كلمات
خطاب الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 11 فبراير
وجهت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، مساء اليوم، خطابا إلى الأمة اليمنية بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية.. فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الشعب اليمني العظيم
بسم ثورة الشعب السلمية التحررية، ثورة الحادي عشر من فبراير المجيدة
بسم فبراير وأهداف فبراير وساحات ثورته وميادينها
أحييكم جميعا أيها اليمنيون واليمنيات الأحرار أينما كُنتُم في الداخل والخارج
احييكم اخواني واخواتي آبائي وبناتي.. رفاقي ورفيقاتي.. المرابطين والصابرين في مواجهة حرب الثورة المضادة، في مواجهة الانقلاب الحوثي الفاشي والاحتلال والوصاية السعودية الإماراتية.
أيها اليمنيون الأحرار في كل ربوع اليمن وجبالها وسهولها وسواحلها ووديانها:
قبل ثمان سنوات لم يكن أحدا يتخيل أن عشرات من الثوار الشجعان تجمعوا عند مجسم الحكمة اليمانية أمام جامعة صنعاء وفي ساحة الحرية في تعز ستتدفق احلامهم لتصبح ثورة شعبية سلمية تشارك فيها كل فئات المجتمع وتطيح بالمستبد وتمزق نظامه العائلي وتنهي تسلطه وتطلعاته.
لكن الحلم المتقد في نفوس اليمنيين تأجج إرادة حرة في الساحات والميادين وأجبر المستبد على الرحيل والإنحناء للشعب.
وأثبتنا لأنفسنا ولشعبنا وللعالم كله أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن المستبد مهما تجبر ومهما تطاول ومهما اعتقد أنه قد انتصر على الشعب فإن يومه آت لا ريب فيه، وسقوطه قادم لا محالة، وأن الشعب باق والطغاة إلى زوال.
هذا الدرس التاريخي يغيب اليوم عن المتسلطين الجدد الذين انقلبوا على الدولة، وخدمتهم القوى الإقليمية المضادة للثورات، يتوهمون أنهم سيعيدون الإمامة لتستبد بالشعب وتدخله في دياجير الظلام من جديد، لكنهم واهمون، وشعبنا الذي ثار على محاولة المخلوع صالح توريث السلطة لأبنه، الذي ثار على محاولات التوريث الجمهوري لن يقبل بالإمامة الكهنوتية لتحكمه من جديد بالحديد والنار والخرافات في بواكير القرن الواحد والعشرين.
وإن شعبنا الذي ثار على المستبد الداخلي لن يقبل بالوصاية والاحتلال السعودي الاماراتي ولن يقبل بأدواتها الارهابية والانفصالية واحزمتها الناسفة في مدنه وسواحله وجزره واجوائه ومياهه الاقليمية.
يا أبناء شعبنا اليمني العظيم:
لقد مرت أربع سنوات من حرب التحالف السعودي الإماراتي في اليمن. إن هذه الحرب التي تغطت بالشرعية ومواجهة الانقلاب الحوثي قد أدخلت وطننا اليمني في عصر الدويلات وتعدد الميليشيات.
قبل الانقلاب المشؤوم في 21 سبتمبر دعمت السعودية والامارات الميليشيات الحوثية واسقطوا الدولة وسلموا مقدراتها وجيشها للميليشيا انتقاما من ثورة 11 فبراير.
لم يشفعوا لثورتنا السلمية قبولها بالانتقال السلمي للسلطة والقبول بمشاركة الحزب الحاكم في مرحلة انتقالية توافقية تمت بموافقة جميع المكونات والأحزاب وبرعاية إقليمية ودولية من مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والدول الكبرى الراعية لاتفاقية نقل السلطة.
لقد تبين لشعبنا أن الرعاية الدولية والإقليمية التي قيل إنها ترعى اتفاق نقل السلطة والمرحلة الانتقالية كانت كذبة كبرى سمعها اليمنيون ولم يشاهدوها.
لم يتم تقديم أي دعم اقتصادي للسلطة الانتقالية. عاد الرئيس المخلوع حينها لينفذ برنامجه الانتقامي من الثورة الشعبية ومن اليمن كلها التي لفظته في الساحات والميادين. ومورست الضغوط لتحييد الدولة والرئيس والحكومة أمام ميليشيات الحوثي حتى استكمل الانقلاب وسقطت الدولة.
لم يفعل الجميع شيئا لإيقاف زحف الميليشيا واسقاط العاصمة صنعاء والسلطة الانتقالية، بل ساندوها بالصمت وغض الطرف وكافة اشكال الدعم، ولاحقا اتخذوا من الانقلاب شماعة لفرض هيمنهم وعلى البلاد، لكن حيلتهم هذه لن تنطلي على شعبنا الصابر والمكافح وسيقط الاحتلالين معا.
هذا عهد الثورة ووعدها وإنها لثورة مستمرة حتى النصر حتى تحقيق وعدها العظيم بإقامة الدولة المدنية الحديثة.
في أبوظبي كان مركز الثورة المضادة لمواجهة الثورة الشعبية، وقد عملت مع الرياض في هذا الاتجاه. ومنذ أربع سنوات تدخل هذا التحالف عسكريا في اليمن بمبرر استنجاد الرئيس الشرعي به، ولكنه انحرف عن المهمة المحددة بمناصرة الشرعية في استعادة الدولة من الانقلاب الذي قادته الميليشيا الحوثية بالتحالف مع الرئيس المخلوع، كما كان يدعي ويزعم.
فبدلا من إعادة الشرعية في عاصمتها المؤقتة عدن دعموا ميليشيات متمردة انفصالية وإرهابية وقوات خارجة عن سلطة الشرعية وتنازعها سلطتها وتقف في مواجهتها، وكل ذلك بدعم من الإمارات والسعودية التي تمدها بالسلاح والمال. في كل محافظة يتم انهاء سيطرة ميليشيات الحوثي عليها.
يسيطر التحالف على الجزر والموانئ والسواحل اليمنية والمنشات النفطية ويمنع الرئيس الشرعي من العودة واحتجزه في الرياض ويمنع الحكومة من تصدير النفط وبسط سلطتها على كافة الاراضي المحررة.
يحارب التحالف في اليمن لتقسيمه ونهب ثرواته ولا يحارب من أجل الشرعية واستعادة الدولة.
مئات الألاف من المغتربين اليمنيين طردتهم الرياض، وتمارس اجراءات مذلة للمغتربين العاملين فيها تقوم على مبدأ واحد؛ جباية المزيد والمزيد من أموالهم ومدخراتهم وعائدات عملهم.
لقد سقطت ورقة التوت عن التحالف الغادر وبعد أربع سنوات عجاف من الشعارات الرنانة والحرب الدامية باتت أهدافه واضحة في رفضها لعودة الدولة اليمنية التي استعاضوا عنها بأحزمة من المرتزقة المرتبطين بهم كغزاة والرافضين الاعتراف بالشرعية المعتقلة في الرياض وحكومتها الكسيحة.
اليمنيون جميعا في وطننا اليمني الكبير:
ايها اليمنيون جميعا أبناء شعبنا العظيم الذين تعرضوا لأسوأ استهداف في عالم اليوم، استهداف طال لقمة عيشهم وقوت يومهم مثلما طال دولتهم ومدنهم بالحرب والقصف والموت والدمار.
ان معاناتكم الانسانية تهدف لتركيع شعبنا وقبوله بالمستبدين والمحتلين. هذا التجويع والإفقار لليمنيين يشارك فيه تجار الحروب في الداخل والدول الإقليمية والكبرى بهدف تمرير مخططاتهم التدميرية لليمن وإخضاع شعبه لهيمنتهم.
الأزمة الانسانية جزء لا يتجزأ من الحرب التي تستهدف اليمن ودولتها ووحدتها وحاضرها ومستقبلها، ومواجهة هذه الأزمة يحتاج إلى أن يتحمل العالم مسؤوليته إزاء الملف اليمني بكل جوانبه.
الأزمة الانسانية نتيجة من نتائج الحرب وجزء منها. لقد تسبب الانقلاب علىالدولة والحرب السعودية الاماراتية على اليمن في أزمة إنسانية هي الاكبر في العالم.
إن النظر إلى الأزمة الانسانية بعزلها عن ضرورات اتخاذ خطوات فعالة لإنهاء الحرب وعودة الدولة اليمنية لتحمل مسؤولياتها إزاء مواطنيها، يكرس الأزمة الانسانية من حيث ادعاءه بالتخفيف منها.
لا شك أن المساعدات الانسانية تخفف من معاناة اليمنيين، وأن جزءا من السكان تصلهم بعض هذه المساعدات وتخفف من معاناتهم، لكن التقارير الموثوقة من الواقع تثبت أن جزءاً كبيرا من هذه المساعدات يتم التلاعب بها وتستخدم لتمويل الميليشيات.
يا أبناء شعبنا اليمني الأبي الصامد المكافح:
لقد واجهنا ثورة مضادة منذ اليوم الأول للثورة؛ ثورة مضادة تجمعت فيها قوى الاستبداد المعادية للتغيير والديمقراطية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، تجمعت ضدنا في الداخل والجوار الإقليمي المعادي تاريخيا للثورات والشعوب، لكن الكلمة الأخيرة لن تكون الا لشعبنا اليمني الأبي وارادته الحرة.
إن الوعي الذي شكلته ثورة فبراير سيكون مرشدا لنا من الضلال في دياجير الظلام الإمامي الذي يجدّف ضد التاريخ وضد الحياة، وسيكون وعي ثورة فبراير حاميا لنا من السقوط في الارتهان للأجنبي والإذعان لأهدافه المشبوهة التي تهدد اليمن ووحدته وسيادته وسلامة اراضيه بالضياع.
إن القضية التي حملتها وبشرت بها ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية تعيد لشعبنا اعتباره وتعده بالتحرر من الطغيان الداخلي والانعتاق من الوصاية الخارجية.
هذه القضية قضية ثورتنا ستكون مشعلا لنا يضيء لنا الطريق وسط هذه المشاريع التي تستهدف شعبنا وبلدنا من الداخل ومن الخارج.
ولأولئك المتخاذلون في الأحزاب والمكونات السياسية نقول: إن جيل ثورة فبراير الذي تجاوزكم في انتفاضته الشجاعة في 2011 وأثبت لكم عجزكم ، هذا الجيل الحي والمتوقد بالإيمان بالحرية والمواطنة والاستقلال سيتجاوز اليوم عجزكم وارتهانكم في فنادق الرياض وأبو ظبي.
بسم هذا الجيل جيل فبراير العظيم نقول لكم: إن مواجهة الانقلاب لا تتحقق ببيع اليمن للمحتلين الصغار وترك محافظاته واجزائه الحيوية وسواحله وجزره وموانئه ومطاراته ليعيثوا فيها فسادا بميليشياتهم ويزرعوا فيها الكراهية والاحقاد العنصرية بين أبناء الشعب اليمني الواحد.
بسم هذا الحيل جيل فبراير نقول للسعودية والامارات: إيها المحتلون الصغار، أنتم واهمون بأنكم قادرون على احتلال بلدنا وإرضاخ شعبنا اليمني الأبي العريق.
أنتم أقل من أن تطمحون لاحتلالنا أيها الصغار الحمقى الذين تسيئون للأمة العربية كلها بصبيانيتكم المتوهمة بأن بمقدوركم احتلال اليمن وتقسيمه عن طريق إنهاكه بالحرب والفوضى والميليشيات.
يا أبناء شعبنا اليمني العظيم شمال اليمن وجنوبه شرقه وغربه:
أمامنا اليوم تحديات جديدة ومختلفة، أمامنا اليوم تحدي يحتاج إلى استلهام روح ثورة فبراير ، سنواجه الانقلاب الحوثي الإمامي والاحتلال السعودي الإماراتي معاً وفي آن واحد بذات القدر وبذات الالتزام الاخلاقي والوطني.
ايماننا بأهداف ثورة فبراير يحتم علينا أن نواجه المحتل الداخلي والمحتل الخارجي معا.
هذه قضيتنا اليوم، وهذا طريق النجاة الوحيد أمام شعبنا لإنقاذ اليمن.
الانقلاب الحوثي يعدنا بالعبودية، والاحتلال السعودي الإماراتي يعدنا بمهانة تاريخية لن تغفرها لنا الأجيال القادمة إن نحن صمتنا عنها، وقبلنا بها ولم نقاومها ونتصدى لها.
وحدها ثورة فبراير وقيمها والوعي المنبثق منها والقضية التي رفعتها تعدنا بالحرية والاستقلال، بالمواطنة والسيادة، بالدولة والوحدة، بالعزة والكرامة والحياة كشعب حر أبي ووطن موحد وآمن ومستقر.
لن نكون عبيدا للانقلاب الكهنوتي الداخلي بمبرر مواجهة الاحتلال الخارجي،
ولن نكون أدوات للمحتل الخارجي السعودي الإماراتي تحت ذرائع واهية تسلمه الأرض والسيادة والجزر والموانئ والمطارات والسيادة والثروات الوطنية بمبرر مواجهة الانقلاب الداخلي على الدولة.
سيخوض شعبنا كفاحه الاسطوري الذي يستلهم من ثورك ١١ فبراير روحها وتضحياتها والتزامها القيمي والاخلاقي حتى تحقيق الاستقلال الكامل ويغدو الشعب وحده صاحب السيادة على كامل ترابه الوطني، فاليمن قال عنه التاريخ إنه مقبرة الغزاة، ونحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد.
الأخوة والاخوات الأعزاء والعزيزات أيها اليمنيون جميعا:
أنكم أبناء أمة يمنية عظيمة ووطن واحد لم تستطع الامامة والاستعمار البريطاني تجزئته. واحدية المصير اليمني راسخة رسوخ هذا الشعب وشامخة شموخ جباله العالية.
ان أعداء شعبنا يعملون اليوم لتقسيم يمننا العظيم وتشجيع الميليشيات العنصرية والمذهبية والانفصالية والإرهابية ليسهل لهم الهيمنة على يمننا وشعبنا والعبث بثروات اليمن وجزره وسواحله ومقدراته ومكتسباته الوطنية.
إن وعي ثورة فبراير ينتصر لليمن كل اليمن ويجنب شعبنا التناحرات المذهبية والمناطقية والطائفية والعنصرية والقبلية.
نحن شعب واحد أبي ماردٌ شرسٌ..
نحن اليمنيون أولا قبل المذهب والطائفة والشطر والمنطقة والقبيلة والجنس والنوع.
نحن اليمنيون وهدفنا دولة ديمقراطية تتطبق القانون ويتساوى أمامها الجميع ويختار حكامها الشعب بإرادته الحرة في انتخابات حرة ونزيهة.
لقد كانت مخرجات الحوار الوطني محل اجماع كل القوى السياسية والمكونات المدنية والشبابية، وإننا هنا باسم ثورة فبراير الشعبية المجيدة نكرر تمسكنا بهذا الاجماع الوطني النادر من أجل إقامة دولة مدنية بنظام الأقاليم الفيدرالية المقرة والمتفق عليها، وسنكافح من أجل عودة الدولة واستكمال الانتقال السياسي بالاستفتاء على مشروع الدستور الجديد وإجراء الانتخابات الديمقراطية العامة لاختيار من يتولى كل المؤسسات التي يحددها مشروع الدستور الجديد.
ونؤكد هنا على أن هذا المسار الوطني ليس تكتيكا لتقسيم اليمن وانهاء دولتها، ولكنه حلا وطنيا لبناء الدولة اليمنية وترسيخها، دولة المواطنة والحقوق والعدالة، والحفاظ على وحدة الوطن اليمني وسيادته واستقلاله.
ختاما أقول لكم:
كنا ربيع ثوري سلمي يمثل مشروعاً مغايراً للعنف ونابذاً للإرهاب وجماعاته.
وكانت الديكتاتورية والمستبدون خريفا يتساقط قنابل وبراميل متفجرة فوق المدن وسكانها وصنعوا بحروبهم الشاملة ضد شعوبهم انهيار الدولة وفراغات للجماعات الطائفية وبيئة مناسبة لجماعات ارهابية متنقلة تضع نفسها في خدمة المخابرات العالمية والإقليمية والانظمة الباحثة عن أدوات تستخدمها لتمويه المعركة الدموية التي تخوضها للانتقام من الشعوب التي رفعت صوتها عاليا بهتافات الحرية والحياة في 2011.
تجاربنا القاسية تزيد من إيماننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورتها واستحالة العيش بدونها.
إن إيماننا بحقنا في اللحاق بالعصر، وبدول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان الأساسية وتصونها، لا يخبو، ولن تنطفئ شعلته مادام فينا نَفّسٌ ينبض بالحياة.
دمتم جميعا أيها اليمنيون أحرارا ومكافحين أشداء من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة.
المجد للكفاح الإنساني المستمر عبر التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل من أجل الكرامة والمواطنة والعدالة والحرية والحياة الكريمة. الوطن هو هذه القيم والنضال من أجلها لا ينفصم عن النضال من أجل الدولة اليمنية التي نتطلع اليها لتجسد تطلعاتنا واحلامنا بوطن حر وآمن ومستقر.
والمجد لشهداء ثورة فبراير وجيلها الحر الفتي، أغصانها اليانعة وبذرتها التي ستزدهر يوما ما حرية ومواطنة وعزة وكرامة ووطن يفخر به ابناءه.
إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا..