كلمات
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في قمة الدبلوماسية التي تستضيفها العاصمة البريطانية لندن فيما يلي نصها:
في البداية أود أن أعبر عن مدى سعادتي بالمشاركة في قمة لندن الدبلوماسية. شكرا لكم جميعا.
الاصدقاء الاعزاء:
جميعنا يدرك أهمية الدبلوماسية في السياسة الدولية، ويراها الأكثر تأثيرا في بناء علاقات جيدة بين الدول والحكومات. عندما الحديث عن الدبلوماسية، غالبا ما يبرز اتجاهان، الاتجاه الأول يرى الدبلوماسية العمل الأكثر احتراما الذي يمكن لدول وحكومات العالم القيام به. وكلما كان هناك مبادرات دبلوماسية تتعلق بإحلال السلام، أو بمواجهة أخطار تهدد العالم مثل الإرهاب أو التلوث البيئي أو الإتجار بالبشر فإن هذا يبعث برسالة اطمئنان إلى الشعوب التواقة للعيش بسلام.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن الدبلوماسية هي تعبير عن العجز والنفاق الدوليين، إذ تحت هذه اللافتة يتم الافتئات على حقوق الشعوب الضعيفة، وإبرام الصفقات المشبوهة التي تتعارض مع مصالح الشعوب وتطلعاتهم المحقة.
في الحقيقة أن هناك من يعتبر الدبلوماسية مكانا لطبخ المؤامرات وسلب الحقوق، وقد ساعدت بعض الأعمال غير الجيدة على ترسيخ مثل هذا التصور المجافي للحقيقة.
لقد آمنت دائما بأن هذا العالم يحتاج إلى دبلوماسية وحوار وتنمية أكثر مما يحتاج إلى حروب وصراعات مسلحة تهدر فيها الامكانات والموارد وحياة البشر.
الاصدقاء الأعزاء:
مؤسف أن نرى ازدياد معدلات الإساءة إلى وسائل الدبلوماسية وإلى وظائفها، وغير بعيد ما جرى للصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي تم قتله بطريقة بشعة في قنصليه بلاده لمجرد أنه أدلى برأي مستقل عن رأي الحكومة السعودية. إن مسألة الانحراف بعمل السفارات والقنصليات وممارسة الابتزاز من خلال إصدار الوثائق الرسمية للمواطنين تحط من الفكرة الرائجة عن العمل الدبلوماسي بأنه نشاط حثيث لتقديم صورة جيدة عن هذا البلد أو ذاك.
ولا شك أن هذا الانحدار في العمل الدبلوماسي، لا ينفصل عن المشكلات التي تعاني منها الدبلوماسية بشكل عام، والتي يأتي في مقدمتها غلبة الطابع الأمني على السياسي، وهو الأمر الذي يقلل من أفق الدبلوماسية ومجالاتها وطريقة مقاربتها للأمور. ولذا أتوقع أن يتم تعديل اتفاقية فينا للعمل الدبلوماسي، حتى يتم الحد من سوء استخدام الحصانة الدبلوماسية، وبما لا يتعارض مع سيادة الدول على سفاراتها وقنصلياتها. أما موضوع جمال خاشقجي، فأنا أرى من المهم تشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف كامل الحقيقة.
الاصدقاء الاعزاء..
من المهم أن توضع حالة حقوق الانسان التي تشهد انتهاكات غير مسبوقة هدفا لدبلوماسية عالمية ذكية واخلاقية يكون هدفها تنشيط النظام العالمي لابتكار تدابير اكثر فعالية لمواجهة هذه الانتهاكات ووضع حد لها ومعاقبة مرتكبيها.
إن مشكلة مثل تدفق اللاجئين ينظر إليها باعتبارها قضية أمنية، فيما الحقيقة تشير إلى أن قضية اللاجئين هي قضية سياسية بامتياز، وقد بدأت بالتفاقم عندما تم السماح لطغاة مستبدين بممارسة كل أنواع القتل والإرهاب تجاه معارضيهم. وقد ساهمت التدخلات العسكرية الأجنبية في دعم أنظمة استبدادية بعينها اشتهرت باحتقار حقوق الإنسان في جعل المشكلة أكثر تعقيدا. وكما هو معروف، فإن الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج القانون تعد من ضمن الوسائل التي تلجأ اليها بعض الحكومات لفرض مزيدا من السيطرة على شعوبها.
إن قتل مئات الألاف في سوريا واليمن وليبيا والسعودية وإيران ومصر وروسيا وإسرائيل وبلدان عديدة، يعد من التطورات المؤسفة. كما أن لجوء بعض الحكومات لممارسة الإرهاب والعنف ضد خصومها السياسيين يعد ضربا لمبادئ الحرية والتسامح والمواطنة أيضا على غرار محاولة إيران تفجير اجتماع لمعارضيها في باريس، وسعي روسيا لاغتيال معارضين لها في لندن بطرق محترفة. أما ما يتعرض له شعب الروهينجا فيعد فوق الاحتمال، وهو أمر يجعل العالم مجللا بالعار، فقد شكّلت وحشية الحكومة العسكرية في بورما اختبارا للمجتمع الدولي، الذي فشل في اختبار حساسيته تجاه منع المحارق البشرية وحملات الإبادة البشرية، وهو أمر مروع حقا.
الاصدقاء الاعزاء:
في بلدي اليمن ترفع السعودية والامارات شعار استعادة الشرعية في اليمن، بينما هاتين الدولتين تنفذان انقلابات متعددة ضد السلطة الشرعية ويحتلون الموانئ والمطارات والجزر ويرتكبون مجازر ضد الانسانية، إنهم يعملون على إدخال اليمن في فوضى مستمرة، حتى يمكن نهب خيراته وأراضيه. وعلى الجانب الآخر، تقوم ميليشيا الحوثي بتوطيد اركان حكمها الفاشي في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، لدى مليشيا الحوثي سجل كبير بالانتهاكات والجرائم الجسيمة.
بعد أربع سنوات من الحرب المدمرة في بلدي اليمن يعاني ملايين اليمنيين من المجاعة وسوء المعيشة في ظل حالة من اللادولة والحرب والفوضى وانقطاع المرتبات والاجور وانهيار نظام الخدمات والعملة الوطنية.
مؤخراً تشكل رأي عام عالمي ودولي مدرك لمعاناة اليمنيين وبدأت جهود دولية للدفع بعملية سلام جادة تبدأ بإيقاف الحرب كخطوة أولى يليها جولة مفاوضات في السويد نتطلع جميعا لأن تنجح في وضع حد نهائي للحرب بالتوصل الى اتفاق سلام يعيد الاستقرار لليمن في ظل الدولة الموحدة وشرعية الجمهورية اليمنية لتستكمل جميع الاطراف السياسية مهام الانتقال السياسي للمرحلة الانتقالية وتطبيق مخرجات الحوار الوطني وإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد والانتخابات العامة.
الاصدقاء جميعا:
إن الحديث عن الحكم العالمي وضرورته ليس ترفا زائدا عن الحاجة، بل هو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات والتهديدات التي تتهدد عيشنا المشترك ومصيرنا الواحد على هذا الكوكب الصغير الذي يدمر سلامة مناخه وتنوعه البيولوجي. إن هذا التدمير الهائل للمناخ يلقي بآثاره الوخيمة على حاضر ومستقبلنا المشترك، ويخلق مخاطر وتهديدات وجودية تتهدد كل من يعيشون على ظهر كوكبنا الصغير إذ يذهب المصنعون بالفوائد، فيما نتقاسم جميعا المخاطر، تبدو هذه المعادلة الظالمة مختلة للغاية، واصلاحها على نحو عادل ومنصف بحيث نتشارك جميعا المخاطر ونتقاسم الفوائد مهمة الجميع، لاسيما النخب الحاكمة والساسة والناشطون والاعلاميون والمفكرون في كل ارجاء الكوكب ومنها مؤتمركم هذا. على هذه الجهود ان تمضي لخلق التزام عالمي فعال للحفاظ على سلامة الكوكب والكف عن كافة الأنشطة التي تؤدي إلى تدهور المناخ.
الاصدقاء الأعزاء:
في قريتنا الصغيرة هذه المحفوفة بالمخاطر بإمكانات الصراع ما يكفي لتدميرها مئات المرات وتقويض كل حالات الاستقرار والرفاه فيه وقطع الطريق أمام تحقيق كل حلم بالمستقبل الأفضل، فبدلا من حتمية الصراع علينا أن نجعل من السلام العالمي خيارا حتميا للجميع. علينا أن نتصدى لكل دعوات الكراهية بين الأمم، ولكل دعوات الصراع بين الشعوب والاديان والاعراق، فهذه الدعوات خطر بالغ تغذي الارهاب العالمي وتتغذى منه.
إن الحاجة الماسة لما يشبه حكومة عالمية إن بتحديث وتطوير آليات المنظمة الأممية، أو باستحداث منظمة جديدة تواكب هذا القرن وتتعامل بفاعلية مع تحديات المستقبل ليست ترفا يمكن تأجيله أو حاجة ثانوية نستطيع تجاوزها.
إن مكافحة الفقر، وتعزيز السلام وحقوق الانسان وحماية الكوكب من الانهيار عناوين كبيرة لكفاحنا المشترك، وأن تنظيم هذا الكفاح وحشد تلك الجهود وتنسيقها والتخطيط لها ومتابعة مدى الالتزام والوفاء يتطلب حكومة ومنظمة عالمية ذات صلاحيات واسعة وقدرات وامكانات تمكنها من اتخاذ القرار وتمويل الخطط والاستراتيجيات وإلزام من ينكصون عن الوفاء بالتزاماتهم وردع من يشذون عن الطريق فيصرون على ارتكاب الحماقات التي تنال من احلامنا المشتركة.
الأصدقاء الأعزاء:
في نهاية هذه الكلمة، أود أن أشير إلى أني لم أخصص جزءا من كلمتي للنساء، فأنا مؤمنة بأن النساء شريكات الرجال في كل شيء، يعملان معا، ويواجهان المشكلات معا. أريد أن أشير إلى وضع النساء في العديد من الدول اللواتي يدفعن ثمن مضاعف نتيجة الحروب والاستبداد، إن استهداف النساء يجعل المستقبل أكثر قتامة، فهي أساس الأسرة، والتي يمكن أن تقوم على رعاية الأطفال، وهي في ذات الوقت الشخص الذي يعمل بحرص وصدق شديدين لترسيخ دعائم الاستقرار والسلام في المجتمعات، وإضعافها يعد إضعافا للمجتمع. لا يفوتني أن أبدي تضامني الكامل مع عن النساء المعتقلات تعسفيا دون تهمة في سجون السعودية اللواتي يتعرضن للتعذيب وسوء المعاملة نتيجة مواقفهن المؤيدة لنيل النساء حقوقهن الاجتماعية.