة كبرى سمعها اليمنييون ولم يشاهدوها.
لم يتم تقديم اي دعم اقتصادي للسلطة الانتقالية. ومورست الظغوط لتحييد الدولة والرئيس والحكومة امام ميليشيات الحوثي المدعومة من ايران حتى استكمل الانقلاب وسقطت الدولة.
في ابوظبي كان مركز الثورة المضادة الهادف الى عزل الثورة الشعبية وقد عملت مع الرياض في هذا الاتجاه. ومنذ ثلاث سنوات تدخل هذا التحالف عسكريا في اليمن ولكنه انحرف عما قيل حينها انه لدعم الشرعية في استعادة الدولة من الانقلاب الذي قادته الميليشيا الحوثية بالتحالف مع الرئيس المخلوع. لكنهم دعموا ميليشيات انفصالية وسلفية وقوات خارجة عن سلطة الشرعية وتنازعها سلطتها وتقف في مواجهتها وكل ذلك بدعم من الإمارات والسعودية التي تمدها بالسلاح والمال. يسيطر التحالف على الجزر والموانئ والسواحل اليمنية والمنشات النفطية ويمنع الرئيس الشرعي من العودة واحتجزه في الرياض ويمنع الحكومة من تصدير النفط وبسط سلطتها على كافة الاراضي المحررة.
يحارب التحالف في اليمن لتقسيمه ونهب ثرواته ولا يحارب من أجل الشرعية واستعادة الدولة.
مئات الالاف من المغتربين اليمنيين طردتهم الرياض ، وتمارس اجراءات مذلة للمغتربين العاملين فيها تقوم على مبدأ واحد ؛ جباية المزيد والمزيد من اموالهم ومدخراتهم وعائدات عملهم.
أعزائي عزيزاتي:
كثيرة هي التحديات امام مجتمعاتنا ، وكبيرة وكثيرة هي قدراتنا كافراد ومنضمات ومجتمع مدني وأهلي على دعم تنمية وعي عام وشبكات تضامن وتكافل تنمي قدرات الأفراد وتقدم مجالات واسعة للعمل من اجل المجتمع وخلق فرص الحياة والعمل والتطور أمام افراده.