كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في حفل تسلمها جائزة الأم تريزا - الهند
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، اليوم، كلمة خلال تسلمها جائزة الأم تريزا في العاصمة الهندية نيودلهي..فيما يلي نصها:
الأصدقاء والصديقات، أعزائي الحاضرون في هذا الحفل الكريم، سلام الله عليكم؛
أعبر بدايةً عن اعتزازي بهذه الجائزة الانسانية المهمة التي منحت لي، وأرى الثقة الممنوحة لي بهذه الجائزة حافزا اضافيا لتأكيد إيماني بالقيم الانسانية التي تمثل توجهاتي وأساس نشاطي وفعاليتي، حافزا يزيدني إيمانا بالكفاح من أجل السلام والعدالة والحرية والكرامة والمساواة والحياة الكريمة لكل البشر.
انه لشرف كبير أن يتم منحي جائزة مرموقة كجائزة الأم القديسة تريزا. لقد كافحت الأم تريزا من أجل الفقراء لإدراكها العميق بأن الألم الناتج عن الفقر والحرمان والجوع يؤذي النفس البشرية ويؤذي المجتمع ويهدد بزواله. ولا أعتقد أنه غاب عن فكرها وهي تقوم بأنشطتها في مجال رعاية الفقراء والمحتاجين أن الجائع يصعب أن يكون حرا كما يقال.
الأصدقاء الأعزاء؛
في الهند، هذا البلد الكبير بنموذج التعايش بين ابنائه قبل ان يكون كبيرا بعدد سكانه ومساحته، نتذكر طفولة البشرية الأولى، تاريخها الروحي معرفتها الأقدم بالديانات والطقوس والتصوف والتعبد، الصلة الأولى بالخالق إله الكون وكل البشر قبل تفرع الأديان وتعددها.
من هذا البلد الثري بتاريخه الروحي والانساني انطلقت أيقونة العمل الإنساني في القرن العشرين الأم تريزا، ومنه توزعت الإرساليات الخيرية الى بقاع شتى في العالم لتقدم العون والخدمات الطبية والإنسانية لبشر يستحقونها بهويتهم الانسانية، الهوية الانسانية لا خانة الديانة والانتماء أو غيرها من الهويات.
الأصدقاء الأعزاء؛
في احتفائية كهذه لا شيء اكثر اولوية لنتذكره ونؤكد عليه اكثر أهمية من تذكر واستلهام القيم التي شكلت هذه المؤسسة الانسانية والإرساليات الخيرية ومجمل العمل الإنساني الذي ارتبط بها وانطلق منها.
لم يعرف العالم نشاطا انسانيا منزّها عن كل غرض كما عرفه من الإرساليات الخيرية للأم تريزا.
ان الرمزية التي مثلتها الأم تريزا تلهمنا وتدفعنا الى الكفاح المتواصل من أجل عالم تسوده العدالة والسلام والكرامة وفرص العيش الكريم لكل البشر.
رمزية الأم تريزا لاتنتهي في العمل الخيري الإنساني الذي كانت رائدته الاولى عالميا، وإنما تتجاوزه الى القيم التي بقيت تدافع عنها وتستلهمها وتتطلع الى انتشارها، وقد كان تركيز اهتمامها بالبشر الذين يسحقهم الفقر والمرض ولا يلتفت اليهم احد، تعبير عن قيمها وطريقتها الإيجابية في الاحتجاج على عالم اللامساواة والظلم والقهر الذي يدفع بمزيد من البشر الى المعاناة في هوامش المجتمعات وأحزمة الفقر والانسحاق.
الأصدقاء الأعزاء؛
اتحدث إليكم اليوم وروح الأم تريزا تسكنني. كلماتها، سيرتها، انحيازها للمهمّشين للبشر الذين يعانون الفقر والمرض ولا تلتفت لهم الأضواء والسياسيين الا كمستهدفين اثناء الانتخابات الموسمية وتسويق الشعارات والدعايات السياسية التي لاتختلف كثيرا عن التسويق التجاري والدعاية الإعلانية الاستهلاكية للسلع.
الأصدقاء الأعزاء؛
إن واجبنا جميعا هو العمل على مكافحة الفقر والجوع قبل ذلك، إنه من العار أن يكون هناك أشخاص في عالمنا لا يجدون شيئا يسدون به رمقهم. لا أعتقد أنه يمكن قبول فكرة الفشل في هذا الميدان، علينا إذا كنا حقا نسلك الطريق التي سلكتها الأم تريزا وغيرها من الشخصيات المحبة للعمل الخيري في العالم أن نسعى لعالم بلا جوع، علينا أن نشكل أكبر تحالف لمناهضة الجوع والفقر، من المهم أن لا نتخاذل إزاء هذا العمل الإنساني العظيم
مسؤوليتنا وواجبنا في عالم اليوم ان نتمسك بالقيم الانسانية ونكافح من اجلها بتواضع وصلابة ونزاهة. الكفاح من اجل العدل والحرية والسلام والعيش الكريم وفرص الحياة اللائقة لكل إنسان على هذه المعمورة.
الأصدقاء الأعزاء؛
إن علينا ونحن نخوض معركة ضد الجوع والفقر، أن ندرك أن هذه العملية التي نحن بصددها ليست عملا منفصلا عن مكافحة الاستبداد السياسي والديني، إن الاستبداد يصنع العجز والبؤس، وينشر الخراب ويؤدي إلى الحرب والفوضى. المستبدون يعتقدون أن الناس لا يستحقون الحياة حياة كريمة، ولذا لن نتمكن من المضي في مسار الحد من الفقر والقضاء على الجوع، وهناك مستبدون يمارسون الإرهاب، ويقومون ببث الرعب في أوساط شعوبهم. علينا أيضا أن نكون واضحين تجاه الإرهاب والإرهابيين، يجب أن نكون واضحين جدا، وأن لا نسمح باستغلال هذه الأمر للتخلص من المعارضين السياسيين. كما تعلمون، فالاستبداد يجلب الموبقات، يجلب الفقر ن يجلب الفساد، يجلب الخراب، ويجلب الحروب. لنكن صوتا واحدا ضدهم. لا يجب أن نجامل المستبد، علينا الوقوف بجانب المظلومين أيا كان انتماءهم العرقي أو الديني أو السياسي.
الأصدقاء الأعزاء؛
لنوقف أسباب الفقر، لنوقف أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تفريخ الضحايا والفقراء، واقصد هنا الحروب، علينا العمل من أجل السلام، السلام الحقيقي، السلام الذي لا يستفيد منه امراء الحرب، والسلام الذي لا يستفيد منه اللصوص والمجرمون. لتخسر شركات السلاح قليلا، المهم أن نربح أنفسنا، ومجتمعاتنا.
في بلدي اليمن تدور أكثر من حرب تستهدف وجود اليمنيين الذين أقاموا واحدة من أعظم الحضارات في العالم، اعتقد أن اليمن يحتاج إلى أصواتكم، نعم، يحتاج إلى أصواتكم. المستبدون واللصوص والميليشيا خطر ليس على اليمن فقط، ولكن على الاستقرار والأمن الدوليين.
الأصدقاء الأعزاء؛
قبل عدة أيام، فقد العالم صوتا حرا هو الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حدث ذلك عبر عملية قتل بشعة تتكشف تفاصليها كل يوم، لن أتحدث طويلا في هذا الموضوع، لكني أدعو إلى لجنة تحقيق دولية، تقوم بالتحقيق وإحالة المتورطين إلى محكمة الجنائيات الدولية، لا يجب أن يشعر المستبدون والقتلة بالأمان، وإلا فإن العالم سوف يتحول إلى غابة، وهذا ما لا يجب أن نوافق عليه.
ختاما اعزائي عزيزاتي أقول لكم؛
إن الرسالة التي عاشت من أجلها الأم تريزا وكل المكافحين من أجل السلام والعدالة وكرامة البشر لن تموت.
السلام والعدالة والكرامة والحرية هي مرادفات للإنسان، وبدونها تختل الحياة والنواميس والفطرة التي فطر الله الناس عليها.
شكرا لكم، شكرا للأم تريزا التي جمعتنا.