كلمات
في البداية أعبر لكم عن سعادتي للمشاركة في هذا المؤتمر المهم حول قضايا المرأة، واعتبرها مناسبة لتبادل الآراء والرؤى حول قضايا المرأة والأوضاع التي تمر بها بلداننا العربية بشكل عام.
تختلف أولويات قضايا المرأة وحقوقها من بلد إلى آخر. أولويات قضايا المرأة وحقوقها في أمريكا ودول أوروبا تختلف عن مثيلاتها في الشرق الأوسط ومناطق عديدة في العالم. لا زال أمامنا الكثير في البلدان العربية للوصول إلى حالة من العدالة والمساواة تضع النساء والرجال على قدم المساواة أمام القانون ومجالات الحياة المختلفة. لقد تعقدت الحياة كثيراً مع انهيار الدول وانتشار الحروب الأهلية في دول عديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأدى ذلك إلى أوضاع مأساوية كانت تأثيراتها على النساء مضاعفة وزادت من معاناة المرأة في المعيشة والأمن والحياة عموماً.
لقد كنت على الدوام أرى أن قضايا المرأة لا تنفصل عن قضايا المجتمع وحريته ونضالاته من أجل الإنفلات من قيود الإستبداد والظلم، ولا زلت أؤمن بهذه التوجهات وأن الكفاح من أجل أوضاع أفضل للنساء مرتبط بالقضايا العامة لكل المجتمع ولا ينفصل عنها. هذا الارتباط بين قضايا المرأة وقضايا المجتمع ككل لا يمنع من وجود مستوى معين لقضايا المرأة وخصوصيتها وبالذات في مجتمعات لا زالت فيها المرأة تعاني من التمييز والإلغاء والظلم، لكن ذلك لا ينفي أن تحسين أوضاع المرأة يبقى مرتبطا بوجود الدولة والأمن والإستقرار والسلام.
في الوقت الذي تقول الدول الكبرى في الغرب إنها تساند القوى المدنية والمنظمات النسوية في جهودها لدعم قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها ورفع المعاناة والظلم الذي يقع على النساء، فان هذه الدول الكبرى لا تعمل شيئا لمساعدة شعوبنا على تجنب انهيار الدول والسقوط في أتون الحرب الأهلية. وعلى العكس من ذلك يمثل موقف الدول الكبرى وحلفائها الاقليميين سببا رئيسيا في توطين الحروب الاهلية وادامتها، وموقف أمريكا وبريطانيا، والسعودية وإيران والإمارات، كان مساهما رئيسيا في اسقاط الدول في بلدان الربيع العربي، ودعم قوى الثورة المضادة والميليشيات المسلحة التي باتت تمثل اليوم لاعبا جديدا في ساحات اقليمية ودولية كانت من قبل محصورة على الدول.
انهيار الدول وانتشار الحروب والميليشيات والفاعلين غير الدولتيين هو أكبر التحديات الراهنة في البلدان العربية. واذا اردنا ان نعطي عنوانا لذلك فإن الأكثر ملائمة هو حروب الثورات المضادة للربيع العربي. توجهات اسقاط الدول وتوطين الحروب ودفع المجتمعات الى الفوضى والفشل والميليشيات، هي نهج اتخذته دول مثل الامارات والسعودية وايران، وكانت الدول الكبرى في الغرب جزءا من هذه التوجهات وداعمة لها رغم كل ما يقال في التصريحات الرسمية. ساهم في ذلك صراعات على النفوذ والمصالح بين الفاعلين الدوليين والاقليميين، وذلك كان اهم اسباب استمرار الحروب في دول الربيع العربي، وهي حروب أهلية ودولية متداخلة.
مؤخرا دخلت السودان في حرب أهلية تسبب فيها فصيل ميليشياوي متمرد على الدولة ويحظى بدعم اقليمي من نفس محور الثورات المضادة للربيع العربي. سقوط الدول يلقي بملايين البشر الى مآسي الحروب والمجاعات والأزمات الصحية والغذائية ويحول حياتهم الى جحيم مستمر من المعاناة اليومية. هذا هو مشروع القوى المضادة للتغيير والديمقراطية الذي بشرت به ثورات الربيع العربي.
تسمي الدول الكبرى اليوم ما يحدث في السودان بأنه بين اطراف متصارعة! بينما هو في حقيقته تمرد ميليشياوي يقود السودان للالتحاق بدول اخرى سقطت في الحروب ومتوالية المآسي الناتجة عنها.
في تونس يمضي قيس بنسعيّد في نهج قمعي اجتثاثي ضداً على الجميع، لا فرق بين من هم معارضة او نقابات او قوى سياسية في بنية الدولة، ولم يستثني احدا ووصلت معاول هدمه الى مؤسسات الدولة والقضاء واتحاد الشغل، وكل من يعارض قراراته السلطانية يعاقب وتطاله الاجراءات القمعيه. آخر ما ورد من تونس هو اعتقال المفكر والسياسي التونسي راشد الغنوشي، الذي يمثلا رمزا تونسيا وعربيا لرجل الفكر والسياسي المعتدل والمنفتح على الجميع.
هكذا نرى التوجهات الدولية تلتزم الصمت امام مستبدين يعاقبون احزاب منفتحة تؤمن بالديمقراطية وتقر بالدساتير والبرامج الانتخابية، ويقدمون كل وسائل الدعم لجماعات طائفية وسلفية متطرفة، تشيع مناخا من الارهاب والخوف في أوساط المجتمع، كما هو سائد في افغانستان واليمن وبلدان اخرى، وهو ما يجعل نضالات المرأة شديدة الصعوبة. هذا الواقع الذي يتم العمل من اجله في الحروب التي تديرها السعودية وإيران، ويراد الحاق تونس والسودان بساحات سبقتها وذاقت الويلات من مآسيها.
ان هذه الحالة الانتقالية الماساوية وما تشهده من حروب وازمات تعيد تأكيد حقيقة مهمة في أوساط الحركة النسوية المكافحة من اجل حقوق المرأة، حقيقة أن نيل المرأة لحقوقها ودورها في مجتمعاتها مرتبط باندماجها في حركة المجتمع ككل من أجل التغيير واستعادة الأمن والاستقرار وتجاوز الحروب الاهلية وما انتجته من مآسٍ وانقسامات.
من المهم استمرار التشابك العالمي بين الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية، واستمرار وتطوير النشاط والجهود العالمية من اجل احداث فرق في قضايا المرأة ودورها ومشاركتها في بناء مجتمعاتها.
غير ان ذلك كله سيبقى هامشيا اذا لم تأخذ المرأة دورها في حركة المجتمع ككل من اجل التغيير والتحرر من الظلم والاستبداد والتمييز.
ان التواطؤ الذي تظهره الدول الكبرى والمعروفة بريادتها للديمقراطية وحقوق الانسان، مع عودة الديكتاتوريات والانظمة الفاشية، هذا التواطؤ والمساندة يصدم مجتمعاتنا بالوجه السيء للغرب الديمقراطي المتقدم الذي لا نرى منه إلا مساندة الديكتاتوريات والحكام المستبدين وقمع حركات التغيير والثورات الشعبية وتطلعات الشعوب للانعتاق والحلم بحياة إنسانية كريمة وعادلة.
للعالم ودوله الكبرى مصالح، نحن ندرك ذلك ونتفهمه، لكننا لا نقبل أن يقدموا مصالحهم في سياسات تتناقض مع مصالح مجتمعاتنا وبلداننا وتتصادم معها. وكأن مصالح الدول الكبرى لا تتحقق الا ببقاء مجتمعاتنا تحت نير عبودية حديثة للطغاة والجماعات الطائفية والمتطرفة.
سأحدثكم في ختام كلمتي عن بلدي اليمن وما يواجهه ملايين اليمنيين من معاناة بسبب الحرب المستمرة منذ ثمان سنوات.
ثمان سنوات واليمنيون هدفا لحرب واسعة تشارك فيها ميليشيات داخلية وأطراف خارجية. حرب شاملة وجهها الداخلي ميليشيات الحوثي الطائفية ووجهها الخارجي تحالف السعودية والإمارات الذي يعمل كل ما يقدر عليه من اجل تقسيم اليمن واستباحته. حرب متعددة الأوجه، القتل المباشر بالسلاح ليس الا وجه واحدا من وجوهها. حرب تشمل الحصار والتجويع وقطع المرتبات والاعتقالات والإخفاء القسري والجبايات التعسفية والنهب للأموال الخاصة والعامة.
هناك انتهاكات متعددة تجاه النساء والأطفال والمدنيين اليمنيين، وهناك شعور ينتاب تلك الأطراف انهم سوف يفلتون من العقاب. إن أسوأ شيء يحصل في اليمن اليوم هو الإفلات من العقاب. لذا سيكون من المهم في هذه اللحظة ألا يفلت المنتهكون لحقوق الإنسان من العقاب. هذه الفكرة أساسية ليبرهن العالم أنه يهتم بمعاناة الشعب اليمني.
دعوني اصارحكم، أن هناك شعور يسود بين اليمنيين بأن العدالة يمكن أن تذهب إلى أي مكان إلا بلادهم. طوال السنوات الماضية، أكدت العديد من المرات، بضرورة انشاء محكمة خاصة باليمن، فمن المعيب أن تمر كل هذه الجرائم بدون حساب.
جماعة الحوثيين تسيطر على التعليم وتقوم بتغيير المناهج وفرض افكارها المتطرفة على المجتمع. تم إغلاق كل الصحف والمنابر الاعلامية غير التابعة لجماعة الحوثيين. يتم ارهاب النساء ومنعهن من السفر دون محرم حسب الإجراء الذي فرضوه في مناطق سيطرتهم، وليس ذلك إلا إجراء واحد ضمن سياسة قمعية واسعة تضع النساء هدفا لها في كل مجالات الحياة اليومية.
جماعة الحوثي تستثمر عبث التحالف السعودي الإماراتي باليمن، وهذا مصدر قوة لها أكثر حتى من داعمها وراعيها الإيراني. التحالف لم يكن جادا في دعم الشرعية اليمنية، ولم يكن هدفه ازاحة الانقلاب الحوثي بقدر ماكان هدفه استخدام جماعة الحوثيين كواحدة من أدواته لتمزيق اليمن ومحاولته المستمرة لاعادة رسم خارطته الممزقة وفق أهدافه ومصالحه.
اليمن لن تستقر بدون عودة الدولة اليمنية كاملة السيادة على ارضها، دولة تفرض سلطتها وتطوي مرحلة تعدد الميليشات وتضع حداً للأطراف الخارجية الطامعة في تقاسم النفوذ في اليمن. وحدة اليمن وأمنه واستقراره هو الضمانة الوحيدة لاستقرار اليمن وجواره الخليجي. أي صفقات اقليمية بين الأطراف الخارجية المتورطة في حرب اليمن تُبنى على تقاسم النفوذ وتلبية مصالح الاطراف الخارجية وتقاسم اليمن بين النفوذ الخارجي والميليشيات التابعة له، وبالتحديد السعودية وايران، لن تعنينا في اليمن ولن يكتب لها النجاح الا اذا انبنت على حل حقيقي ينهي الحرب ويعيد الدولة اليمنية كدولة ذات سيادة وبناءا على المرجعيات الثلاث المعروفة ؛ التي تحفظ أمن اليمن واستقراره وتصون جمهوريته ووحدته وسيادته.
لقد ادت الى أسوأ ازمة انسانية في العالم: تجويع وانهيار عملة وأزمة معيشية وانقطاع مرتبات. الحرب مستمرة بتغول الميليشيات وفرض خارطة ممزقة تسيطر عليها ميليشيات تحركها دولتي التحالف وبجانبهما ايران. الحرب مستمرة عبر الصراع الاقليمي الذي يريد اليمن ساحة لنفوذ ومصالح السعودية والامارات وايران.
الحرب تنتهي بعودة اليمن لا بتمزيقها. الحرب تنتهي بعودة دولة الجمهورية اليمنية صاحبة سلطة كاملة وشاملة على كل الأرض اليمنية، لا باضفاء المشروعية على الدويلات المليشياوية وتقسيم اليمن.
المرجعيات الثلاث ليست أوراقًا يمكن تجاوزها وتلفيق اتفاقيات سلام مزيفة خارجها. انها محددات لإنهاء الانقلابات وعودة الدولة. انها تمثل أهداف اليمنيين وطريقهم الضامن لإنهاء الحرب وتحقيق السلام.
الحرب لا تنتهي بصفقات بين أمراء ميليشيات الحرب الداخليين ودول الوصاية الخارجية الحريصة على مصالحها والتي لا يهمها خروج اليمن من الحرب دولة واحدة مستقلة وموحدة وتتوفر لها مقومات الأمن والإستقرار.
لا يهتم أمراء الحرب والميليشيات بانهاء الحرب بقدر اهتمامهم بانتزاع اعتراف بمشروعية وجودهم، ليتخذوا من هذا الاعتراف قاعدة صلبة لمواصلة حروبهم والحفاظ على اقتصادات الحرب التي بنوها على حساب مجتمعهم وشعبهم ودماء اليمنيين وآلامهم.
اليمن ليست حالة طارئة ولن ترضخ لحروب التمزيق والتجويع الخارجية وأدواتها الميليشياوية الداخلية. هذه حقائق التاريخ وسنعيدها بإرادتنا وتمسكنا بقضيتنا العادلة وإنتماءنا لليمن وتضحياتنا من أجلها.
لا خيار لنا سوى التمسك بحقنا في استعادة الدولة اليمنية وفق المرجعيات الثلاث، وهزيمة المشاريع الطائفية والتمزيقية والوصاية الخارجية.
ختاماً أقول لكم؛ ان حقوق المرأة ستبقى قضية حية في كل مكان تصادر فيه حقوقها وتعاني فيه النساء من التمييز والظلم.
المجد للنساء المكافحات من أجل التغيير والكرامة والحرية والعدل والمساواة في كل بقاع الأرض وكل مكان في هذا العالم..