كلمات
أقف أمامكم اليوم لأتحدث عن قضية تمثل جوهر وجودنا، ألا وهي التوازن الدقيق بين الأمن والحرية والأمن الغذائي. على الرغم من أن الأمن ضرورة حتمية لرفاهية الأفراد والأمم، إلا أننا يجب ألا نغفل الدور الحيوي الذي تلعبه الحرية في تشكيل حياتنا. إنها مسألة حساسة تتطلب تعاملاً حذراً وتعايشًا متسقاً.
عندما نتحدث عن الأمن بشكل عام والأمن الغذائي بشكل خاص دون ربطهما بالحرية ، يجب أن ندرس ما يترتب على ذلك من آثار على جوانب مختلفة من حياتنا، فالأمن الغذائي ليس مجرد وجود ما يكفي من الطعام للجميع؛ بل يشمل إمكانية الوصول إليه، وتوفره، والانتفاع به واستمراره. ومع ذلك، لا يمكننا تحقيق أمن غذائي حقيقي دون سلام.
السلام هو الأساس الذي يقوم عليه الرخاء والتقدم، وتطوير النظم الغذائية المستدامة وتنفيذها يتوقف على غياب حالة الصراع والعنف واللاستقرار. إنه لمهمة شاقة، إن لم يكن مستحيلاً، السعي إلى تحقيق الأمن الغذائي في المناطق المنكوبة بالقلاقل والاضطرابات.
وبالتالي، لا يمكن فصل الأمن الغذائي عن الحرية في سياقها الواسع. عندما تتعرض الحرية للخطر، وعندما تكون المجتمعات أسيرة أنظمة قمعية أو متورطة في النزاعات، إن الأشد ضعفاً فينا هم من يتحمل وطأة عواقب ذلك، إنهم الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والمزارعون الذين يكافحون من أجل تنمية أراضيهم وسط حالة الفوضى، والمجتمعات التي يمزقها العنف.
لا بد من الاعتراف بجسامة التهديد الذي يشكله الاستبداد والدكتاتورية على الأمن الغذائي، ففي ظل الأنظمة القمعية التي تتركز السلطة فيها بأيدي قلة قليلة يجري سحق الحقوق الأساسية للأفراد، وغالبًا ما تتعرض رفاهية السكان، بما في ذلك الحصول على الغذاء، للخطر.
إن الأولوية لدى الطغاة والدكتاتوريين مصالحهم الخاصة وتوطيد السلطة، وغالبًا ما يتجاهلون احتياجات شعوبهم. إنهم يستغلون نظم إنتاج وتوزيع الغذاء لتحقيق مكاسبهم الخاصة، مما يزيد من وتيرة عدم المساواة وتوطين الجوع بين أكثر شرائح المجتمع ضعفاً.
في ظل هذه الأنظمة القمعية، يتم خنق حرية الحديث والتعبير، فيصعب على الأفراد التعبير عن مخاوفهم بشأن عدم كفاية الموارد الغذائية، أو الممارسات الزراعية السيئة، أو عدم الحصول على وجبات ذات قيمة غذائية. والنتيجة هي قطع الطريق على تدفق المعلومات ورجع الصدى ولم لهما من أهمية جوهرية في تحسين الأمن الغذائي، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الندرة واليأس.
وفوق ذلك، غالبًا ما تستخدم الحكومات الاستبدادية الغذاء كسلاح للسيطرة على شعوبها، فقد يحجبون الإمدادات الغذائية عن مناطق معينة أو يتلاعبون بالأسعار لفرض السيطرة وقمع المعارضة، وهذا لا يؤدي فقط إلى تعميق مظاهر التفاوت القائمة، بل تخلق أيضًا جوًا من الخوف واليأس، حيث لا يستطيع الناس تلبية احتياجاتهم الأساسية، ناهيك عن التطلع إلى مستقبل من الأمن الغذائي.
تخلق المجتمعات الديمقراطية، التي تزدهر فيها الحرية، بيئة مواتية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، حيث يتم من خلال التمسك بمبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم الديمقراطي تمكين الأفراد للمشاركة في عمليات صنع القرار، ومحاسبة قادتهم، والمساهمة في تطوير أنظمة غذائية مستدامة.
إن من شأن الأنظمة الديمقراطية تعزيز الشفافية والمساءلة الأمر الذي يضمن تخصيص الموارد بكفاءة وإنصاف، فهذه الأنظمة تعزز الابتكار، وتشجع البحث العلمي، وتعزز التعاون بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك المزارعين والعلماء وواضعي السياسات ومنظمات المجتمع المدني، وهذا النهج متعدد الأبعاد يعزز من مرونة النظم الغذائية وقدرتها على التكيف، مما يجعلها أقدر على مواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ والنمو السكاني والتقلبات الاقتصادية.
حديثي إليكم اليوم في هذه القمة بصفتكم أعضاء برلمانيين من مختلف دول العالم. ونظرًا لأنكم ممثلون عن دول وتعملون من أجل رفاهية مواطنيكم، فأمامكم مسؤولية مشتركة لمعالجة القضايا الحاسمة التي تؤثر على حياة ملايين.
يتعين عليكم في خضم سعيكم لتحقيق الأمن الغذائي أن تكونوا دوماً على دراية بالعواقب المحتملة للمساس بالحرية. إنه من صميم واجبكم حماية حقوق وحريات ناخبيكم، وضمان إيصال أصواتهم ومعالجة مخاوفهم. وإنكم بدفاعكم عن الحرية تمكنون الأفراد من المشاركة بنشاط في صياغة السياسات التي تعزز التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والجوع.
يجب أن تستخدموا منابركم البرلمانية لتكثير أصوات من تم إسكاتهم أو تهميشهم. ومن خلال معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك عدم المساواة والفقر والصراع، يمكنكم بناء أنظمة غذائية مرنة ومستدامة لا تترك أحداً يتخلف عن الركب. دعونا نعطي الأولوية لاحتياجات السكان الأكثر ضعفاً، ونضمن لهم المساواة في الحصول على الغذاء المفيد وعلى الفرص اللازمة لاكتفائهم الذاتي وازدهارهم. ولتحقيق ذلك، يتعين عليكم تعزيز التعاون عبر الحدود والحوار بين الدول.
دعونا نتجاوز الخلافات والانتماءات والأيديولوجيات السياسية ونتجه نحو تحقيق الأهداف المشتركة في سياق السلام، والأمن، والأمن الغذائي، فمن خلال مشاركة أفضل الممارسات وتبادل المعرفة والتعاون في إيجاد حلول مبتكرة نستطيع، وبشكل جماعي، التغلب على التحديات التي تقف في طريق تحقيق الأمن الغذائي للجميع.
في الختام، دعونا أيها الأكارم، بوصفكم ممثلين لدولكم ومعبرين عن أصوات الذين تخدمونهم، نضطلع بمسؤوليتنا الجماعية لضمان تعايش الأمن والحرية بانسجام، فمن خلال رفض الاستبداد والديكتاتورية، ومن خلال الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ومعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي، يمكننا تمهيد الطريق نحو مستقبل يمكن فيه لكل فرد التمتع بحقه في الغذاء والحرية والكرامة.
أتمنى أن تعزز مداولاتكم خلال هذه القمة البرلمانية العالمية التزامًا متجددًا بالسعي لتحقيق الأمن والحرية وعالم خالٍ من الفقر والجوع.
شكرا لكم،،