دعت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، الشباب إلى إدراك مسؤوليتهم التاريخية في قيادة التغيير، مؤكدة أن العالم يعيش مرحلة تحوّل غير مسبوقة تتطلب شجاعةً وضميرًا وقيادة قائمة على الرحمة والعدالة.
جاء ذلك في كلمة لها بافتتاح القمة العالمية للشباب بميونخ (2025) التي استضافتها مدينة ميونيخ الألمانية، بمشاركة مئات الشباب والقادة من مختلف أنحاء العالم.
واستهلت كرمان كلمتها بتأكيد دور الجيل الشاب في صنع المستقبل، قائلة: أنتم لستم قادة الغد فحسب، بل أنتم قادة الحاضر. لقد انتهى زمن السلطة الموروثة، وجاء زمن القيادة المصنوعة بالضمير والشجاعة والمعرفة.
وأضافت كرمان أن القيادة في هذا العصر لا تُقاس بالجيوش أو الثروات أو الألقاب، بل بالقدرة على التئام الجروح، والبناء، والتوحيد، وإحداث التغيير، مشيرة إلى أن القمة ليست احتفالًا بالعالم كما هو، بل خطوة لقيادته نحو ما يجب أن يكون عليه.
العالم يحترق والديمقراطية تنزف
وحذّرت كرمان من التحديات العالمية الراهنة، قائلة إن الأرض تحترق، والديمقراطية تنزف، والحقيقة تغرق في محيطات من الأكاذيب، مشددة على أن الشركات الكبرى والدول الغنية تخلّت عن مسؤولياتها الإنسانية والبيئية.
وقالت كرمان: نعيش زمنًا تتلاشى فيه العدالة الاجتماعية والاقتصادية أمام جشع الشركات والحكومات التي نسيت واجبها ورحمتها.
نداء إلى قادة الأعمال
ووجهت كرمان رسالة مباشرة إلى قادة الأعمال ورواد الاقتصاد، داعيةً إلى بناء اقتصاد قائم على الأخلاق لا الجشع.
وأكدت أن النجاح الحقيقي يُقاس بالتأثير الإيجابي في حياة الناس، لا بحجم الثروة، مشددة على أنه: لا ينبغي لأي اقتصاد أن يزدهر في ظل عدم المساواة، ولا لأي أمة أن تغتني على حساب دماء أخرى.
ودعت إلى اقتصاد عالمي عادل، يقوم على الابتكار والإنصاف واحترام الإنسان من الأمازون إلى أفريقيا، ومن اليمن إلى السودان، ومن فلسطين إلى كل أرض أصلية تحمل ندوب الاستعمار.
ضد استغلال الدول الفقيرة
ونددت كرمان بسياسات الدول الغنية والشركات العملاقة التي تستولي على الموارد والمعادن والطاقة من المجتمعات الضعيفة ولا تعيد إليها سوى الفقر والتلوث والوعود الفارغة.
وقالت إن حماية الكوكب تبدأ من الإنصات للشعوب الأصلية التي حافظت على الأرض لأطول فترة، داعية الجيل الجديد إلى أن يكون جيلًا ينهي الفساد بدلًا من التذمر منه، ويبني شركاتٍ تحترم العمال والنساء واللاجئين كشركاء في الإنسانية لا كأرقام.
الصمت أمام الإبادة خيانة للإنسانية
وانتقلت كرمان إلى الحديث عن الواجب الأخلاقي للقيادة الحديثة، مؤكدة أن الصمت أمام الإبادة الجماعية خيانةٌ للإنسانية، ودعت إلى موقف عالمي موحد ضد الاحتلال والعنصرية والفصل العنصري والفاشية.
وقالت كرمان في نداء مؤثر: قفوا مع غزة. قفوا مع السودان. قفوا مع كل نفسٍ مضطهدة في اليمن وسوريا ولبنان وأوكرانيا. قفوا ليس لأنهم عرب أو أفارقة أو مسلمين، بل لأنهم بشر.
وأضافت كرمان: السلام ليس غياب الحرب، بل وجود العدالة. والعدالة لن تأتي من الحكومات وحدها، بل من أناسٍ مثلكم يرفضون القمع كأمرٍ طبيعي.
رسالة إلى ألمانيا
وتحدثت كرمان إلى الحضور في ألمانيا، قائلة إن الأمة الألمانية التي أعادت بناء نفسها من أنقاض الحرب، وقالت للعالم "Nie wieder" – لن يتكرر ذلك أبدًا – مطالبةً بتجديد هذا الوعد في وجه المآسي المعاصرة: يجب أن يتجدد هذا الوعد، ليس فقط في أوروبا، بل في غزة، وفي فلسطين، وفي كل مكان يعاني فيه الناس من الطغيان والظلم.
الهجرة شجاعة لا جريمة
وتطرقت كرمان إلى قضية الهجرة واللاجئين، ووصفتها بأنها قصة إنسانية لا أزمة سياسية، وقالت: الهجرة ليست تهديدًا، بل صمودٌ وشجاعة. الناس لا يغادرون أوطانهم حبًا بالرحيل، بل لأن قوى أكبر منهم دفعتهم إلى ذلك."
وأضافت كرمان أن العالم الذي يشتكي من اللاجئين هو نفسه الذي خلق الظروف التي أجبرتهم على الفرار، مؤكدة أن الحل ليس في إغلاق الحدود، بل في إنهاء أسباب الهجرة: علينا أن نوقف الحروب، ونوقف الاستغلال، ونوقف الديكتاتورية، ونوقف النفاق العالمي. اللاجئون ليسوا سبب الفشل، بل الفشل هو العالم الذي جعلهم لاجئين.
نداء ختامي
واختتمت توكل كرمان كلمتها في القمة العالمية للشباب بميونخ (2025) بنداء إلى الشباب حول العالم: ابتكروا بجرأة، ابنوا بأخلاق، قولوا الحقيقة بلا خوف، واحموا الحرية بلا هوادة."
وأكدت كرمان أن مستقبل البشرية يعتمد على شجاعة هذا الجيل وقدرته على تحويل القيم الأخلاقية إلى سياسات واقعية، تخدم الإنسان والعدالة والسلام.
وفيما يلي نص الكلمة:
أصدقائي الأعزاء،
يا صناع التغيير الأعزاء،
أنتم لستم قادة الغد فحسب، بل أنتم قادة الحاضر.
لعصور، حكمت البشرية من اعتقدوا أن السلطة ميراثهم.
لكن الآن، في هذا الجيل، لم تعد السلطة موروثة، بل تُصنع. يصنعها الضمير والشجاعة والمعرفة والرحمة.
هذا هو العصر الذي لا تُقاس فيه القيادة بالجيوش أو الثروة أو الألقاب،
بل بالقدرة على التئام الجروح والبناء والتوحيد وإحداث التغيير.
لقد اجتمعتم هنا ليس للاحتفال بالعالم كما هو، بل لقيادة العالم كما يجب أن يكون. اليوم، نقف عند نقطة تحول لم نشهدها من قبل. الأرض تحترق، والديمقراطية تنزف، والحقيقة تغرق في محيطات من الأكاذيب، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية تتلاشى أمام جشع الدول والشركات الكبرى التي نسيت واجباتها ورحمتها."
لكن اليوم أيضًا، في خضم هذه العاصفة، تقفون أنتم - الجيل الذي يرفض الاستسلام.
أنتم أول جيل في التاريخ يرث الأدوات والحكمة لإنقاذ العالم.
السؤال ليس ما الذي تستطيع الأدوات التي تمتلكونها فعله - بل ما الذي ستفعلونه بها. وستفعلون الكثير!
لقد رأيتُ ما يمكن للشباب فعله.
رأيتُ ثورات تولد من قاعات الدراسة والجامعات والمقاهي.
رأيتُ طغاة يسقطون لأن الشباب والشابات رفضوا الرضوخ للخوف.
يا قادة الأعمال:
ابنوا اقتصاداتٍ بالتسامح، فالأعمال بلا أخلاق تُصبح دمارًا.
الربح مهم، لكن العظمة والنبل أهم.
لم نعد نعيش في زمنٍ يُقاس فيه النجاح بالثروة فقط.
النجاح الحقيقي يُقاس بالتأثير:
• كم وظيفةً خلقتم؟ كم مجتمعًا نهضتم؟ كم كرامةً حميتم؟ كم أملًا أشعلتم؟
• لا ينبغي لنا أن نبني اقتصادًا مزدهرًا على كرامةٍ مهزوزة أو حقوقٍ مسروقة.
• لا ينبغي لأي أمة أن تغتني باستنزاف دماء أخرى.
لا ينبغي لأي اقتصاد أن يزدهر في ظل عدم المساواة.
لا ينبغي لأي مستقبل أن يُبنى على أرض مسروقة وأحلام مسروقة.
• لا مزيد من الثروة التي تُبنى على معاناة الآخرين.
• دعونا نبني عالمًا لا تنبع فيه القوة الاقتصادية من الاستغلال، بل من الابتكار والإنصاف واحترام كل إنسان -
من الأمازون إلى أفريقيا، ومن اليمن إلى السودان، ومن فلسطين إلى كل أرض أصلية لا تزال تحمل ندوب الاستعمار.
• يجب أن نقف ضد استغلال الدول الفقيرة، وضد سرقة الموارد الطبيعية، وضد الشركات والحكومات القوية التي تستولي على المعادن والطاقة والأراضي والعمالة من المجتمعات الضعيفة -
ولا تُعيد إليها سوى التلوث والفقر والوعود.
• إن العدالة للشعوب الأصلية هي عدالة للبشرية.
وإذا أردنا حقًا حماية هذا الكوكب، فعلينا أن نتعلم ممن حموه لأطول فترة.
كونوا الجيل الذي يُنهي الفساد بدلًا من التذمر منه.
ابنوا شركاتٍ لا تُعامل العمال واللاجئين والنساء والشباب كأرقام، بل كشركاء في الإنسانية.
أصدقائي الأعزاء
لا يُمكننا الحديث عن القيادة المُستقبلية دون الحديث عن الواجب الأخلاقي.
الصمت أمام الإبادة الجماعية خيانةٌ للإنسانية.
تجاهل الاحتلال والفصل العنصري والعنصرية والفاشية هو تسليم العالم للظلام.
قفوا مع غزة.
قفوا مع السودان.
قفوا مع كل نفسٍ مُضطهدة في اليمن وسوريا ولبنان وأوكرانيا، في كل مكان.
قفوا ليس لأنهم عرب أو أفارقة أو مسلمين أو مسيحيين -
قفوا لأنهم بشر.
النضال من أجل الحرية نضالٌ واحد.
عبر الأمم، عبر الثقافات، عبر الأديان -
لكرامة الإنسان لغةٌ واحدة.
السلام ليس غياب الحرب.
السلام هو وجود العدالة.
ولن تأتي العدالة من الحكومات وحدها، بل ستأتي من أناسٍ مثلكم يرفضون قبول القمع كأمرٍ طبيعي.
وهنا، في ألمانيا، أمةٌ أعادت بناء نفسها من أنقاض الحرب، أمةٌ فتحت أبوابها لملايين الباحثين عن الأمان، أتحدث باحترامٍ عميقٍ وصراحةٍ صادقة:
قالت ألمانيا ذات مرة "Nie wieder" - لن يتكرر ذلك أبدًا.
قالتها أمام أنقاض النازية، أمام دماء الأبرياء - وعدًا بأن الكراهية والعنصرية والإبادة الجماعية لن تعود أبدًا.
لكن اليوم، يجب تجديد هذا الوعد - ليس فقط في أوروبا، بل في غزة، وفي فلسطين، وفي كل مكان يعاني فيه الناس من الطغيان والظلم.
الهجرة ليست أزمة.
إنها قصة إنسانية.
إنها شجاعة، لا جريمة.
إنها صمود، لا تهديد.
وعندما نتحدث عن الهجرة واللاجئين،
فلنقل الحقيقة كاملةً - ليس الرواية السياسية، بل الرواية الأخلاقية. لا يغادر الناس ديارهم راغبين في التخلي عن أرضهم، ذكرياتهم، لغتهم، شوارع طفولتهم.
يغادرون لأن قوىً أكبر منهم دفعت بهم للرحيل.
يغادرون لأن:
• الاستعمار رسم حدودًا بالدم وترك الدول في حالة من الفوضى،
• الشركات استخرجت الثروات من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط وتركت الفقر وراءها،
• القوى العظمى شنت الحروب، ودعمت الديكتاتوريين، وأججت الانقلابات، وحوّلت الدول المسالمة إلى ساحات معارك،
• القوى العالمية استغلت المعادن والنفط والذهب والفضة الأرض، والأرض - ولم يعد سوى الصراع والفساد والنزوح.
لنكن صريحين:
العالم الذي يشتكي من اللاجئين هو غالبًا نفس العالم الذي خلق الظروف التي أجبرتهم على الفرار.
إذا كنا نهتم بوقف الهجرة،
علينا أن نوقف أسبابها.
علينا أن نوقف الحروب، ونوقف الاستغلال، ونوقف الديكتاتورية، ونوقف سرقة الموارد، ونوقف النفاق العالمي.
اللاجئون ليسوا سبب الفشل -
الفشل هو العالم الذي جعلهم لاجئين.
لنرفض الأصوات التي تستغل الخوف،
وتصف اللاجئين بالأعباء،
وتستخدم المهاجرين كأدوات سياسية،
وتؤجج كراهية الإسلام وكراهية الأجانب والعنصرية لكسب الأصوات وتقسيم المجتمعات.
أيها الشباب الأعزاء:
• ابتكروا بجرأة
• ابنوا بأخلاق
• قولوا الحقيقة بلا خوف
• احموا الحرية بلا هوادة





