اصداء
توكل كرمان بعد 10 أعوام من نيل جائزة نوبل
بقلم: ياسين التميمي
صادف يوم أمس الخميس السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول حلول مناسبة حصول السياسية والناشطة الحقوقية البارزة توكل كرمان توكل، قبل 10 أعوام على جائزة نوبل للسلام، وهي أرفع جائزة في العالم تمنح في هذا المجال حتى اليوم.
لقد شرفت بحضور الحفل الذي أقليم بهذه المناسبة في مدينة إسطنبول التركية، وكان بهيجاً والمشاركة كثيفة في مؤشر على حضور هذه المرأة واستمرار تأثيرها والاحترام الذي تحظى به في أوساط النخبة اليمنية على اتساع طيفها المؤمن باليمن جمهورياً موحداً وديمقراطياً. وكانت المشاركة تؤشر أيضاً إلى مقدار الرضا الذي يستوطن قلوب وضمائر اليمنيين تجاه توكل، القيمة السياسية والحقوقية على مستوى اليمن والعالم.
التركيز على الدور الإنساني والخيري الذي قدمته توكل من خلال مؤسستها العالمية، يبقى زاوية مهمة لكن بدا وكأنه يمضي باتجاه تكريس صورة توكل الإنسانة الكاملة التي أدت ما عليها عبر تلبية الاحتياجات الإنسانية لشريحة من الناس في اليمن الغارق في تحديات معيشية وإنسانية لا حصر لها، وهو جزء يسير من دور كبير يتعين على توكل أن تستمر في القيام به.
لذا ثمة ملاحظة لا بد أن أدونها هنا تتعلق ببرنامج الحفل الذي وقفت خلفه جهود مخلصة ورائعة من طاقم مؤسسة توكل كرمان، ومع ذلك افتقد بقدر ما إلى الملاءة السياسية المفترضة في مناسبة كهذه، وهو أمر كان يمكن تحقيقه من خلال إدارة ندوة لمدة نصف ساعة تشارك فيها شخصيات يمنية على وجه التحديد، لتقييم دور توكل كرمان السياسي، وعائدات حضورها الدولي على القضية اليمنية.
لقد أسهمت العدوانية البغيضة للتحالف العسكري بقيادة السعودية ومشاركة إمارتية، في اجتزاء القدر الأكبر من انشغالات توكل في الشأن اليمني، لكنها لم تغفل المهددات المحلية الخطيرة التي يمثلها الحوثيون والانفصاليون، وإذا كان هناك من طرف يتحمل المسؤولية عن تشتيت الدور المركز لتوكل فهي السلطة الشرعية التي منحت المتدخلين الخارجيين صلاحية مطلقة للعبث باليمن بالقدر الذي نراه بأم أعيننا.
ومع ذلك لا أشك لحظة واحدة في أن توكل أسهمت في سد ثغرات كثيرة كان ولا يزال يأتي منها استهداف اليمن وثورته وقضيته ونضال شعبه وشبابه، في منابر التأثير الدولية، بالنظر إلى النشاط المقابل الذي تقف خلفه أطراف متمرسة تقوم بتحريك شخصيات يمنية والهدف هو تقديم سردية منحرفة وتثبيتها كأساس لقراءة المشهد اليمني، وهي سردية لطالماً منحت أعداء اليمن والجمهورية والتغيير فرصة لمواصلة تحقيق أهدافهم الكارثية في بلادنا، وأنا هنا أعني الحوثيين والانفصاليين، وأذيال النظام السابق والأطراف الخارجية التي تحركهم وتستفيد من أدوارهم التخريبية.
بعد عشر أعوام من حصولها على الجائزة، لا تزال توكل كرمان شخصية مثيرة للجدل، وبقدر ما تحظى باهتمام إيجابي من شريحة واسعة من اليمنيين، إلا أنها لا تزال أيضاً تثير سخط وضغينة شريحة أخرى، رأت في توكل كل الأسباب التي أدت إلى هدم وضع كان قائماً، كان هؤلاء يعتاشون في ظله ويحققون مصالهم ويمارسون نفوذهم. فيما البعض الآخر يرى دور توكل تحدياً وجودياً لمشروعه السياسي الذي يتضاد مع إرادة اليمنيين وكرامتهم وتاريخهم.
بعد 10 سنوات مضت، بدا أن الذين فقدوا مصالحهم، وحملوا توكل المسؤولية، قد فشلوا في إدارة الصراع مع جماعة مسلحة استدعوها من الكهوف، أو سكتوا عن استدعائها، وانتهى بهم المطاف إلى ذات المصير الذي دفعوا إليه، ثوار فبراير المخلصين وشركاء المرحلة الانتقالية.
كل الذين ادعوا بأنه لولا "حماقة" ثوار فبراير لما تعرض اليمن لهذا الخراب، هاهم يتورطون في أكثر المهام سوء وتهديداً لليمن ووحدته وجمهوريته ونسيجه الاجتماعي وكرامة شعبه. إذ يتنادون إلى الخنادق المختلفة، ممسكين بكل أسلحة الهدم ليواصلوا الادعاء بأنهم وحدهم الأجدر بأن يحوزوا السلطة والثروة والمجد على أنقاض اليمن الراهن.
عشر سنوات كانت فرصة كافية ليثبت خصوم توكل كرمان وزملائها في ثورة 11 فبراير/ شباط 2011 بأنهم الأصوب والأجدر بالتقدير، وبأن توكل وزملاءها سلكوا طريقاً خاطئاً، ولكنهم بعد كل هذه الفترة أثبوا للشعب اليمن قبل ثوار فبراير، بأنهم التهديد الوحيد الذي يعيق خلاص اليمنيين من هذه العقوبة الجماعية التي تعرضوا لها من قبل أشرار المرحلة: دولاً ومراكز قوى وأنظمة دكتاتورية ومستبدين وشبكة ولاءات ومصالح فاسدة وإرهابيين.
من منا لا يعرف بأن هناك سياج محكم من الرقابة التي تفرضها حتى اللحظة دولٌ وحكومات نافذة في منطقتنا لمتنع أي تفاعل مع توكل كرمان أو إبداء الإعجاب بأدائها أو الارتياح للإنجاز الذي حققته على الصعيد العالمي.
وللأسف هناك أطراف يمنية تأثرت سلباً بالضغوطات التي تفرضها دول إقليمية، مع أننا لم نجد سبباً منطقياً لإبداء هذا القدر من الضغينة من قبل هذه الدول تجاه توكل سوى هذه الزاوية التي تنشط منها كسياسية وناشطة تقاتل ضد الاستبداد وتسعى إلى إذكاء جذوة الحرية والديمقراطية، وشكلت أحد المحركات القوية للربيع العربي خصوصاً في اليمن.
تجندت أجهزة هذه الدول وإعلامُها وذُبابُها الإليكتروني لربط توكل بكل الشرور، ولطالما رددت ألسنة المعلقين ومقالات الصحف، عبارة "الأخونجية" الموالية لقطر وتركيا، لوصف توكل، وجزء كبير من الهجوم انصرف إلى النيل الشخصي منها بكل الأساليب والألفاظ التي كشفت عن انحطاط آلة الإساءة التي استخدمتها تلك الدول.
وفي تقديري أن استهداف توكل هو جزء من استهداف الربيع العربي، وسيبقى هذا الاستهداف ما بقيت توكل تصدح بعبارات التنديد بالاستبداد، والتحريض على الدكتاتوريات، والتبشير بالخلاص وباستعادة الشعوب لزمام المبادرة.
نقلا عن موقع "اليمن نت"