كلمات
يطيب لي بداية أن أحيي جميع الخريجين، وأعضاء هيئة التدريس الموقرين، والضيوف الكرام الحاضرون معنا اليوم في هذا الصرح العريق، جامعة ماساتشوستس لويل ((UMASS Lowell بمناسبة حفل التخرج. فتهانينا لكافة الخريجين، وأقول لهم أحسنتم صنعاً! إنه لشرف عظيم لي أن أخاطبكم في هذا اليوم الاستثنائي الذي يجمعنا للاحتفاء بهذا التتويج الأكاديمي.
حينما كنت في العاشرة من عمري، أخبرت والدي بأنني أريد أن أصبح رئيسة لليمن. وقد أجابني بقوله: "هذا حلم صغير يا بنيتي، اجعلي أحلامك أكبر، قولي رئيسةً للعالم". لا يمكنكم أن تتخيلوا كم جعلتني كلماته أحلم فقط بأهداف كبيرة وعظيمة دون الخوف من أي عواقب.
أدركت منذ بواكير عمري صعوبة الظروف وحجم الأزمات التي تعصف بالناس في بلدي اليمن جراء الاستبداد والفساد، وكنت رغم وطأة الصراعات، والمصاعب، والعقبات، يحدوني الأمل والإيمان معاً بأنني يمكن ان أكون أحد عوامل التغيير والتأثير الإيجابي. وانتابني شعور بأنني المعنية الأولى بإنقاذ الشعب اليمني والعبور به نحو حياة حرة وكريمة، وأن الحل لإنقاذ اليمن يبدأ بالتخلص من أهم أسباب بلائه، ألا وهو المستبد نفسه.
نعم، هذه هي الحقيقة، أن الحكام المستبدين، ومعهم أنظمتهم، هم أساس ومصدر المشاكل والأزمات في منطقتنا العربية وفي غيرها، وبالتالي فإن الإطاحة بهم هو مفتاح الخلاص.
كبرت أحلامي بما يكفي لدعوة الشعب اليمني للاحتجاج على الديكتاتورية، فقررت مقاومة الاستبداد والدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم. كان هذا أهم قرار في حياتي؛ اخترت طريقًا خطيرًا ومكلفًا لكنني كنت على استعداد لتجشم مشاقه.
أصبحت هدفًا للأنظمة القمعية، فاعتقلت، وكانت حياتي عرضة للتهديدات المستمرة، وواجهت الرصاص الحي أثناء مسيراتي في خضم الربيع العربي، حيث سقط أصدقاء ورفقاء الكفاح أمام عيني. كما تعرضت للقذف والمضايقة والتشهير من قبل حملات إعلامية تابعة للأنظمة الاستبدادية؛ كل ذلك مقروناً بعروض مغرية لتولي منصب في السلطة لقاء التخلي عن مبادئي. إلا أنني رفضت التخلي عن قيمي وخذل شعبي، فالحياة بدون فضيلة لا معنى لها.
أرفض التخلي عن دعوتي المتمثلة بالوقوف في وجه الأنظمة الاستبدادية. وهوايتي هي الإطاحة بالطغاة، فأنا أؤمن بأن الإطاحة بهم هو جوهر عملية السلام، وطوبى لصانعي السلام.
على الرغم من التحديات التي واجهتها، وعلى الرغم من أنني بدأت رحلتي وحيدة في شوارع صنعاء أحث الشعب اليمني للانضمام إلى احتجاجاتنا ضد الاستبداد خلال العام 2011، إلا أن حلمي في ثوره سلمية تضم الملايين قد تحقق، وحلمي في اسقاط الدكتاتور الذي حكم اليمن 33 عاما تحقق أيضاً. وانا فخوره بأني جزء من الربيع العربي الذي أسقط سبعة مستبدين حكموا بلدانهم لعقود بالقهر والقوه والظلم والفساد.
للأسف، لقدت أدت الثورة المضادة التي قادتها الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، ألا وهي السعودية والإمارات وإيران، الى اشعال فتيل الانتقام بأشكاله المختلفة من تطلعات شعبنا إلى الديمقراطية والحرية. لقد شنوا الحروب ودعموا الميليشيات والانقلابات العسكرية والإرهاب في معظم دول الربيع العربي كما في اليمن وسوريا وتونس والسودان ومصر وليبيا. لكن مع كل الدمار الذي سببته دول الثورة المضادة وصمت المجتمع الدولي الذي يصم الآذان، أبى الشعب العربي التخلى عن أمله وأحلامه. نحن نعلم أن الحرية مكلفة، لكننا دوماً على استعداد لدفع الثمن أياً كان. لدينا إيمان لا يتزعزع بأن مستقبل ومصير شعبنا مع الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. هذا المصير حقيقة لا مفر منها لأن النصر حليفنا.
خلال سنوات دراستي للحصول على درجة الماجستير في الأمن الدولي بجامعة UMASS Lowell، كانت المناقشات حول النظريات والممارسات المتعلقة بالأمن والحرية والديمقراطية حاضرة وطغت على معظم دوراتي. إن الأمن والحرية في خطر كبير في عالم اليوم، وكلاهما يستوجب الدفاع في آن واحد، إذ لا يمكن لأحدهما أن يلغي الآخر.
إن حرب روسيا وغزوها لأوكرانيا، وتصاعد التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي أو بين الصين والقوى الكبرى فيما يخص المطالب الإقليمية وقضايا حقوق الإنسان، كلها عوامل تنذر بخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة وصراع نووي عالمي. وها هي الدول الديمقراطية بدأت تنزلق شيئا فشيئا نحو فقدان الأمن والحرية معاً، بفعل صعود الشعبوية، وحركات اليمين المتطرف، وتصاعد موجة تعصب وكراهية في دول الغرب لأسباب دينية أو اثنية، بل إنه حتى الديمقراطيات الراسخة مثل الولايات المتحدة ليست بمنأى عن مثل هذه التهديدات.
وقد رأينا بأم أعيننا ما جرى للكونجرس يوم السادس من يناير، فتلك للحظة الخطيرة لم تمثل تهديداً للأمن والديمقراطية في الولايات المتحدة فقط بل وفي العالم أجمع، فأوروبا وغيرها ممن لها تراث ديمقراطي هي الأخرى معرضة لخطر الانزلاق في دوامة التعصب والفاشية وعدم احترام حقوق الإنسان والحريات العامة.
إن المعركة اليوم بين معسكرين متضادين: معسكر يعلي من شأن الديمقراطية، والحرية، والأمن، وآخر يعلي من شأن الاستبداد، والحرب، والفوضى. القمع لا يعرف حدودا. انظروا الى المستبدين في أرجاء العالم والى اجتماعهم اليوم، فبعد تدميرهم لبلداننا يحاولون الآن تدمير الدول الديمقراطية والأمن الدولي.
إن عودة الاستبداد في العديد من البلدان في أنحاء العالم قاد إلى تقويض حرية وأمن ملايين البشر، وتركهم وحيدين يقاسون مرارة المعاناة اليومية. ولتحقيق السلام والأمن الدائمين، يتعين على الدول الديمقراطية إدراك أن التمسك بالقيم الأساسية مثل الحرية، والعدالة، والديمقراطية، والمساواة أمر بالغ الأهمية للأمن القومي والدولي. وإن كانت حريصة حقًا على السلام والأمن العالميين، فعليها التوقف عن دعم الطغاة. أولئك الذين يتحالفون مع الطغاة، أياً كان السبب، لا يعرضون القيم الإنسانية فحسب للخطر، بل ويقوضون المصالح الوطنية لبلدانهم لأن الطغاة يشكلون تهديدًا للعالم بأسره وليس لبلدانهم.
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أجدد التهاني والتبريكات لكافة الخرجين ولذويهم ومحبيهم، وهي كذلك موصولة الى كل من آمن بكم وكان جزءًا من رحلتكم هذه.
إن هذا اليوم ليمثل إنجازًا كبيراً، وهو حصيلة جدكم ومثابرتكم. قد لا يكون السعي وراء المعرفة طريقاً مفروشاً بالورود، لكنه في نهاية المطاف هو طريقكم الى النماء والاستنارة، وهو فانوسكم السحري لفتح الأبواب المؤصدة واكتشاف أنفسكم وأهدافكم.
وإنه لشرف كبير لنا أن نكون جزءاً من هذه المؤسسة العريقة وهذه المدينة العظيمة التي تعد مهد الثورة الصناعية، وأن نصبح أعضاء في هذا المجتمع الثوري. في الواقع، أشعر كما لو أن قدري هو الارتباط بالثورات العظيمة أينما ذهبت، وأنا سعيدة بذلك.
إننا اليوم نعيش في عالم قضاياه المحلية "عالمية" وقضاياه العالمية "محلية". أيًا كان عملكم في المستقبل: رؤساء أو وزراء، قضاة أو أساتذة، أطباء أو علماء، مهندسون أو صحفيون، أو كائناً ما كان، فكونوا دوماً على الجانب الصحيح من التاريخ، أي انبذوا الاستبداد، والعنصرية، والكراهية، وتبنوا دوماً الديمقراطية، والحرية، والكرامة الإنسانية.
لا تستهينوا بأنفسكم، ولا تقللوا من شأن خيالكم، ولا تبخلوا بأحلامكم، واجعلوا أحلامكم كبيرة، وجريئة لا حدود لها، فنحن نعيش في عالم كل شيء فيه له مقابل، إلا الأحلام فبلا مقابل.
لطالما تطلعت لأن أصبح شخصاً مهماً يستمع له الكثير حول العالم. ولطالما حلمت بإحداث تأثير في حياة الناس والوقوف متحدثة في المنابر والجامعات والمؤتمرات والمنتديات العامة. هل لكم أن تتصوروا بأن هذه المرأة اليمنية الماثلة أمامكم الآن، القادمة مما يسمى بلد نامي، والتي ولدت في مجتمع يواجه عقبات لا تنتهي تتراوح بين التمييز الجنسي إلى العيش تحت نظام قمعي، والتي قادت جنبًا إلى جنب مع العديد الشجعان، ذكوراً وإناثاً، ثورة سلمية عظيمة ضد دكتاتور وأطاحت به بعد 33 عامًا من الاستبداد، والتي وقفت على العديد من المنصات والمنابر الدولية وتحدثت الى الناس، وإلى الحكومات، ووسائل الإعلام، والجامعات، والمنظمات غير الحكومية، والمؤتمرات، والقمم، والمنتديات، حول مختلف القضايا الهامة التي تؤثر على العالم، هل تتصورون بأن هذه المرأة قد تخيلت هذه اللحظة منذ أن كانت طفلة. نعم لقد تخيلتها منذ أن كنت طفلة. لذا تذكروا أن كل شيء يبدأ بحلم. ولتحقيق أحلامكم يتطلب الأمر خوض غمار المخاطر، ومجابهة الصعاب والتقلبات، وعدم الاستسلام مطلقاً أو التفكير فيه. هذا ما فعلته أنا، وبمقدوركم أن تفعلوه أيضاً.
شكراً جزيلاً لكم،،