كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام أمام مؤتمر المجلس الوطني لحقوق الانسان - المغرب
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة خلال مؤتمر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب حول العدالة الانتقالية فيما يلي نصها:
أيها الأعزاء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكر لكم دعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر الهام الذي يناقش العدالة الانتقالية في دولة هامة كالمغرب الذي قدم تجربة رائدة في الإنصاف والمصالحة، وأتمنى لكم التوفيق النجاح.
أيتها السيدات أيها السادة:
تقوم فلسفة العدالة الانتقالية وفق المعايير العالمية والتجارب الناجحة المعروفة، على أن أي قانون أو إجراءات للعدالة الانتقالية يجب أن تحقق العديد من الأهداف والأغراض، وأن تقوم على العديد من المبادئ، عليها أن تضع الحلول والمقترحات والآليات الكفيلة بأن يعرف الناس الحقيقة، وأن يطلعوا على تفاصيل ما حدث من جرائم وانتهاكات وعدوان بحق المواطنين، بما يعني ذلك من تحقيق وبحث واستقبال للشكاوى ورصد وحصر للانتهاكات، وبما يعنيه من الاستماع لشهادات الضحايا والتقصي والتحقيق مع كل من وردت أسماؤهم في الشهادة وفق آليات قضائية وإدارية، وبما يعنيه كذلك من اعتراف المتورطين في ارتكاب الجرائم وبوحهم وكشفه عن كافة الاعتداءات والانتهاكات التي مارسوها أو شاركوا في ارتكابها، كل ذلك يجب أن يتم استنادا إلى نصوص قانونية صريحة تتضمن الآليات والإجراءات اللازمة والكافية لتحقيق معرفة الحقيقة كاملة والاطلاع عليها من قبل أهالي الضحايا والجمهور وكافة المهتمين في الداخل والخارج.
وعليه: فإن من شأن معرفة الحقيقة كاملة واطلاع الجمهور على تفاصيل ما حدث، من شأن ذلك أن يكون رأيا شعبيا رافضا لمثل تلك الانتهاكات، وبالتالي ضامنا لعدم تكرارها، وضامنا لمناهضتها مجتمعيا مستقبلا.
من شأن الاعتراف بما حدث من قبل المجرمين والمتورطين في الجرائم أن يمهد للتسامح وسوف يساهم في تحقيق الاستجابة للمناشدات والمطالبات بالعفو والعفو من قبل الأهالي والضحايا حين يكون مشفوعا بطلب المسامحة وإبداء الأسف والندم من قبل المتورطين وحين يكون أمرا طوعيا وليس إلزاميا بقانون يحصن المتورطين ويعفيهم من تبعات المسؤولية عن ارتكابها.
أيتها السيدات أيها السادة:
نعلم أن أية ثورة أخلاقية لن تكون كذلك إلا إذا أشاعت قيم التسامح وبثت في المجتمع مبادئ العفو، وأعلت من قيمة التصالح، وخلقت في المجتمع ثقافة رافضة للثأر أو الانتقام.
لكننا ضد أن يفلت الجناة من العقاب في الوقت الذي يبقى فيه الطريق أمامهم مفتوحا لممارسة المزيد من الانتهاكات وتكرار العدوان مستقبلا، كما أننا نرفض أن يبقوا في مناصبهم المدنية والأمنية والعسكرية وكأن شيئا لم يحدث، مثلما نرفض أن يتم فرض المسامحة والعفو بقرار أو قانون رسمي يحصن المجرمين ويسلب الضحايا وأهاليهم حقهم في أن يكونوا هم من يمنح العفو ومن يجود بالمسامحة.
أيها الأعزاء:
هناك فرق بين العفو الصادر من قبل الضحايا وأهاليهم، والعفو المفروض عليهم بقانون وتشريعات لم تتح للضحايا أي قرار أو قدرة على الاختيار، إن من شأن ذلك أن يبقي الطريق مفتوحا إلى الثأر خارج القانون والجنوح إلى القبيلة والعشيرة والأصدقاء والأصحاب لأخذ الحق الذي لم تحقه الدولة ولم تكلف نفسها عناء أن يطلب الجاني العفو والمسامحة عليه من قبل من ظلمهم واعتدى عليهم ،واكتفى بأن الدولة تحميه عن جرائمه وتعفيه حتى من مجرد الاعتراف وطلب المسامحة والعفو.
وعليه فإن عملية بناء السلام في هذه الحالة ستكون هشة وزائفة من شأنها أن تتداعى في أي لحظة.
لقد آمنت دائما أن عملية بناء السلام تحتاج إلى مقادير هائلة من العدالة والانصاف، مثلما تحتاج إلى كميات وافية من التسامح والعفو.
لا سلام دون عدالة، ولا عدالة إنسانية خلاقة لا يعقبها ويتزامن معها تصالح وتسامح ويتمازج معها الانصاف، ولئن كانت العدالة والانصاف تكفلها أجهزة القضاء النزيه ودور العدل الرسمية ومؤسسات النيابة العامة الشفافة والنزيهة، فإن مبادئ التسامح والتصالح والعفو تكفلها مؤسسات انتقالية مختلطة بالتوازي مع الجهود المجتمعية الطوعية، التي تتصدرها نضالات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومؤسسات الفكر والإعلام، والتي عليها أن تضخ بالتوازي مع إجراءات المصالحة والمسامحة.. أقول عليها أن تضخ بشكل مستدام ومستمر كميات هائلة من الدعوة إلى التصالح والتسامح وإلى العفو بين الناس.
أيها الأعزاء:
إن من شان المزاوجة ين تجربة جنوب أفريقيا في العدالة الانتقالية القائمة على الاعتراف وطلب المسامحة وتجربة المغرب القائمة على التعويض وجبر الضرر مع الإبقاء على العدالة الجنائية وحق الضحايا في اللجوء للقضاء والمؤسسات العدلية، إن من شأن هذه المزاوجة أن تحقق تصالحا وتسامحا وسلاما دائما في اليمن وكل دول الربيع العربي وكل تجربة مماثلة تبحث عن العدالة الانتقالية.
وفي اليمن نحن على بعد أيام من عقد مؤتمر الحوار الوطني لشامل الذي سنعالج فيه كل قضايا الوطن، وسنكتب فيه دستور دولتنا المدنية القادمة التي أشعلنا من أجلها الثورة وضحى لأجلها الشباب.
في هذا المؤتمر العظيم، الذي اكتملت إجراءات الإعداد له، سنبحث موضوع العدالة الانتقالية، وبالتأكيد سوف نستفيد كثيرا من تجربة المغرب ونزاوجها بتجربة جنوب أفريقيا، ونضيف إليها ما تحتاجه خصوصيات تجربتنا من إجراءات إضافية تكفل للضحايا مزيدا من العدالة الجنائية لكفالة حقهم في المساءلة واللجوء إلى القضاء.
وفي الأخير.. أيها الأعزاء:
دعوني أحيي في شعب المغرب العظيم كفاحه من أجل الحرية، كما أحيي أيضا تجربته الرائدة من أجل الإنصاف والمصالحة.
دعوني أقول للكثير من الحاضرين هنا من المناضلين القدامى والمكافحين من أجل الحرية والاستقلال في هذا البلد العظيم.. أقول لرواد التصالح والتسامح وبناة السلام ودعاته للمناضلين من أجل الحرية والديمقراطية في كل مكان: كفاحكم كفاحنا، ونضالكم نضالنا، وتجربتكم ألهمتنا الكثير ولاتزال.