كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان بعنوان "واقع الإرهاب.. المواجهة الفاعلة والعادلة" بجامعة اكسفورد - المملكة المتحدة
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، اليوم، محاضرة بعنوان "واقع الإرهاب.. المواجهة الفاعلة والعادلة"، خلال لقاء مفتوح نظمته رابطة اكسفورد وشبكة كوليجيوم العالمية التابعة لها بالتعاون مع جمعية "اكسفورد بي بي إي"، في جامعة اكسفورد، بالمملكة المتحدة.
إنه لشرف كبير لي أن أكون مجددا في جامعة اكسفورد، وأن التقي بشخصيات جديرة بالاحترام تقوم بدور مهم في استجلاء حقيقة قضايا تشغل بال واهتمام الناس مثل الارهاب والأمن والسلام.
الأصدقاء الأعزاء:
الجميع أدلى برأيه في موضوع الارهاب تقريبا، بما في ذلك الرئيس ترامب الذي ما يزال مستمرا في القاء مواعظ يومية ولو على هيئة تغريدات تتوعد الإرهاب بهزيمة ساحقة، لكن عندما تبدأ في تحليل الآراء المختلفة تجاه الارهاب تكتشف أن لكل شخص أو جماعة ارهابها الخاص الذي تصفه بأقذع الصفات وتحاربه.
لذا اعتقد أننا بحاجة جميعا إلى أن نحدد ما هو الارهاب بشكل دقيق وشجاع، مشكلتنا هو استسهال الأمر والتعامل معه بنوع من الانتهازية المفرطة، لذلك ظهرت عدة تعريفات للإرهاب وللإرهابي تثير الضحك بعد أن كانت تثير الفزع.
حسنا، ما هو الإرهاب؟
هل هو إيذاء الناس، وإفزاعهم، وإثارة الرعب في أوساطهم بغرض تحقيق هدف سياسي أو هدف ديني أو اجتماعي أو ثقافي، هل هو تعمد قتل الخصوم واستهداف حياتهم، هل هو القيام بالتفجيرات والاغتيالات، ومماسة التهديد ضد الأفراد والمجتمعات، والسعي لفرض معتقدات معينة بالقوة والإكراه. الحقيقة أن الارهاب هو كل ذلك وأكثر.
لست معنية بوضع تعريف شامل وكامل للإرهاب على الرغم من أهمية موضوع كهذا، ولكني معنية بشكل أكبر بحث الجميع على وضع معايير واضحة ومحددة تمنع استغلال هذا الأمر بطريقة تسيء إلى العدالة وإلى العقل وإلى الضمير.
وهنا أسال، هل يجب أن نأخذ حديث الأنظمة المستبدة حول الإرهاب وتصنيفات الإرهابيين على محمل الجد؟، كيف يمكننا من الناحية الاخلاقية أن نصدق الذين يمارسون كل صنوف الإرهاب ضد مواطنيهم، والذين يعتقدون أنهم بعيدين عن المحاسبة والعقاب؟، لا اعتقد أن هذا من الانصاف في شيء، بل انه أمر مستهجن وغير عادل.
استطيع أن اضرب لكم عشرات الأمثلة على سوء استخدام تهمة الارهاب بطريقة تثير السخرية والرعب في آن، استطيع أن أذكر لكم أمثلة لرياضيين أو مصورين محترفين أو اعلاميين، أو سياسيين، أو ناشطين حقوقيين، أو ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، تم توجيه اتهامات لهم بالإرهاب، بل هناك من تم اعتقاله بتهمة الإرهاب لأنه قرر الصمت وعدم تأييد ذلك الرئيس أو الملك.
الأصدقاء الأعزاء:
تقوم الولايات المتحدة الامريكية بتعريف الارهاب على النحو التالي: "الاستخدام أو التهديد بالاستخدام المتعمد للعنف أو التهديد المتعمد بالعنف لبث مشاعر الخوف، بهدف اجبار أو ترويع الحكومات والمجتمعات"، وتقوم المملكة المتحدة، بريطانيا، بتعريف الإرهاب بأنه الاستخدام أو التهديد باستخدام العنف المفرط ضد أي شخص آخر أو ضد الممتلكات بغرض الدفع قدما بتوجه سياسي أو ديني أو ايديولوجي".
معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي والتي تم اعتمادها من قبل مؤتمر وزراء الخارجية عام 1999 قامت بتعريف الارهاب باعتباره: "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو المرافق الدولية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة".
بالطبع هناك مئات التعريفات لجريمة الإرهاب، من هذه الناحية أريدكم أن تطمئنوا،
لكن المشكلة تكمن في مصداقية الدول والحكومات التي تقوم بتوظيف الإرهاب وفقا لمصالحها الخاصة، الأمر الذي يحدث بسببه انحرافات شديدة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها.
بعد 17 عاما من حرب مكافحة الإرهاب، يبدو أن الإرهاب ذريعة لمكافحة أشياء أخرى!
وإلا هل تدمير المدن فوق ساكنيها يمثل حربا ضد الإرهاب؟!. من المهم أذن ضبط مفهوم الإرهاب وتوسيع الحرب العالمية ضده لتتجاوز الجانب الأمني الوقائي إلى استراتيجية شاملة تبدأ بدعم التحول الديمقراطي في المجال الحيوي للظاهرة الارهابية.
في سبتمبر 2001 ذهب العالم نحو الحديث عن ضرورة معالجة جذور الظاهرة الارهابية وعدم الاكتفاء بالجانب الأمني والعسكري في مكافحة الإرهاب، لكن كل ذلك انتهى تحت وقع عمليات التصفية خارج نطاق القضاء وتحت وقع حربين مدمرتين في أفغانستان والعراق وما تبعها من انهيار دول وتسريح الجيش في العراق وحكم طائفي وفراغات اعادت انتاج الظاهرة الارهابية بمرحلتها الثانية "داعش" بالتزامن مع ثورات الربيع العربي ولمواجهتها بهذا المسمى الجديد، فقد استخدمت اعلاميا لتغطية حرب الانظمة ضد شعوبها بمشاركة حلفاءها الإقليميين والدوليين.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين وعدت أنظمة الاستقلال شعوبها بتحقيق التنمية والاستقرار. وبعد خمسين عاما وجدنا انفسنا بدون ديمقراطية ولا تنمية.
لا تتحقق التنمية بيد المستبدين، هذا هو الدرس الذي تعلمته شعوبنا خلال نصف قرن.
الانظمة المستبدة احتكرت السلطة والقوة والمال والتجارة وأممت الفعل والمبادرة بيدها، تاركة المجتمع يتفتت تحت سطح استقرار زائف كان غطاءا لأسوء عملية تفكيك وتهيئة للانفجار الكبير الذي نراه على دفعات متتابعة منذ بداية هذا القرن في الشرق الأوسط.
الأصدقاء الأعزاء:
هناك جملة أولى تخطر في بالي منذ سنوات عندما أفكر في موضوع "الإرهاب" وأتأمل ما يسمى بالحرب العالمية ضده وكذلك ارتباط هذه الكلمة بالصراعات والحروب الدائرة الآن في أكثر من بلد عربي تحديدا: إننا نعاني مرتين من الإرهاب، نعاني منه، ونعاني من استخدمه من قبل الدول الكبرى والأنظمة المستبدة، يلحق بنا نحن العرب والمسلمين ضرر كبير ودمار فادح من جانبين يظهرا لنا وكأنهما وجهين لعملة واحدة: الإرهاب وتوظيف واستخدام "الحرب على الإرهاب" سياسيا لغايات أخرى لا علاقة لها بمكافحة الارهاب ومحاصرته وتجفيف منابعه.
اعذروني اعزائي، أريد مكافحة حقيقية للإرهاب، لكن ذلك لن يتحقق إذا استمر العالم في استخدام هذا العنوان الفضفاض لتبرير أهداف اخرى تعزز الإرهاب ولا تكافحه. أريد مكافحة الارهاب والقضاء على هذا الوجه القبيح للعنف.
أود التذكير بأني لست سياسية أروج لمصالح دولية ولا موظفة في آلة نظام مستبد يقاوم رياح التغيير متخفيا تحت رداء مكافحة الارهاب الزائف حتى اختصر مكافحة الإرهاب في عنوان أعمى لا يفرق بين الشعوب وقضاياها العادلة، وجماعات الإرهاب وخلاياه وثقافته.
إن مكافحة الارهاب تقتضي اولا تحرير الحرب العالمية ضده من الاستخدام السيء لنظام عالمي دولي وجد في هذا العنوان ما يلبي حاجته لإعادة انتاج السيطرة والدفاع عن مصالح ضخمة لا أخلاق لها ولا قيم.
أرى أن مكافحة الإرهاب تحتاج الى إزالة هذا الخلط الدامي هناك حيث تسحق مدن الموصل والرقة وحلب ومدن اخرى سورية وعراقية ويقتل عشرات الالاف ويهجر مئات الالاف من بيوتهم ومدنهم في هندسة طائفية للمجتمعات من قبل أنظمة طائفية مستبدة، وكل ذلك يتم باسم مكافحة الإرهاب!.
تخيلوا! أي عالم هذا الذي يموت فيه الأطفال والمدنيين بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي، ويقدم ذلك للعالم باسم مكافحة الإرهاب!.
في مقابل هذه المهزلة يصمت العالم.
العالم الذي يعرف جيدا أن ثورة في سوريا قد خرجت في 2011، وأن النظام الأسدي استدعى الميليشيات الطائفية حزب الله في لبنان والنجباء وعصائب الحق من العراق واستدعى ايران وحرسها الثوري لتخوض معركة البقاء بجانبه، واستدعى القوة العظمى روسيا في حرب مباشرة تقصف المدن وتحارب على الأرض وتتفاوض نيابة عن النظام، وكل ذلك يقال للعالم أنه لمكافحة الإرهاب.
الاصدقاء والصديقات..الحضور جميعا:
دعونا نلقي نظرة سريعة على ما يراه عالم اليوم ساحات صعود الارهاب في السنوات السبع الاخيرة.
لقد ساهم العالم في جلب الارهاب والميليشيات الطائفية الى الواجهة في ظل دول منهارة.
لقد صنفوا الاحزاب والحركات الاسلامية التي اقرت بالنشاط السياسي السلمي والعمل تحت سلطة القانون والدساتير والدول ونبذت العنف والارهاب صنفوها حركات ارهابية عقابا لها على مشاركاتها في ثورات التغيير السلمية والدخول في الديمقراطية والانتخابات والاحتكام لصناديق الاقتراع. وعوضا عن ذلك، قاموا بدعم جبهة النصرة وجيش الاسلام و"داعش" وكل تشكيل ارهاب، كل ذلك لرسم لوحة دامية تغطي ثورات شعوبنا السلمية.
أرادت الدول الكبرى في الغرب الديمقراطي ومعهم روسيا من الجهة المقابلة، أن ترى صورة العربي كما رسمها خيال المستعمر التاريخي لا كما هي في الواقع، وكما تجلت بصورتها الناصعة في ربيع العرب في 2011 ملايين الحناجر الشابة والعيون المتطلعة للالتحاق بقيم التقدم والحرية والكرامة والعدالة وحكم القانون.
لقد أرادوا أن يسدلوا الستار على هتافات الحرية والصورة الحضارية للعرب وشعوبهم وهم يتظاهرون سلميا ويرفعون صوت التغيير والدخول الى قيم العصر والإنسانية.
الواقع يقول أن بلداننا تدمر بصراع القوى العظمى وعبر وكلائها الإقليميين ووكلائهم من الميليشيات الطائفية والمتطرفة والأنظمة التي فقدت سلطتها وتوازنها أمام ثورات الشعوب.
بدون ادراك هذه الحقيقة ستكون مكافحة الارهاب ناقصة ومضللة. هذا العسف الدولي في تجاهل قضايانا وثوراتنا وتطلعاتنا ومشاكلنا مع الديكتاتورية والفقر والبطالة والتبعية وغياب الديمقراطية يخلق بيئة مستدامة للإرهاب.
مهما ذهبت الحرب العالمية ضد الإرهاب في الاجراءات الأمنية والحروب والتحالفات مع الديكتاتوريات ستعود يوما لتقر بضلال هذا المسلك ولا جدواه.
هذه الاطراف وهذا الضلال الذي تمشي فيه يحول الارهاب الى اداة لإعادة انتاج أسوأ ما عرفته البشرية: الديكتاتورية والظلم وقهر الشعوب.
لقد نمت ثقافة التطرف الديني والارهاب بطلب دولي في السبعينات وفق اتجاه رياح المصالح الدولية، لقد اختارت المصالح الدولية أسوأ ما في ثقافة المسلمين وفقههم وتراثهم الديني من تطرف وانغلاق وتأصيل لنبذ الاخر واستباحة دمه، ووفروا لها كل الدعم لتكبر وتتضخم وتنتقل من أجزاء صغيرة معزولة الى نغمة دم قبيحة ترهب مجتمعات العرب والمسلمين والعالم.
كانت ثقافة التطرف خافتة وآثارها قابلة للمواجهة في نظم التعليم والتنمية وتشجيع تحديث المجتمعات والتحول الديمقراطي والانفتاح على الاخر وثقافته. غير ان شيئا من ذلك لم يحدث.
الانفتاح على العالم بقي حصريا في الاستهلاك ومولات تسوق يرتادها بشر يفكرون بعقلية القرون الوسطى، من دعم الارهاب وفتح خزائنه لطبع ملايين الكتيبات التكفيرية واحتضان ثقافة التزمت والتطرف واستقبل جماعاته ومولها وصدرها لتعظ وتدير المنابر والجوامع ولتحارب في بقاع الارض المختلفة، لن يخدعنا مرة أخرى باسم مكافحة الارهاب.
أتحدث عن مملكة القرون الوسطى وأنتم تعرفونها جيدا. مملكة اسامة بن لادن وفريق تفجيرات مانهاتن الزلزالية.
اليوم يقول ولي عهدها إنه يقود التغيير في المملكة؟
أتدرون ما هو التغيير: ليس الا محاربة فرص التحول التي خلقتها الثورات السلمية ، ودعم حظر نشاط الاحزاب الاسلامية المعتدلة التي آمنت بالدساتير وشكلت أحزابا واعدت برامج تخوض بها المنافسة السياسية دون ان تدعي احتكار تمثيل الدين وتصنيف الناس الى مؤمنين وكفار. إنه شن حرب على الاسلاميين المعتدلين الذين شاركوا شعوبهم ثوراتها الشعبية في ربيع العرب في 2011. انها ثورة مضادة يقودها ولي عهد السعودية وحليفه الإماراتي من ليبيا الى اليمن.
كنا ربيع ثوري سلمي يمثل مناخ مغاير ونابذ للإرهاب والعنف وجماعاته.
وكانت الديكتاتورية والمستبدون خريفا يتساقط قنابل وبراميل متفجرة فوق المدن وسكانها وصنعوا بحروبهم الشاملة ضد شعوبهم انهيار الدولة وفراغات للإرهاب وبيئة مناسبة لجماعات ارهابية متنقلة تضع نفسها في خدمة المخابرات العالمية والإقليمية والانظمة الباحثة عن أدوات تستخدمها لتمويه المعركة الدموية التي تخوضها للانتقام من الشعوب التي رفعت صوتها عاليا بهتافات الحرية والحياة في 2011.
الأصدقاء الأعزاء:
إن التطرف والتعصب الديني يعد من الأسباب المباشرة للإرهاب، والحقيقة ان المتعصب دينيا لا يستهدف الأشخاص المختلفين معه دينيا وحسب، بل يقوم باستهداف أبناء دينه وقومه إذا اعتقد أنهم يخالفونه الرأي والمعتقدات، فالمسلم المتعصب لديه استعداد لاستهداف المسلمين العاديين، والمسيحي المتعصب لديه استعداد لاستهداف المسيحيين العاديين، وهكذا، فإن المتعصبين في جميع الأديان لديهم قابلية لاستهداف أشخاص يشاركونهم نفس المعتقدات أكثر من الذين لا يشاركونهم تلك المعتقدات.
أعتقد أنكم جميعا قد صادفتم هذا النوع من المتعصبين الذين يقومون بممارسة الارهاب دون خجل أو خوف من العقاب، هؤلاء في الحد الأدنى يشجعون على ارتكاب الجرائم الارهابية التي تحدث هنا وهناك وتثير غضب كل شخص لديه ذرة من ضمير أو مشاعر.
الأصدقاء الاعزاء:
من غير الممكن الحديث عن الإرهاب في 2018 من دون الإشارة الى إرهاب الدولة الذي تمارسه روسيا وإيران ونظام بشار الأسد ضد السوريين في ترويع وابادة بالغاز الكيماوي وبمذابح قتل جماعي مهولة وتتغطى باسم مكافحة الارهاب وجماعاته. هل يمكننا الحديث عن الإرهاب واسبابه وسبل مكافحته بمعزل عن إرهاب الدولة هذا الذي قتل نصف مليون سوري وشرد الملايين ؟!.
كانت الديكتاتورية وغياب الديمقراطية حاضرة في كل الاطروحات التي بحثت في أسباب الظاهرة الارهابية ووسائل مكافحة الارهاب بعد سبتمبر أيلول 2001.
وبعد ما يقرب من عقدين نشاهد مذابح وجرائم ضد الانسانية يرتكبها النظام السوري وحلفاءه أودت بعشرات الالاف من السوريين رجالا ونساءا وأطفال تحت مبرر مكافحة الارهاب.
هل يمكننا مكافحة الإرهاب بنفس الاعلام الدعائي لديكتاتور مثل عبدالفتاح السيسي، ومباركة انتهاكاته؟!.
في مصر ألقى انقلاب السيسي بستين الف معتقل في السجون ومعهم رئيس منتخب في أنزه انتخابات ديمقراطية في تاريخ مصر والعرب. والآن شاهد العالم انتخابات السيسي الهزلية اذ رمى بكل منافس محتمل في السجون، حتى وهو يحكم قبضته البوليسية لا يقبل أن ينافسه أحد حتى شكليا، ويقول أن ما يفعله حرب ضد الارهاب.
سيكون صعبا المضي في مكافحة حقيقية للظاهرة الإرهابية على المستوى العالمي دون أن يتم الفصل بين عنوان مكافحة الإرهاب، وتوظيفه واستخدامه سياسيا وعسكريا من قبل الانظمة المستبدة والدول الكبرى غطاءا لضرب معارضيهم والثورات الشعبية ومجتمعاتهم، كلما وجدوا أن حركتها تشكل تهديدا لسيطرتهم وطغيانهم.
الإرهاب استخدم في السنوات السبع الماضية عنوان عائم وواسع، يتم تحته مكافحة الثورات الشعبية السلمية وأشياء كثيرة فيما عدى الإرهاب الذي ينمو ويتوسع من بلد الى آخر.
لقد كافحوا الثورات السلمية وخلقوا كل الشروط في الواقع للتطرف والجماعات المتطرفة والإرهابية.
في اليمن، الموضوع أكثر وضوحا وابتذالا في الوقت نفسه، فالسعودية والامارات يقودون حربا كبيرة في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات، يقومون بقصف كل شيء تقريبا، ربما باستثناء معسكرات المتمردين، يقومون بحصار البلاد تحت دعاوى تحريره من ميليشيا الحوثي الارهابية المدعومة من إيران.
بعد ثلاث سنوات من الحرب، والقصف، وترويع المدنيين، وقطع الرواتب، وتفشى الأوبئة، وانتشار الجوع والفقر، لم تعد السلطة الشرعية إلى عدن، ما يزال الرئيس محتجزا في الرياض، في غضون ذلك، تنشط الامارات في الاستيلاء على جزر وموانئ اليمن، وفي دعم الميليشيات المتطرفة ضد الحكومة الشرعية، أذهبوا لقراءة تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، لتتأكدوا كيف يتم العبث بمصير ومستقبل اليمن تحت سمع وبصر العالم.
تنشط الأمارات في بناء السجون السرية، في تعذيب المعتقلين، في الإساءة الى الإنسان اليمني، يقومون بكل الموبقات في اليمن، ثم لا يخجلون من الكذب.
إيران تدعم ميليشيات الحوثي العنصرية، والسعودية والامارات يدعمون مليشيات متطرفة موالية لهم. يجب أن يعرف العالم الحقيقة، اني اقول لكم ما يحدث، وأطالب بوقف هذا الجنون في بلادي، وفي منطقة الشرق الأوسط. شعوبنا تستحق الحياة الكريمة، وتستحق الحرية.
الأصدقاء الأعزاء:
كلام كثير يمكن أن يقال عن الإرهاب ووسائل مكافحته وتجفيف منابعه. وهو كلام مكرور وتعرفونه جميعا.
مع ذلك ارى ان لا جدوى من كل هذا الحديث العالمي عن مكافحة الارهاب مالم يبدأ من الحرف الاول في ابجدية نبذ الارهاب وتجفيف منابعه، وأشير تحديدا وحصرا الى هذا الخلط بين حرب الديكتاتوريات ضد شعوبها، وحرب مكافحة الارهاب.
انتزعوا هذه الورقة البائسة الملطخة بدماء الأبرياء من يد قتلة شعوبهم. قولوا بوضوح كدول عظمى ومجتمع عالمي وديمقراطيات عريقة ان معركة الرمق الاخير للدكتاتور لا تكافح الارهاب وإنما تصنعه.
ارفعوا الغطاء عن إرهاب الدولة وسفاحي العصر.
الارهاب لا يُحارَبْ بقتل الشعوب وإنما بإحيائها ومساندة تطلعاتها للحرية والانعتاق من قيود ديكتاتورية مظلمة لا ينمو في اقبيتها الا الموت والتطرف والكراهية.
لماذا يضعنا العالم امام خيار سيّء بين الاستبداد والارهاب ؟!
هل بمقدورنا ان نحارب الإرهاب والديكتاتوريات معا في وقت واحد ؟!
نعم.
وكل حرب ضد الإرهاب هي حرب ضد الديكتاتورية، وكل كفاح ضد الديكتاتورية هو كفاح ضد الإرهاب، الإرهاب والاستبداد في ضفة، والشعوب الحرة في الضفة المقابلة لهذا الثنائي المضاد للحياة الانسانية.
الإرهاب والديكتاتورية وجهان لعملة واحدة لا نقيضان.
لن نسمح بأن يكون الإرهاب قارب نجاة للديكتاتوريات المتهالكة.
الأصدقاء الأعزاء:
الإرهاب شيء مقيت، وبشع، والاستبداد يماثله في القبح والبشاعة، ما حدث لمسلمي الروهينجا نتاج الارهاب والاستبداد، ما يحدث لكثيرين حول العالم من جرائم وانتهاكات هو نتاج هذين الخطرين.
أخيرا، قبل أن أنهي كلمتي التي أريد أن تصل معانيها إلى كل واحد منكم بطريقة صحيحة، أود أن أحيي الزميلة الشجاعة والحاصلة على جائزة نوبل للسلام ملالا يوسف زاي. اشكرك على حضورك هذه المحاضرة .. إنك مثال رائع على كفاح الناس البسطاء والصادقين ضد الإرهاب والتطرف، لقد قررتي مواجهة التعصب المقيت مهما كانت المخاطر، وقد انتصرت.
شعوبنا هي الاخرى سوف تنتصر، شعوبنا بسيطة وصادقة ولديها حلم كبير وإرادة أكبر بالعيش في حرية وكرامة وشموخ.