كلمات
السلام عليكم، بداية، أهنئ معهد نوبل والأكاديمية الوطنية للعلوم على هذا المؤتمر الهام حول المعلومات المضللة، وأعتقد أن العنوان المختار - "الحقيقة والثقة والأمل" – هو خير ما يعبر عن هذه اللحظة من تاريخنا. وإن كان ليؤسفني عدم تمكني من حضور المؤتمر شخصياً، إلا أنه وبفضل التكنولوجيا ها أنذا أشارككم هذا الحدث بالحديث عن التعاون وما له من دور هام في التغلب على الكراهية والمعلومات المضللة.
أولاً: يمكن القول بأن البيئة المعلومات الآخذة في التطور بمثابة سيف ذو حدين، فمن جهة نجد أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي يسرت الوصول الى المعلومة، ومعها تيسرت عملية صناعة المحتوى وأصبح انتشار المعلومة أسرع. كل هذا يعني أن الناس يمكنهم التعبير عن آرائهم والتواصل مع غيرهم حول العالم بسهولة أكبر. لكن من ناحية أخرى، بإمكان أطراف خبيثة استغلال مثل هذه الأدوات لتقويض الانتخابات، وإحداث إرباك في أوقات الأزمات، واستغلال الناس، بالإضافة إلى استخدام الأنظمة الاستبدادية لهذه المنصات الاجتماعية لإحكام قبضتها على السلطة وإخراس أصوات خصومها.
من واقع تجربتي الخاصة، كمواطنة يمنية وعربية عاشت في ظل أنظمة استبدادية، فإني رأيت في التكنولوجيا شقين: شق مظلم وآخر مشرق. كما تعلمون، مثًـل الربيع العربي لحظةً فاصلةً في التاريخ الحديث أظهرت مدى قوة الفعل السلمي الجماعي وإرادة الشعوب في تحقيق الحرية والعدالة.
لقد تجلى في تلك اللحظات التاريخية الدور التحفيزي الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في إشعال جذوة التغيير الذي عم مختلف بلدان المنطقة، وكان كل من تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، بمثابة منصة للمواطنين العرب للتعبير عن مظالمهم، ولحشد المظاهرات الاحتجاجية وتبادل المعلومات مع العالم في الوقت المناسب، حيث تمكن الناس عبر الهاشتاجات والمنشورات ومقاطع الفيديو من توحيد صفوفهم، وكسر حواجز الصمت التي فرضتها الأنظمة الاستبدادية.
وبالتالي فإن التكنولوجيا كانت هي شعلة الأمل التي مكنت المواطنين البسطاء من توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وفضح الفساد، والتعبير عن مطالبهم بالعدالة. وكانت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة ساحة عامة افتراضية أمكن من خلالها تبادل وتعزيز الأفكار، والقصص، ومطالب التغيير، وساعدت على تشكيل سردية للمقاومة وخلق شبكة تضامن دولية.
لكن بمقدار ما تكون القوة يكون عظم المسؤولية وعظم التحديات. وهنا يتجلى الشق المظلم لهذه الثورة التكنولوجية، حيث أدركت الأنظمة الاستبدادية التهديد المحتمل لوسائل التواصل الاجتماعي، فسارعت الى تكييف تكتيكاتها لاستغلال هذه الوسائل لإحكام قبضتها على السلطة، وقمع الأصوات المعارضة، فعمدت الى بث الأخبار الزائفة، وفرض الرقابة الرقمية، ونشر الجيوش السيبرانية، وسن قوانين تُـقيد الخطاب الافتراضي.
ومن خلال الرقابة على المحتوى الالكتروني وتوجيهه، استخدمت الأنظمة الاستبدادية ذبابها الإلكترونية – المتمثل بالناشطين والإعلاميين المواليين للأنظمة وبالحسابات الوهمية - لنشر قصص كاذبة عن المعارضين وعن الثورات السلمية والربيع العربي، وتشويه صورة الصحفيين والناشطين في المجالين الحقوقي والسياسي، والأمثلة على ذلك كثيرة، ابتداءً ب جمال خاشقجي ومروراً بغادة عويس وانتهاءً بي أنا شخصياً.
لكن على الرغم من كل هذه المعوقات والتحديات، فإني على يقين من قدرتنا على تجاوز ذلك كله؛ من خلال التعاون والعمل المشترك، بإمكاننا حماية الحقيقة، وحماية أصوات الناس ونزاهة الفضاءات الرقمية. يتعين على الديمقراطيات في العالم، وعلى شركات التكنولوجيا، ومنظمات المجتمع المدني، توحيد جهودها لدعم أصوات أولئك الذين يسعون جاهدين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ أن من شأن ذلك أن يساعد في فضح أساليب الخداع، وبالتالي إتاحة مساحات لانتعاش خطابات بديلة وتطوير أطر عمل متينة تحمي حقوق التعبير وتحافظ على سلامة المعلومات.
يجب أن نستثمر في برامج محو الأمية الإعلامية تعمل على تسليح الأفراد بأدوات تمكنهم من تمييز الحقيقة عن الأكاذيب، وهو ما سيساعد في بناء مجتمعات مرنة تقاوم التلاعب بالمعلومات. يقع على عاتق شركات التكنولوجيا مسؤولية كبيرة إزاء هذه المعركة من أجل الحقيقة من حيث تحصين منصاتها ضد التلاعب والتضليل وقمع الأصوات. كما يتعين عليها إعطاء الأولوية لرفاهية مستخدميها، وأن تكون أكثر شفافية بشأن سياساتها حول المعلومات المضللة، وأن يكون لديها إجراءات واضحة لإزالة مثل هذه المعلومات المضللة حالما ترجح ضررها على العالم الواقعي.
كما يجب عليها وضع مبادئ توجيهية وسياسات واضحة تحظر التلاعب بمنصاتها من قبل الأنظمة الاستبدادية، وأن تقاوم أي دعاوى لفرض رقابة تقوض حرية التعبير، مع العمل في الوقت ذاته على مكافحة سوء استخدام برامجها للترويج للكراهية والتضليل.
وأود هنا، بصفتي عضوًا في مجلس الرقابة على منصتي فيسبوك وإنستغرام، الإشارة الى أننا نبذل قصارى جهدنا لنكون جزءًا من الحلول التي يمكن أن تسهم في تحسين حوكمة الإنترنت وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير، من خلال اتخاذ قرارات مبادئية ومستقلة فيما يخص محتوى هاتين المنصتين، ومن خلال عمل توصيات حول سياسة المحتوى لشركة ميتا.
وفي النهاية، أود الإشارة إلى الدور المحوري الذي يلعبه الأفراد في معركتنا هذه من أجل الحقيقة والأمل: عليكم البحث عن الحقيقة وبث الأمل والدفاع عن النزاهة. ثقوا بأصواتكم في مواجهة التنمر وحملات التشهير وهدير الأكاذيب. لا تثبط عزائكم ولا تفقدوا الإيمان بأنفسكم، وتذكروا دوماً أن أصواتكم ذات شأن وأن أفكاركم وآرائكم ذات قيمة.
قوا أنفسكم من الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، وفكروا بشكل نقدي، ولا تخافوا من وضع ما يصلكم من معلومات على مقصلة الشك. تتبعوا ما وراء العناوين الرئيسية وادلفوا الى المضمون، وأحيطوا أنفسكم بمجموعة واسعة من وجهات النظر، بما في ذلك تلك التي تتحدى معتقداتكم.
شكراً جزيلاً لكم،،