كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في حفل تسليم القيمة المادية لجائزة نوبل إلى صندوق جرحى وأسر شهداء الثورة الشبابية الشعبية السلمية 11 فبراير والحراك الجنوبي السلمي
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في حفل تسليم القيمة المادية لجائزة نوبل إلى صندوق جرحى وأسر شهداء الثورة الشبابية الشعبية السلمية 11 فبراير والحراك الجنوبي السلمي، فيما يلي نصها:
أهالي شهداءنا العظماء..
جرحانا الأبطال..
شباب الثورة السلمية والحراك الجنوبي السلمي..
معالي رئيس الوزراء الوالد العزيز محمد سالم باسندوة..
السيد جمال بن عمر المبعوث الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون..
الحضور جميعا..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ لحظة إعلان فوزي بجائزة نوبل للسلام .. شعرت أن المبلغ النقدي ليس حقاً شخصياً لي، مثلما أن القيمة المعنوية للجائزة ليست حكراً على توكل كرمان وعائلتها .. هذا ما أعلنته من على منصة ساحة التغيير بعد ساعات من إعلان فوزي بالجائزة.
كان العالم وهو يكرم توكل عبد السلام كرمان بجائزة نوبل للسلام يكرم فيها عظمة نضال اليمنيين السلمي التي تجلت في حراك الجنوب وثورة الشباب، لولا الثورتين لما تسلمت اليمن الجائزة، ولولا أنني كنت واحدة منهم ما تسلمتها نيابة عنهم .
لم تأتي جائزة نوبل للسلام في معزل عن نضالات الشباب اليمني المسالم والشجاع في الثورة السلمية وحراك الجنوب السلمي، هذه الجائزة منحت لهم ولست سوى واحدة منهم.
أقول واثقة أن جائزة نوبل للسلام ذات ارتباط وثيق بالحدثين التاريخين العظيمين في تاريخ شعبنا العريق، ممتنة وفخورة أن كان لي شرف المشاركة في كلا الحدثين، صندوق رعاية جرحى وأسر شهداء الثورة السلمية والحراك فصل آخر من قصة العشق الثورية الطويلة والعميقة التي جمعتني مع حراك الجنوب وثورة الشباب السلمية.
أشعر أيها الرفاق بجلالة الموقف وعظم اللحظة، أعترف انها لحظة فارقة في حياتي.
اليوم إذ أدشن أيداع أول مبلغ إلى أول مؤسسة يتم انشاؤها بعد الثورة لرعاية أسر وجرحى شهداء الثورة والحراك السلمي، فإن لدي حلم: أننا سنبني دولة المؤسسات مؤسسة بعد أخرى ، وأننا سنحقق الإنجازات إنجازا بعد انجاز، وأننا سنمضي نجوب الآفاق افقا بعد افق ..
أعلم أنه مبلغ متواضع، أعلم أن المهمة والأهداف تتطلب أضعاف هذا المبلغ بآلاف المرات لكنني أودعت هنا جزءاً من روحي. أضع هنا أغلى ما أملك الى أعظم من أحب، إنه تعبير رمزي عميق عن مستقبل واعد ألمحه وأشعر به سيشارك في بناءه شعبنا، الجميع سيجودون بأغلى ما يملكون .. أو كل ما يملكون.
المستقبل يبدأ الآن بأول مؤسسة يتم بناؤها خاصة بالثورة السلمية والحراك الجنوبي السلمي، إنه إعلان ميلاد كفاح البناء من أجل المستقبل الذي يبدأ الآن.
أثق أن رئيسة الصندوق وهي تنتمي إلى الشباب وثورتهم وحراكهم، وتحمل أحلامهم وآمالهم وتحظى بثقتهم وحبهم، أثق أنها ستؤسس الصندوق على أساس من النزاهة والرشد، وستبذل كل ما تستطيع من جهد وإخلاص لتحقيق أهداف هذه المؤسسة كاملة، بحيث تكفل الحياة الكريمة والحرة لأسر شهداء وجرحى الثورة السلمية والحراك الجنوبي السلمي.
أيها الأعزاء..
لديّ حلم بمستقبل آمن دون صراع، سالم دون عنف، الجميع فيه متعايش ومتشارك، ومتنوع ومتعدد.
نطوي فيه آثار حروب صعدة، والجنوب وكل الصراعات في كل أرجاء وطننا الحبيب بروح مفعمة بالتسامح متسلحة بالقدرة على العفو والصفح.
أيها الرفاق
دون مشروع وطني حضاري مدني سلمي يطوي الماضي خلف ظهره ويعبر نحو المستقبل، يندمج فيه الجميع بعد أن حلت المحبة في ضمائرهم محل الكراهية ، وحل عشق التعايش والسلام مكان الرغبة بالصراع والانتقام، في ظل التسامح المطلق بين الجميع المقرون والمشروط بالصرامة المطلقة عن عدم التهاون عن أي شئ أو عن أي أحد يدنس الحاضر والمستقبل بتكرار أي حالة من حالات الصراع والفساد والانتهاكات.
التسامح عن كل شيء المشروط بعدم التسامح عن اي شيء يعيد صراعات وفساد الماضي في الحاضر والمستقبل!
دون ذلك فإن الجميع سوف يعيشون الحاضر، وسيذهبون الى المستقبل فقط للصراع، لكن بإمكانات أكبر وبكراهية مضاعفة وبمشاعر انتقام متراكمة ومتزايدة !!
أيها الأعزاء:
إن عظمة تضحيات شهداء وجرحى الثورة الشبابية الشعبية السلمية 11- فبراير والحراك الجنوبي السلمي تضعنا جميعا أمام استحقاق تاريخي حضاري لا نملك دون المضي في تحقيقه.
إن العدالة والإنصاف والحرية والكرامة والمساواة والمساءلة وسيادة القانون والمواطنة المتساوية هي بعض ما ارادوه هؤلاء النبلاء..
إن رفض الظلم والفساد بعض ما استهدفوه وأرادوا تغييره بنضالهم وكفاحهم السلمي العظيم، ان لهؤلاء العظماء دين في رقابنا جميعا في كل ارجاء الوطن الكبير.
العدالة والإنصاف، المستقبل والحاضر، مرهونان بتسوية ملف الشهداء والجرحى تسوية تنتصر لأهدافهم وطموحاتهم ،حين تطوي ما حدث لهم ولا تسمح بتكراره ، حين تكفل العدالة والإنصاف لهم ولعوائلهم، وتمنحهم ما يستحقون من الاعتراف والتكريم وجبر الضرر.
بعد ذلك لن يضير الشهداء والجرحى أن تمنحوا قاتليهم عفوا مشروطاً بعدم التكرار في الحاضر والمستقبل، فقط إن كان مشروطا بأن يجري في حال التكرار محاسبتهم بصورة فورية وعاجلة عن كل شيء من قبل ومن بعد.
لكنهم سيتذمرون ويتألمون حين نمنح السياسات التي ثاروا عليها فرصة ان تكرر نفسها في المستقبل وان تستمر في الحاضر.
الشهيد لا يموت.. حين يمنح قضيته دمه فإنه يمنحها الخلود.. يحرز النصر كاستحقاق قد يؤجل حينا لكنه لا يموت!!
الشهيد لا يموت ... إنه مجسد في قضيته ..
الشهيد قضية عادلة ... ومشروع حياة تتجاوز حدود الزمان والمكان ، لكن يجري استحضار التضحيات المتراكمة عبر العصور والأزمنة حين تتكرر القضية هنا او هناك .. اليوم او غدا !!
الشهداء والجرحى ليسوا مجرد ارقام، وحين يجري الحديث عن شهداء ثورة سلميه وجرحاها فإن الحديث يختزل المشهد كاملا: القضية العادلة والتضحية العظيمة، الاستحقاقات والنتائج التي يجب أن تسفر عن تحولات عظيمة وعن انجازات فارقة إن لم يجري الأمر على هذا النحو، فإن هناك من ليسوا على قدر التضحيات ومن لم يستشعروا عظم المسؤولية!!
إن تضحيات المكافحين في سبيل الحرية لا تدون على أساس مكاني محدود الابعاد والاتجاهات، ولا على أساس زماني محدود الآماد واللحظات فحسب، إنها فضلا عن ذلك تتربع في مكان مشرق في سجل التاريخ الانساني، حيث المكافحين الانسانيين في سبيل الحرية الانسانية، من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ومن حرر نفسا فكأنما حرر الإنسانية كلها.
ثأر الشهيد يكمن في انتصار قضيته، لا ثأر لديه مع قاتله، قاتله مجرد أداة بيد السياسات الخاطئة التي ثار عليها الشهداء وضحى في سبيلها الجرحى، هذه الأداة اما ان تستمر في أن تكون اداة للخطيئة وبالتالي فهي أقل شأنا من أن تكون ندا للجريح وللشهيد الخالد أو هدفا انتقاميا لمشروعه.
واما أن تكون هذه الأداة قد طهرت نفسها بالتوبة والندم، وبالتالي فقد اصبحت جزء من مشروع الشهيد الحضاري ومن قضيته العادلة.
لا ثأر للشهيد مع الاشخاص ثأره التاريخي السرمدي مع السياسات والمناهج والبرامج والسلوكيات الخاطئة.
لا ثأر للشهيد مع القتلة ولا انتقام منهم إلا حين يكررون اخطاءهم ويصرون على الاستمرار فيها ونقلها الى المستقبل.
أيها الأعزاء :
عوضا عن محاكمة القتلة دعونا ندعو إلى محاكمة القتل وسياسة الظلم والعدوان، حماية للحاضر والمستقبل، هذا هو الإجراء الأهم على الإطلاق وفيه يكمن ثأر الشهيد وتختفي خلف تفاصيله رغبته المقدسة في الانتقام الخلاق!!
وحين نفعل ذلك أو ندعو اليه لا جبنا منا ولا خوفا ولا عجزا ولا تراجعا عن السير في ذات الدرب التي مضى فيه الشهداء والجرحى، ولا نكوصا عن الانتصار لضحايا الماضي ولا مصادرة لحقهم في العدالة والإنصاف.
إن حل قضايا الماضي وتسوية المظالم وحالات العدوان والانتهاكات وجبر الضرر إجراء لازم لا تكتمل العدالة بدونه ولا يمكن الحديث عن الانتصار لمشروع الشهداء والجرحى الحضاري دون تسوية لكل القضايا ودون اتخاذ هذا الاجراء، لكنه أقل انجازا وأدنى أهمية من حماية الحاضر عبر اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضمان عدم التكرار حماية للحاضر والمستقبل.
لكن حين يتورط القتلة في الجرائم مجددا، وحين يصرون على إعاقة التغيير، والتمنع دون العبور إلى حاضر سوي وإلى مستقبل أفضل، حين يطمحون إلى العودة للهيمنة على الحاضر والمستقبل، وحين يسعون الى إفشال الطموح بالتغيير وتدميره حين يصرون على ذلك فالمطالبة بمحاكمتهم هي محاكمة لسياساتهم الخاطئة ولسلوكهم العدواني وليست محاكمة لأشخاصهم فحسب.
الموضوع ليس شخصي، وليس صراعا شخصيا، إنه صراع بين مناهج وأفكار ظلامية ومتنورة، إنه يغد صراعا بين الوحشية والحضارة، بين المدنية والهمجية.
أيها الأعزاء
برغم احترامنا لكافة اطراف الحوار في مؤتمر الحوار الوطني الشامل واعضاءه،
إلا أنه يمكن القول أن الشعب اليمني بغالبيته الساحقة لا يزال خارج موفنبيك، في حقيقة الأمر لا يزال قطاع كبير من أبناء شعبنا خارج كل التيارات والحركات والتنظيمات المهيكلة، هم جزء أساسي وكبير من الشعب نعم لكنهم لا يتحدثون باسمه ولا يقررون نيابة عنه، لم يمنحهم تفويض بذلك هم من منحوه تعهدا بأن يقدموا مقترحات رشيدة ومستقبل أفضل.
هم من تعهدوا لجعله يعيش حياة حرة وكريمة، هذه النتيجة هي من تحدد شرعيتهم هي من ستقرر أن كانوا قادة جديرون بالثقة أو أنهم قادة زائفون.
إلى مؤتمر الحوار بكافة أعضاءه:
إن أفضت الحلول والسياسات والتوافقات إلى حاضر ومستقبل رشيد فأنتم تمثلون شعبكم، أما حين تفضي إلى إعادة دورات العنف والفساد والصراع والفشل فأنتم خائنون للعهد مخالفون للوعد.
إلى الإخوة الأعداء الذين يتقاتلون في صعده اليوم وللأسف وهم أطراف في الحوار:
إنكم تقدمون رسالة بالغة السوء!!!
إنكم تنالون من ثقة شعبنا بأنكم جادون بوضع حلول لعدم تكرار الصراع في المستقبل، في حقيقة الأمر إن لم تكفوا عن الصراع فإنكم ستقدمون درسا واضحا يقرأه الجميع مفاده أن الاطراف تستعد فقط لتدمير المستقبل وحسم العلاقة فيه بالحديد والقوة والغلبة والقهر لا الشراكة ولا التعايش ولا احترام التعدد والتنوع.
لكلا الطرفين، لكلا الإخوة الذين يقتلون بعضا في صعدة اليوم أقول:
امنحوا أنفسكم السلام قبل أن تمنحوه شعبكم، أسدوا لأنفسكم معروفا قبل أن تسدوه لمواطنيكم في كل مكان وفي كل زمان.
إن عظمة تضحيات الشهداء والجرحى الذين فجروا ثورتين عظيمتين خلال خمسة أعوام من النضال لأجل أن ينعم شعبهم بالحياة والمستقبل الكريم، إن عظمة تلك التضحيات تدعوكم أيها الاحبة للتوقف عن القتال وطي الماضي والتوجه صوب المستقبل فقط!.
إن شعبا لديه سجلا حافلا بآلاف الشهداء السلميين خلال خمسة أعوام ليس شعبا عاديا.
إن وطنا منحه الله هذا الكم من الأبناء النبلاء الشجعان وطن جدير بأن نفخر به، إنه وطن عملاق لا يتحطم.
وإن شعبا ينتمي إليه، شعب مجيد جدير بالاحترام وأهل للثقة.
أيها الأحبة
لا أدعي البطولة والسبق والريادة هنا، لا، أنا هنا اليوم فقط لأعيد الأمر لأهله والفضل لأصحابه.
من فخري بالثورتين ثورة الشباب وثورة الحراك، ومن فخري بالشهداء والجرحى وكافة الثوار العظماء مفجري الثورتين وإبطالها أفخر بجائزة نوبل للسلام.
وفي الأخير أيها الأحبة دعوني أوضح لكم الآتي :
نصيبي من جائزة نوبل للسلام في عام 2011، هو نصف مليون دولار، تم تحويله إلى حسابي في بنك التضامن بعد خمسة أشهر من استلامي للجائزة، بعد أخذ رسوم التحويل، وصل إلى حسابي مبلغ أربعمائة وستة وسبعين ألف ومائه وتسعين دولار وثلاثة واربعين سنتاً.
بقت في حسابي لمدة عام وأكثر، الأرباح خلال عام 2012 بلغت سبعة آلاف وستمائة واثنين وخمسين دولارا وثمانية وأربعين سنتا، وبذلك يصير مجموع ما سيحصل عليه الصندوق اليوم هو أربعمائة وثلاثة وثمانون ألف وثمانمائة واثنان وأربعون دولار وواحد وتسعين سنتا.
وسيتبقى مبلغ الربح لعام 2013، سيتم تحويله مباشره إلى حساب الصندوق فور إعلامنا من البنك.
أتمنى أن أكون قد أديت الأمانة.