كلمات
الضيوف الكرام، نحن الليلة هنا لإحياء الذكرى الخامسة لجريمة القتل المروعة بحق صديقنا وزميلنا جمال خاشقجي. وكما تعلمون جميعًا، أنه على الرغم من وحشية الجريمة ضده، والوعود بمحاسبة المسؤولين عنها، فلا عدالة تحققت ولا محاسبة تمت، بل لا نعرف حتى مكان جثمانه، وغير قادرين على القيام بواجب العزاء عليه كما ينبغي، ودفنه بما يليق به ليرقد في قبره بسلام.
إلا أننا، عوض ذلك، نرى حكومات العالم حريصة كل الحرص على دفن ملفه فيما هي تتزلف للمملكة العربية السعودية وقاتل جمال، محمد بن سلمان، وتتهافت على بيع الأسلحة لولي العهد، وبناء محطة للطاقة النووية له، بل ومنحه والمملكة العربية السعودية الضمانات الأمنية التي لا تتاح إلا لأقرب المقربين من حلفاء الولايات المتحدة.
ولا غرابة أن نرى اليوم جرائم محاكية لجريمة خاشقجي، مثل جريمة الاغتيال الأخيرة بحق المواطن الكندي والناشط السيخي، هارديب سينغ نيجار، على يد الحكومة الهندية على الأراضي الكندية. والحقيقة أنه إذا لم تجد العدالة طريقها في قضية مقتل جمال خاشقجي، فلن يكون أي منا - لا ناشطين، ولا صحفيين، ولا حتى حائزين على جائزة نوبل للسلام – بمأمن من هكذا جرائم.
كان جمال صديقاً لي، ففي آخر لقاء جمعني به في إسطنبول، إلى جانب شخصيات عربية أخرى من المعارضة ومؤيدي الربيع العربي، كان لنا هدف مشترك، وهو التعاون في إنهاء الحرب في اليمن، وفي معارضة تدخل إيران ودعمها لميليشيات الحوثي وغيرها من الميليشيات المنتشرة في المنطقة. لكن لسوء الحظ، وقبل أن نتمكن من تنسيق جهودنا بشكل فعال، نتفاجأ بنبأ اغتيال جمال داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وبالطريقة المروعة التي قُتل بها. إن جريمة مقتل خاشقجي ليست إلا انعكاساً لجرائم الحرب السعودية في بلدي اليمن الذي كابد القصف والمجاعة، فالسعودية، مثلما قطعت جثة جمال، تقوم بالشيء ذاته في اليمن وتعمل على تمزيقه.
وفي مقابلته الأخيرة على قناة فوكس نيو، حاول محمد بن سلمان التقليل من أهمية اغتيال جمال بتصوير الواقعة على أنها حادثة عرضية لا انعكاسا لسياسة المملكة. والحقيقة أن موته المفجع ما كان ليحدث دون توجيهات صريحة من محمد بن سلمان، مما يعكس السجل الوحشي الحافل للحكومة السعودية في إسكات المعارضة أياً كانت.
إن إحياءنا لذكرى حياة جمال ولإرثه مرده أننا نشاركه القيم التي دافع عنها، وهي قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. إننا من هنا نذكر العالم وبلسان واحد بأن مقتله كان جريمة بغيضة، وأننا ماضون في نضالنا من أجل العدالة.
كان جمال يحلم بعالم يمكن فيه حكم الشرق الأوسط من قبل حكومات ديمقراطية، لا على يد مستبدين وملوك مطلقين؛ بعالم يجري فيه معاملة شعوب المنطقة بما تستحقه من كرامة واحترام. وها نحن أبعد ما يكون عن ذلك من أي وقت مضى، وسبب ذلك إلى حد كبير راجع إلى أن الطغاة في منطقتنا يتمتعون بدعم وحماية حكومة الولايات المتحدة. وهذا خيانة لشعوب الشرق الأوسط، وهي قبل ذلك خيانة لقيمنا ولمصالحنا في تعزيز الديمقراطية والحرية في أرجاء العالم - لأن الديمقراطية والحرية هما السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن والكرامة للجميع.
إننا محظوظون أن جمال كان لديه البصيرة لتأسيس منظمة DAWN، حيث أدرك ما للولايات المتحدة من دور كبير في تأمين الديمقراطية والحرية لشعوب الشرق الأوسط. وتسعى منظمة DAWN من خلال عملها اليوم إلى إصلاح سياسة الولايات المتحدة لإيقاف الدعم للحكومات القمعية في المنطقة، ومحاسبة من يمارسون القمع – ومن يقف خلفهم من جماعات الضغط في واشنطن مثلاً – وتمكين كل أولئك الذين لا يكفون عن المطالبة بحكم ديمقراطي للمنطقة يستند على حقوق الإنسان.
أشكركم على انضمامكم لي هنا هذا المساء. والآن الى مقطع فيديو قصير حول رؤية جمال، وهي رؤية أعتقد أننا جميعا نشاطره إياها.