كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في مؤتمر تمكين المرأة في افغانستان - استانا/كازاخستان
الأصدقاء والصديقات، الحاضرون جميعا في هذا المؤتمر.. أود في البداية أن أحيي كازاخستان؛ هذا البلد الفتي الذي قدم نفسه في العقود الثلاثة التي قاربت على الاكتمال كبؤرة سلام فعالة لقارة آسيا التي يقع في قلبها،
ولن آت بجديد اذا ما كررت هنا ذكر جهود كازاخستان ودبلوماسيتها النشطة والمؤتمرات والفعاليات التي استضافتها آخذة من قضايا السلام والتنمية والحوار وانهاء الحروب وحوار الأديان والتعليم وبناء القدرات عناوينا لها.
جهود بلدكم التي تولي أفغانستان أهمية خاصة لها أهمية مضاعفة في عالم يتجه نحو الحروب والتفكك وفقدان العلاقات الدولية لاهتماماتها في إرساء السلام ودعم جهود التنمية وتركيزها على الصراعات الامبراطورية وحفظ الأمن الداخلي للدول التي أصبحت سياسة انكماشية لأوروبا والدول الكبرى.
وباستمراريتكم في نهجكم هذا فأنتم تساهمون مع شركاء كثيرين في العالم دولا ومنظمات وأفرادا وناشطين من أجل السلام والأمن وحقوق الانسان وحرياته في كافة أنحاء العالم في خلق عالم أفضل تتعزز فيه فرص النمو والحقوق والمساواة بين الرجل والمرأة.
أعزائي، عزيزاتي..
على مدى أربعين عاما شهدت أفغانستان حربا مدمرة، ويأمل الرجال والنساء هناك في الحصول على فرص افضل للحياة والعمل والعيش الكريم والتمتع بالحقوق والحريات المكفولة لكل البشر في ظل دولة قانون واستقرار يمكنهم من إبراز قدراتهم وطاقاتهم وتجاوز اثار الحرب النفسية والمجتمعية على حد سواء. لا ننسى هنا ان نلفت الانتباه الى التعليم، التعليم كأساس لأي توجهات لإعادة الاعتبار للمرأة الأفغانية ومحاصرة ثقافة التطرف التي تم الترويج لها عبر مضخات هائلة تداخلت فيها أموال النفط بموروث الفقه الوهابي بداية من نهاية السبعينات.
إن الجانب الآخر في ثنائية الدولة الدينية الكهنوتية "السعودية - إيران" لم يكن بعيدا عن تشكيل هذا الواقع البائس، فهو بدوره يبدأ من حيث انتهى نقيضه، ويشاركه في نفس النظرة الدونية للمرأة والتوجهات المذهبية للسيطرة على عقول الشباب والطلاب في أفغانستان كواحدة من أهم بؤر الصراع الإقليمي العالمي، صراع تتداخل فيه الأفكار مع الاقتصاد مع المذاهب والأيديولوجيات.
أعزائي، عزيزاتي..
تعاني النساء في معظم انحاء العالم من التمييز، وغالبا ما يصحب ذلك ارتفاعا في معدلات العنف تجاههن. لا يوجد سبب منطقي لكل هذه القسوة تجاه المرأة، في النهاية هناك صلة ما توجد بين الرجال والنساء ولا أظن أن أحدا يملك الحد الأدنى من المشاعر والتفكير السليم يمكنه أن يقبل أن تتعرض زوجته أو أمه أو ابنته للعنف أو للظلم.
عندما يتم تخصيص هذا المؤتمر للمرأة الأفغانية فهذا لا يعني أن حال المرأة في بقية الدول على خير ما يرام، ولكن لأن أفغانستان من البلدان التي شهدت أعلى معدلات تهميش وعنف ضد النساء، وهو الأمر الذي يجب أن يتغير الآن. التقارير التي تنشر من جهات موثوق بها حول وضع المرأة الأفغانية تحتوي على احصائيات مرعبة، فوفقا لصندوق السكان التابع للأمم المتحدة فإن 87 بالمئة من الأفغانيات يعتبرن ضحية لنمط واحد على الأقل من العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وتتعرض 62 بالمئة منهن لأنماط متعددة من الانتهاكات. وتبعا لذلك، فهناك نحو 3 آلاف أفغانية يقدمن على الانتحار سنويا بحسب لجنة "حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة" التي اشارت إلى ارتفاع معدلات الانتحار في إقليم هيرات إلى أكثر من نصف الحالات في أفغانستان كلها.
أحيانا تلعب بعض العادات والتقاليد دورا في تنامي العنف ضد المرأة، سواء تلك التي تسمح بزواج فتيات صغيرات السن، وما قد يترتب على ذلك من مخاطر تهدد حياتهن، أو تلك التي تمنع العناية الطبية المتعلقة بالحمل والولادة، ما ينتج عن ذلك موت بعض النساء الحوامل عند الوضع، فهناك ثقافة متشددة لدى بعض الرجال تحول دون حصول النساء على العناية الصحية في المستشفيات أثناء الولادة، خصوصاً إذا كان يحوي المستشفى رجالا في قوائم أطبائه وممرضيه.
الأعزاء، والعزيزات..
إننا إذ نشير هنا الى المجتمع الدولي ومسؤوليته في دعم أفغانستان والنهوض بواقع المرأة الأفغانية نبدأ بالدولة العظمى التي استثمرت ترسانة تطرف في افغانستان، ثم عادت لتحتلها بعدما انفجرت قنبلة الإرهاب في وجهها وفوق العالم كله بعد 11 سبتمبر 2011.
تعد افغانستان نموذجا لتخلي العالم عن بلد فقير دمرته الحرب. العالم المحكوم بدواعي الخطر الأمني والصراعات الجيوسياسية مايزال يمعن في تغييب الجهد الحقيقي والفعال عندما يحين وقت البناء والأعمار وبناء التعليم ودعم الاقتصادات المدمرة.
إنني أناشد الدول المانحة ومنظمات الأمم المتحدة والدول الكبرى والاتحاد الاوربي كي تفعّل سياساتها المرنة لدعم استقرار أفغانستان واحداث فارق في اوضاع النساء حيث الفئة الاكثر تعرضاً للظلم والتهميش والانتقاص من الحقوق.
وإننا اذ ننادي شركاءنا العالميين للتفاعل مع هذا الجهد، لنشد في نفس الوقت على أيدي المكافحات الأفغانيات ونحيي جهودهن، وهي جهود ونضالات من أجل نهوض أفغانستان وأمنها واستقرارها، فمن خلال تجاربنا وأوضاع بلدان عديدة مرت بتجارب مماثلة تتأكد دائماً حقيقة أن قضية المرأة لا تحقق تقدما فارقاً دون أن يواكب ذلك تقدما في تغييرات وتحولات تشمل المجتمع بأسره والدولة والقانون والنظام القضائي والحقوقي وتحقيق نهضة نوعية في التعليم توفر مناخات ملائمة للتقدم في قضايا المرأة ونضالاتها من أجل الكرامة والمساواة ونبذ التمييز والظلم والاستعباد.
الاصدقاء والصديقات..
في هذا العالم يوجد مجتمع مدني عالمي كان دائماً تواقا لتقديم العون من أجل النهوض بقضايا المرأة ومشاركتها في الفعل العام والتقدم خطوات الى الأمام من أجل توسيع حضور النساء ونيل حقوقهن، من المهم استمرار التشابك العالمي بين الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية والدول المانحة على المستوى العالمي وتطوير الأنشطة والجهود العالمية من أجل إحداث فرق في قضايا المرأة في أفغانستان ودورها ومشاركتها في بناء مجتمعها وتكامل الجهود النسوية مع حركة المجتمع ككل من أجل التعليم والتغيير الثقافي والتحرر من الاستبداد والاضطهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ويبدو لي أن هذا المؤتمر الذي يبحث في موضوع "تمكين المرأة في أفغانستان" يأتي في هذا الإطار، إطار الشراكة الإقليمية والدولية لتغيير واقع المرأة في أفغانستان بحيث تصبح قادرة على المشاركة في التنمية وفي العمل السياسي وفي كل مناحي الحياة العامة دون قيود ودون خوف من قوانين مجحفة تكبل قدرتها على الحركة والعمل والمساهمة في نهضة المجتمع.
الأعزاء والعزيزات..
على مدار السنوات الماضية دعيت لعشرات المؤتمرات واللقاءات التي تتناول وضع المرأة، وكان هناك دائما وجهات نظر مختلفة، لكن أبرزها تلك التي تلقي بالمسؤولية بشكل كامل على الرجل، وتعتبره عدوا وخصما يجب التخلص منه. كثير من الجمعيات والمنظمات التي تعمل في مجال حقوق النساء تنطلق من فكرة أن الرجال والنساء يشكلان موضوعين مختلفين، وهذا ما كنت أرفضه باستمرار. فأنا اعتقد أن الانتصار للمرأة ليس بالضرورة بهزيمة الرجل، إن الانتصار للمرأة يبدأ بالانتصار للرجل، الحقيقة يجب أن ينتصر الرجل والمرأة معا، في النهاية الرجل الذي يعاني من القمع السياسي أو الديني أو الاجتماعي لن يقدم سوى القمع للمرأة، لذا تتلخص وجهة نظري في مكافحة الاستبداد والتهميش السياسي ضد المواطنين بشكل عام رجالا ونساء، وهذا كفيل بأن يكون لدينا مجتمعات غير مقهورة تمارس القهر ضد بعضها البعض، فالأشخاص الأسوياء الذين يعيشون في ظل حياة طبيعية على الاغلب لا يقومون بأعمال غير جيدة تجاه الآخرين.
ما أريد قوله باختصار، إن تمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإشراكها في عملية التنمية وضمان حصولها على حقوقها لن تكون مسألة سهلة إذا كان هناك استبداد سياسي أو ديني او اجتماعي، هذا هو جوهر الموضوع، أما إذا كان القصد هو نوع من تجميل المشهد القبيح، فهذا ممكن، وهذا ما تقوم به الأنظمة المستبدة في العادة.
علينا الدخول في صلب المشكلة، علينا إسقاط الاستبداد بكل اشكاله، إذا أردنا حالا أفضل للرجال والنساء على حد سواء. لكن هذا لا يمنع من الكفاح لرفع الظلم عن كاهل النساء اللواتي يعتبرن أكثر الفئات تعرضا للظلم، وأظن أن النساء الافغانيات قادرات على قيادة مثل هذا الكفاح العظيم، وتحقيق نتائج مهمة على هذا الصعيد، وأتوقع أنهن سوف يجدن رجالا أفغان يقفون معهن في هذه المهمة العظيمة.
أصدقائي، صديقاتي..
في بلدي اليمن، قطعت المرأة شوطا مهما في مجالات كثيرة ومن بينها التمكين السياسي، الوضع ليس مثاليا، لكنه أفضل من دول كثيرة، فقد شاركت المرأة في أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل بفعالية، ونصت مسودة الدستور على ضرورة أن تتمثل النساء في البرلمان والمناصب الحكومية بنسبة 30 في المائة، لكن مع الحرب أصبحت هذه المكاسب المهمة مهددة بالزوال.
إن الحرب الدائرة في اليمن ببعديها المحلي والإقليمي تشكل انتكاسة لمكتسبات الشعب اليمني وفي مقدمته النساء، فالذين يديرون الصراع في اليمن سواء كانوا ميليشيا الحوثي أو التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات معادون بطبيعتهم للمرأة، لذا سيكون من المهم أن نعمل على معالجة ما تركته الحرب من أضرار فادحة، وأن نقاوم بشدة أي محاولة للنكوص عن المكتسبات، النساء والرجال على حد سواء، فالدول لا تتمكن من النهوض إلا بجميع ابناءها، هذا ما اثبتته التجارب على مدار التاريخ.
إن اليمن التي ننشدها هي دولة اتحادية ديمقراطية، تسودها قيم الحرية والمساواة والعدالة وسيادة القانون، إن المرأة التي نريدها هي التي تشارك بفعالية في تنمية مجتمعها، ونهضة بلدها جنبا إلى جنب بجوار الرجل.
المجد للنساء المكافحات من أجل المواطنة والمساواة والكرامة والحرية والعدل في أفغانستان وفي اليمن وسوريا وفي كل بقاع الأرض وكل مكان في هذا العالم.