المقالات
اليمن.. أسوأ أزمة إنسانية في العالم
بقلم: توكل كرمان
في آخر مؤتمر عقد ليوم واحد لجمع تبرعات إنسانية لصالح اليمن، تعهدت المملكة العربية السعودية بالتبرع بمبلغ 500 مليون دولار للمساعدة في تخفيف الأزمة – مبلغ زهيد للغاية مقارنة بما يقدر بـ 100- 200 مليار دولار انفقتها المملكة لتدمير بلدي.
إن القنابل التي تتساقط على أطفال اليمن تحمل وسم الغرب؛ يلقيها التحالف بقيادة السعودية في طريق الأبرياء دونما اكتراث لحياتهم.
يسقط كل يوم ثمانية أطفال بين قتيل وجريح، وكثير هم الآباء والأمهات الذين يوارون أجساد آبناءهم وبناتهم الثرى حتى أن الأمم المتحدة لم تعد تحصي عدد القتلى.
آخرون يتفرجون بلا حول ولا قوة وأطفالهم يموتون جوعا. وبعيون غائرة ينظر الشباب يائسين إلى آبائهم وهم غير قادرين على تخفيف معاناتهم، فالتقديرات تشير الى أن عدد الأطفال الذي ماتوا جوعا دون سن الخامسة يناهز 85000 يمني تقريبا.
يجب أن تنتهي الحرب، ومع ذلك، تستمر الحرب التي لا يمكن لأي طرف الانتصار فيها.
يعاني اليمن بلا شك من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. في أواخر العام الماضي وأثناء جلسات استماع له قال كريستوفر هينزل الذي كان مرشحا آنذاك سفيرا للولايات المتحدة في اليمن: "يعاني هيكل القيادة السعودية في بعض أجزائه من عدم الانضباط، وهم في بعض الأحيان يتجاوزون كل الإجراءات الجيدة التي اتخذوها، وفي اغلب الأحيان نجد أن هذا هو سبب سقوط ضحايا جدد في صفوف المدنيين".
الناس على الأرض في اليمن يعرفون ذلك، والأمريكيون مجبرون على الاعتراف بوحشية الوقائع أيضًا. في الآونة الأخيرة، صوت مجلس النواب الأمريكي على وقف المساعدات العسكرية للعملية التي تقودها السعودية ، ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ على إجراء مماثل قريبًا. إن من شأن تراجع الدعم الأميركي للسعودية أن يساعد في دعم جهود الأمم المتحدة.
بالرغم من عورها وغموضها، فإن اتفاقية استكهولم التي تم التوصل إليها بوساطة من الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والقيادات الحوثية تعد بمثابة خطوة هامة إلى الأمام يتعين على المجتمع الدولي أن يرمي بكل ثقله لدعمها. وتشتمل العناصر الأساسية للصفقة على تبادل الأسرى والانسحاب المتبادل من الحديدة وميناء البحر الأحمر ومينائي الصليف ورأس عيسى، بالإضافة الى تفاهم بشأن تهدئة الوضع في تعز، وهي ثالث أكبر مدن البلاد ولها أهمية تاريخية. ومن نافلة القول أن نجاح هذه الصفقة منوط بتنفيذها الفعلي ووضوح شروطها.
ماذا بعد؟
مع الاعتراف بما يقوم به من جهود، يجب على المبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث وعلى وجه السرعة – تفاديا لسوء التأويل من قبل الأطراف – وضع آلية لتشكيل القوات المحلية اللازمة لتأمين الحديدة بعد إعادة الانتشار، على أن يعمم نموج الحديدة بعد ذلك على جميع المدن والموانئ والمطارات الأخرى في اليمن. كما يجب نزع سلاح الميليشيات.
على السعوديين والإماراتيين الانسحاب بالكامل؛ ويجب أن ينتهي الدعم الإيراني للحوثيين. يجب تنظيم استفتاء دستوري وإجراء انتخابات عامة تحت إشراف الأمم المتحدة. يجب أن تكون اليمن دولة يديرها اليمنيون ومن أجلهم. والحفاظ على وحدتها واستقلالها ونزاهتها أمر بالغ الأهمية.
يتعين على البنك المركزي دفع رواتب الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ عامين تقريبًا، وهناك أيضا حاجة لتوفير الخدمات العامة.
إن من شان الدفع المنتظم للمرتبات وتوفير الاحتياجات الأساسية تخفيف الأزمة الإنسانية والمساعدة في استعادة ثقة الناس في مستقبل بلدهم.
كانت اليمن قبل الحرب، في عهد الديكتاتور والرئيس الفاسد علي عبد الله صالح، بالفعل أفقر دولة في الشرق الأوسط، وهي اليوم في حالة مروعة وعلى شفا الانهيار التام، فمن أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الطارئة فقط تحتاج اليمن أكثر من 4 مليارات دولار.
من أجل أعادة بناء البلد، يجب إنشاء صندوق لتمويل ودعم الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الخمس المقبلة أو إلى أن يتعافى البلد بما فيه الكفاية.
إحقاقا للحق، على السعودية والإمارات دعم جهود إعادة الإعمار في اليمن بشكل أساسي كتعويض جزئي عن الأضرار التي سببها تدخلهم المدمر في اليمن. كما آمل أيضًا أن تساهم الدول والجهات المانحة الأخرى في البدء بمعالجة المعاناة الكبيرة التي لحقت بالشعب اليمني. لا ينبغي إنفاق أموال على القنابل أكثر مما ينفق على العون اللازم لإنقاذ الحياة.
يجب معالجة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تم ارتكابها في اليمن - كاستهداف المستشفيات والمراكز الطبية وتعذيب المعتقلين وتجنيد الأطفال – وذلك عبر تدابير العدالة الانتقالية تستند على المساءلة وتعويض الضحايا منعا لتكرارها ومن أجل استعادة لحمة النسيج الاجتماعي في البلاد.
على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ان يبديا حماسا وتفانيا للوفاء بوعودهما واتخاذ إجراءات ضد أي طرف لا يفي بالتزاماته. بما أن ما يجري في بلدي هو حرب إقليمية فإنه لا يمكنه البقاء دون دعم ثابت من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
فازت توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام في عام 2011. وهي صحافية يمنية ومدافعة عن حقوق الإنسان ساندت انتفاضات الربيع العربي وأصبحت من أشد منتقدي أطراف الحرب الأهلية الدائرة في اليمن.
لقراءة المقال من موقع مجلة التايم الاميركية اضغط (هنـــــــــــــا)