كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في الجلسة الختامية لقمة الحائزين على نوبل للفيزياء - ألمانيا
أحييكم جميعاً أعزائي عزيزاتي أن أقف أمام هذا الجمع من العقول العليا التي تحرز التقدم الأهم في العلم والحياة ، لهو شرف عظيم لي ويغمرني بإحساس مفعم بالسعادة وانا أشارككم اجتماعكم هذا الذي أصبح فعالية سنوية هي الأهم في المجتمع العلمي العالمي.
هذا التواصل المفتوح في لينداو كل عام صورة مصغرة للتغيرات الجذرية التي احدثتها الفيزياء الحديثة في مفاهيمنا وتصوراتنا للعلم والحياة والكون.
لقد اتصل العلم بالحياة وأعاد الاعتبار للإنسان والعقل الإنساني بفعل الثورات العلمية المتواصلة خلال المئة عام الاخيرة في الفيزياء الحديثة أساسا ، وبقية العلوم.
هذا الانفتاح والتواصل بين العلماء الحاصلين على نوبل والعلماء الشباب وبجانبهم المشاركين المتنوعين من الشباب والمشاركين من اهتمامات متعددة ، يجعل هذه الفعالية السنوية في لينداو في موقع ريادي يعكس وضع العلم في عالم اليوم.
العلم الحيوي لا العلم الميكانيكي المعزول عن الحياة والإنسان والدي لطالما قدم باعتباره بديهيات جامدة تقزم الانسان وتسجنه في تصورات آلية ثابتة وصماء. تصورات كان لها اثر معيق في مناحي متعددة في حياتنا فكرية ومعرفية وحياتية.
اليوم وضع تطور العلم حدا لكل هذا وبدأت تصوراتنا ومفاهيمنا للحياة تتغير بالتوازي مع ثورات علمية قدمت تصورات جديدة وثورية للكون والمادة والحياة.
على أهمية مع احدثته الفيزياء الحديثة من ثورات علمية وتطورات تقنية وتكنولوجبة في المئة عام الماضية ، والتي وصلت ذروتها مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ، وما نتج عن هذه الاكتشافات العلمية من تطورات تقنية وتكنولوجبة هائلة غيرت طبيعة حياتنا وواقعنا ، فقد عكست الاكتشافات العلمية تاثيراتها هذه المرة في مكان آخر اكثر أهمية من التطور التقني والتكنولوجي.
لم تعد التقنية غاية العلم وثمرته الأهم كما كان سائدا من قبل.
تطور الفيزياء الحديثة والعلم الحديث أعاد " الروح " للمجتمع العلمي.
انهارت الحدود الصماء والجامدة بين ثنائيات مصطنعة كانت انعكاسا للعلم الميكانيكي وبديهياته الالية. اليوم تزاح الحدود تدريجيا بين الفيزياء الحديثة وبقية العلوم. وتذوب الحدود بين العلم والحياة ، وبين العلوم الطبيعية والعلوم الأخرى في حقول المعرفة والفلسفة.
لقد انهارت الجدران التي عزلت العلم عن جوهر الحياة المتغير وعزلته عن الانسان ككائن متفرد هو مركز التطور ككائن حي وذروة التطور الخلاق.
اليوم يستعيد الانسان مركزه مع كل خطوة يرتقيها العلم في تجدده الخلاق.
ومثلما تتأكد طبيعة العلم غير المكتملة ، وأنها مفتوحة على فضاء متجدد من الاحتمالات والاكتشافات القادرة على تغيير بديهياته الكلاسيكية وتغيير مفاهيمنا وتصوراتنا بشكل جذري ، تتأكد أيضا السمة الحيوية وغير الثابتة لكل شيء. التغير هو قانون الحياة. ومثلما العلم افتراضات تتجاوز نفسها باستمرار بعقول أجياله المتعاقبة من العلماء ، فان الانسان وتفكيره وتصوراته وواقعه هو حالة متغيرة ومفتوحة ومتطورة.
نحن " كُل واحد ". لا انفصال بين أحاسيسنا ومشاعرنا ، وتركيب أدمغتنا وأجسادنا. لا انفصال بين العلم والإنسان. هذا التأثير المتبادل والمترابط ينبغي ان يكون ملهم لنا للتواصل المثمر الذي يثري رؤانا ويعزز علاقاتنا وحواراتنا في فعاليات مثل هذه التي تجمعنا اليوم .
ننتمي جميعا لعالم اليوم. عالم لا مكان فيه للانعزال والجمود ، في العلم كما في الحياة.
اكتشافاتكم العلمية المبهرة تؤثر في كل شيء حولكم في عالم اليوم. من الحياة والواقع الى الفلسفة والفكر والعلوم الاجتماعية والنفسية.
طبيعة العلم الذي أنتم رواده اليوم تضع أمامكم أسئلة تتجاوز بكثير " سؤال الآلة " وتتجاوز المنجزات التقنية المُحتملة لكل تطور علمي.
الأسئلة الفلسفية الكبرى حول الكون والحياة والإنسان أصبحت اليوم متماهية مع مسار تطور العلوم الطبيعية .
انها أمامكم اليوم ، ومرتبطة بأبحاثكم وبفلسفة العلم المتداخلة مع تطور العلم وأبحاثه.
***
اعادة الاعتبار للإنسان في العلم الحديث يعزز من ايماننا بالقيمة العليا للإنسان وقداسة حقوقه في الحرية والكرامة والديمقراطية وحقه في العدالة والمساواة والعيش الكريم.
في بلداننا جاهليون جدد وجاهليات جديدة تقدم نموذجا للوحشية والظلم واستباحة الحياة. أنظمة شبيهة بالقرون الوسطى وماقبل الدولة والقانون. يقتلون عشرات الآلاف من مواطنيهم لكي يرهبوا مجتمعاتهم ويحكمونها بالعسف والابادة. يبثون الرعب والخوف ويحاصرون ملايين البشر من اجل إذلالهم وإخضاعهم.
لقد واجهوا ثورات ربيعنا العربي بالإبادة. وعملت السعودية الغنية وحليفتها الإمارات على تنفيذ مخطط شرير لثورة مضادة في اليمن وليبيا وسوريا ومصر وأخيرا في السودان. دعموا الانقلابات. ودعموا الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية المتطرفة ، لتحويل الامال الموعودة من الثورات الى جحيم دامي.
كان لابد ان اضمن كلمتي أمامكم هذه الإشارة المختصرة لما يحدث لنا في عالم اليوم. ولتأكيد استمراريتنا في النضال من اجل الحرية والحقوق والكرامة والعدالة والمساواة. من اجل حياة يتقدم فيها الانسان الى الأمام لا أن تعود الى الخلف وأزمنة الظلم والطغيان والديكتاتوريات والابادة.
أحييكم من أعماق قلبي.
وأُحيي هذه المدينة لينداو التي قدمت نفسها ، وما تزال ، حاضنة لفعالية عالمية سنوية متميزة أصبح لها تاريخها وتأثيراتها المهمة في المجتمع العلمي العالمي.