افتتحت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، اليوم السبت، أعمال مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في مدينة إسطنبول، مؤكدة أن اليمن يمتلك من الطاقات والعقول ما يؤهله لاستعادة دولته وبناء مستقبله بعيدًا عن الوصاية الخارجية.
وانطلقت فعاليات المؤتمر، الذي تنظمه مؤسسة توكل كرمان، بمشاركة أكثر من 200 خبير وباحث يمني من داخل اليمن وخارجه، لمناقشة تحديات وفرص التنمية في البلاد عبر أوراق بحثية متخصصة تتناول التعليم، والاقتصاد، والصحة، والطاقة، والهوية، والتنمية المستدامة.
وفي كلمتها الافتتاحية، عبّرت كرمان عن فخرها واعتزازها بلقاء نخبة من أهم العقول والكفاءات اليمنية القادمة من 15 دولة حول العالم، معتبرة أن هذا المؤتمر يجسّد لقاء الفكر والعلم والأمل من أجل اليمن، ورسالة تأكيد على أن "اليمن سينهض من بين الركام ويشفى من آلامه وجراحه، فالأوطان لا تموت، والشعوب لا تفنى".
وقالت كرمان إن السياسة والحرب استأثرتا بالمشهد اليمني لعقد كامل، بينما تم تهميش قضايا الاقتصاد والتنمية والتعليم والصحة، مؤكدة أن تأجيل هذه الملفات لا يعيد الدولة، بل يبعدها أكثر، فالدولة ليست كيانًا سياسيًا مجردًا، بل هي الخدمات ذاتها: المرتبات والتعليم والصحة والعدالة.
وانتقدت كرمان بشدة فشل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وسلطات الأمر الواقع في أداء واجباتها تجاه المواطنين، مشيرة إلى أن المجالين الوحيدين اللذين يشهدان نشاطًا في اليمن اليوم هما اقتصاد الحرب والفساد السياسي.
وقالت كرمان: لقد سئم الشعب اليمني من فسادكم واستبدادكم، وآن له أن يستعيد قراره وينهض من بين الركام.
وأكدت كرمان أن اليمن ليس ضعيفًا ولا تابعًا لأحد، بل يمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة تؤهله ليكون من أعظم دول المنطقة، مشددة على أن الإنسان اليمني هو الثروة الحقيقية التي لا تُقدّر بثمن.
وأضافت كرمان: شعبنا صبور مكافح لا يُكسر، متجذر في العزيمة والحضارة.
ودعت كرمان إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والشراكة والمصالحة الوطنية، معتبرة أنه لا خلاص لليمن من دون تعليم ينهض بالعقول، وصحة تحفظ كرامة الإنسان، واقتصاد منتج يكسر معادلة الجوع والولاء.
كما حذّرت من تهميش العقل والاستخفاف بالعلم، معتبرة أن ذلك فتح الطريق أمام الجماعات الكهنوتية والمتطرفة، مشددة على أن المعرفة تصنع الإنسان الحر، وتمنح المجتمع المناعة ضد الجهل والخرافة وضد المشاريع التي مزّقت الأوطان.
وفي سياق حديثها عن قضايا المنطقة، رحّبت كرمان بالاتفاق المعلن لوقف الحرب في قطاع غزة، واعتبرته "خطوة أولى نحو وقف حرب الإبادة"، لكنها أكدت أن "السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني".
وأضافت كرمان: "الاحتلال الإسرائيلي لن يدوم، فالشعوب لا تُهزم، رغم ما ارتكبته إسرائيل من إبادة جماعية في غزة".
ويناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام قضايا تمس واقع اليمن ومستقبله، تشمل الصحة والتنمية والتعليم والهوية والبيئة والأمن الغذائي والاقتصاد، في إطار سعيه لطرح رؤى وحلول عملية لمستقبل التنمية في اليمن.
ويأتي هذا المؤتمر امتدادًا لسلسلة فعاليات نظمتها مؤسسة توكل كرمان خلال الأعوام الماضية في اليمن وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ضمن جهودها لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وتمكين المجتمعات في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية والاقتصاد، وترسيخ قيم العدالة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
وفيما يلي نص الكلمة:
أهلاً وسهلاً بكم جميعاً في هذا اللقاء الكبير،
اشعر بالهيبة والفخر وأنا اجتمع بنخبة من أهم العقول والكفاءات اليمنية داخل اليمن وفي بلاد المهجر.
لقاء الفكر والعلم والمعرفة والأمل، لقاء اليمنيين من أجل اليمن.
إنه مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين، الذي نجتمع فيه اليوم لنناقش التحديات الكبرى التي تواجه شعبنا في مجالي التنمية والسلام، ولنضع لبنات جديدة في طريق الخروج من المأساة إلى الأمل، ومن الحرب إلى الحياة.
أشكركم جميعاً على حضوركم، وأخص بالشكر الباحثين والخبراء الذين تكبدوا عناء السفر ومشقة الطريق.
لقد جاء أكثر من خمسين باحثاً يمنياً من مدن عديدة داخل اليمن، كما جاءوا ايضا من مختلف دول العالم، أمريكا وبريطانيا وألمانيا والصين والهند وماليزيا ومصر وتركيا وعُمان وقطر والكويت وأستراليا وكندا رجالاً ونساءً، وكلهم كفاءات قديرة وعقول كبيرة جديرة بالاحترام والتقدير قدموا أبحاثاً ثرية في مجالات الصحة والتعليم والطاقة والماء والغذاء والاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا والزراعة والفن والثقافة والامن والجيش والسياسة.
ومعنا هنا أكثر من مائتين مختص وخبير معنا في هذه القاعة، وملايين يتابعوا هذا المؤتمر بشغف وترقب عبر شاشة قناة بلقيس ووسائل التواصل الاجتماعي، فاهلاً وسهلاً بكم جميعاً.
أيها الأعزاء،
يجمعنا اليوم حب اليمن، البلد الذي يستحق منا كل الحب والتضحية والعطاء والوفاء.
نجتمع لأننا نؤمن أن ما تمر به بلادنا من حرب وفوضى ما هو إلا سحابة عابرة ستنقشع وتزول، حتماً ستزول.
ولقاءنا هذا هو تأكيد على هذا الإيمان، وعلى يقيننا أن وطننا سيشفى من آلامه وجراحه، وسينهض من بين الركام.
فالأوطان لا تموت، والشعوب لا تفنى.
أيها الأصدقاء،
لقد استأثرت السياسة بمعظم المؤتمرات والفعاليات التي خُصصت للشأن اليمني.
خلال السنوات العشر الماضية، غطى عنوان الحرب والسياسة على كل عناوين النقاشات والمؤتمرات والفعاليات المهتمة بالشأن اليمني.
من الطبيعي ان تكون السياسة والحرب عناوين رئيسية في أي بلد يعاني اضطرابات وعدم يقين، لكن هناك قضايا غير السياسة تؤثر بشكل مباشر على الناس وحياتهم ومصالحهم، ينبغي مراقبتها والتأكد من عدم انتهاكها والإضرار بها.
غير الطبيعي هو تجاهل آثار الحرب والفشل السياسي الكارثية على حياة الناس، الذين يعيشون جحيماً يوميا يواجهون الجوع والفقر والمرض والظلم كل يوم.
لقد أثبتت التجربة أن انحصار النشاط العام في السياسة وحدها يعني شيئاً واحداً: البقاء في دائرة مفرغة، تتسع فيها الانقسامات، والتدخلات الخارجية، وتتناسل الحرب إلى حروب وصراعات وتدهور في المعيشة.
إن تأجيل ملفات الاقتصاد والتنمية والخدمات لا يعيد الدولة، بل يبعدها أكثر؛ فالدولة ليست كيانا سياسيا مجردا، بل هي الخدمات ذاتها: المرتبات والتعليم والصحة والعدالة ورعاية مصالح الناس.
نحن اليوم أمام واقع مرير: لا سياسة فاعلة، ولا اقتصاد منتج، لا أمن ولا جيش ولا سلام، ولا صحة، ولا تعليم، لا رياضة ولا بنية تحتية، كل المجالات تسجل مستويات تدهور غير مسبوقة.
لقد تخلت ميليشات الانقلاب الحوثية عن مسؤولياتها كسلطة أمر واقع في مناطق سيطرتها واتبعت نهج حرب شاملة على المجتمع، كما أعفت من تسمي نفسها حكومات الشرعية نفسها من المسؤولية والمحاسبة، في مجالات هي في صميم وظيفتها ومن أجلها وجدت.
فما معنى حكومة لا تقوم بواجباتها؟
وما معنى دولة تفشل في توفير خدمات الكهرباء والمياه والأمن والمرتبات والصحة والتعليم؟
والمؤسف ان المجالان الوحيدان اللذان ينتعشان في اليمن اليوم هما اقتصاد الحرب والفساد السياسي.
والمستفيدين منها هم اولئك الذين توهموا أن دماءهم الزرقاء السلالية تمنحهم امتيازاً، أو اولئك الذين يظنون أن الإرث الديني أو المناطقي أو السياسي يبرر فسادهم وارتهانهم للاجنبي وخيانتهم لمصالح الوطن العليا.
لهؤلاء نقول بصوت الشعب كله:
لقد سئم منكم الشعب اليمني، مل منكم ومن فسادكم ولم يعد يقبل استبدادكم وخياناتكم وإضراركم بمصالح الوطن العليا.
لقد آن لليمن أن يستعيد قراره، أن ينهض من بين الركام، أن يقول كلمته هو لا كلمات الآخرين.
يمننا ليس ضعيفاً، وليس حديقة خلفية لأحد.
يمننا غني بالإمكانات والكرامة والإرادة.
يمننا يملك من المقومات ما يجعله من أعظم دول العالم، وليس في المنطقة فحسب.
أرضنا موقع استراتيجي فريد، لدينا ثروات هائلة من النفط والغاز والذهب والمعادن والثروة السمكية والطاقة الشمسية، تضاريس وبيئة متنوعه، سواحل ممتدة، وجزر نادرة غنية لا مثيل لها في العالم.
ولدينا قبل ذلك ثروة بشرية لا تقدر بثمن — الإنسان اليمني الحر، الكريم، الصادق، الشجاع.
شعبنا عامل صابر مكافح موهوب، شعب صلب لا يكسر، متجذر في الحضارة والعزيمة.
أيها الأعزاء،
لقد آن الأوان أن نعيد بناء دولتنا ومجتمعنا على أسس جديدة، تجعل السلطة شراكة لا هيمنة، والدولة وسيلة للعدل لا للغلبة.
علينا أن نتصالح مع أنفسنا ومع بعضنا، وأن نعيد الثقة بين الناس، فالمصالحة الحقيقية تبدأ من القاعدة، من القرى والمدن، وليس فقط من القاعات والمؤتمرات.
ولا خلاص لليمن من دون تعليم ينهض بالعقول، وصحة تحفظ كرامة الإنسان، وبنية تحتية تعيد الحياة للمدن والقرى، واقتصاد منتج يكسر معادلة الجوع والولاء التي غذت الحرب والفساد.
لاخلاص لليمن من دون سلك طريق العلم والفكر والمعرفة
لطالما كانت المعرفة سبيلا للتغيير والتقدم والازدهار.
المجتمعات التي لا يزدهر فيها العلم والمعرفة والتفكير العلمي والتفكير النقدي هي مجتمعات ضحله يسهل اضعافها والتحكم بها بل وتدميرها.
لقد ساهم تهميش العقل والاستخفاف بالعلم في فتح الطريق أمام الجماعات الكهنوتية والانفصالية والمتطرفة، التي تغذت على الكراهية والطائفية والعنصرية والمناطقية وأسقطت الدولة ومؤسساتها.
المعرفة تصنع الإنسان الحر، تجعل اختياراتنا وأحكامنا أكثر دقة، وتمنحنا المناعة ضد الجهل والخرافة وضد الأيديولوجيات البائسة والمشاريع المشبوهة التي خربت حياتنا ومزقت أوطاننا.
لا طريق آمن لمستقبل اليمن إلا الطريق الذي يعطي العلم والمعرفة المكانة التي يستحقها، ويجعلهما في أول سلم الاولويات وفي قلب الدولة والمجتمع.
أيها الاعزاء
ونحن نرسم طريق الخلاص ، علينا هو أن نؤمن بانفسنا بذواتنا وبشعبنا اليمني العظيم القادر على انجاز التحولات الكبيرة ، وهذا ماأثبته على مر التاريخ مهما كانت حجم المؤامراة ومهما طال زمن المعاناة
نعم هذا الطريق يبدأ من إيماننا بأننا قادرون على التغيير صناعة المستقبل، وبأن وطننا سيحيى حياة أفضل، يمنًا جمهوريا ديمقراطيا موحدا وعادلا، ومجتمعا متصالـحا، واقتصادا مزدهرا، وتعليما وصحة وبنية تحتية تليق بشعب عظيم لا يكسر ولا يهزم.
نعم .. يمنٌ قوي بين الامم ، لا وصاية فيه لأحد، ولا سلطة فيه تعلو على سلطة الشعب.
سيقولون متى هو: قل عسى ان يكون قريباً وقريب جداً بإذن الله وإرادة اليمنيين.
أيها الحضور الكريم،
لا يمكن أن نتحدث عن التنمية والسلام في اليمن دون أن نذكر ما يحدث في فلسطين، حيث يخوض الشعب الفلسطيني كفاحاً بطولياً من أجل حريته وكرامته منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً.
لقد رأينا جميعاً الإبادة الجماعية في غزة، حيث قصفت المدن والمستشفيات والمدارس، وقتل الأطفال والنساء والرجال بلا رحمة، في جريمة موثقة شاهدها العالم، وسكتت عنها القوى الكبرى التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
لكننا نعرف أن الاحتلال لا يدوم وان الشعوب لا تهزم.
لقد علمنا الفلسطينيون معنى العناد من اجل الحق، والصمود في وجه الخذلان والتواطؤ والنكران، وسيكتب التاريخ مرة أخرى أن الحرية لا تمنح، بل تنتزع.
وفي الختام،
أجدد ترحيبي بكم جميعاً، وأعبر عن سعادتي الكبيرة بهذا المؤتمر النوعي الذي يعبر عن وجه جديد من وجوه اليمن، وجه العلم والعقل والعمل.
إن هذا المؤتمر هو إحدى خطواتنا الكبيرة والمهمة نحو استعادة كرامتنا ووطننا.
أتوجه بالشكر العميق إلى هذه الكفاءات القديرة التي تشاركنا اليوم، شكراً لكم فقد رفعتم اسم اليمن عالياً، والشكر موصول للجنة العلمية برئاسة الدكتور مروان الغفوري، وإلى الأخت والصديقة الأستاذة مسك الجنيد المديرة التنفيذية لمؤسسة توكل كرمان، ولكل فريق العمل الرائع، كل باسمه وصفاته، الذي أثبت يوماً بعد يوم أنه أهل للمسؤولية والعطاء.
شكرًا لمدير قناة بلقيس الاستاذ احمد الزرقة وكل طاقم بلقيس على تغطيتهم المباشرة للمؤتمر وشكرا لبلقيس ميديا ومديرها الرائع الاستاذ محمد الأديمي وكل فريقه، والشكر موصول لفريق الترجمة والذي يترجم كل مجريات المؤتمر باللغتين العربية والانجليزية.