كلمات
الاصدقاء الاعزاء.. في البداية أود أن أعبر عن سعادتي بهذا اللقاء الذي يجمع الحائزين على جائزة نوبل في بلد جميل ومفعم بالحيوية والقدرة على الانجاز، مثل كوريا.
الاصدقاء الاعزاء..
لا يعيش العالم في أحسن احواله، فهناك تزايد في عدد الاضطرابات السياسية وفي المشكلات المتعلقة بالتراجع الاقتصادي نتيجة جائحة كورونا، ونتيجة عدم اتخاذ تدابير وسياسات اصلاحية في أكثر بلدان العالم. في هذه الظروف الحرجة، هناك ارتفاع في عدد الحكومات والانظمة السياسية التي تجنح نحو سياسات سلطوية، الأمر الذي يهدد وجود الديمقراطية. ندرك جميعا، أن الانتقاص من الديمقراطية هو الخطر الأكبر الذي يهدد السلام والأمن الدوليين، فالديمقراطية لا تؤسس لعملية سياسية حقيقية وحسب، ولكن تؤسس لدعم وترسيخ السلام داخليا وخارجيا. الذين لا ينظرون للديمقراطية بصورة ايجابية، يميلون للتسلط ويمارسون الانتهاكات بحق الناس.
في هذا السياق، أود أن أشير إلى أبرز الأخطار التي تهدد الديمقراطية وحقوق الانسان في الوقت الراهن، وهو العنصرية التي يتم تغذيتها من قبل بعض الساسة والأحزاب ووسائل الاعلام، الأمر الذي يهدد الديمقراطيات حتى تلك التي تُوصف بالقوية والراسخة. لنتذكر أن الديمقراطية لا تعيش في أجواء الكراهية والتعصب والتطرف، ولعل من المناسب الاشارة إلى الصعود السياسي الكبير لبعض التيارات والاتجاهات السياسية التي تعتنق التسلط وأفكار ونظريات عنصرية، ويتميز خطابها بالتطرف والكراهية.
لذلك ينبغي أن تسود الديمقراطية، وتسود مبادئ حقوق الانسان لكي يصبح العالم أكثر عدلا، وأقل عرضة للتطرف والعنصرية. بالطبع لا اريد القول إن الديمقراطية هي الحل السحري لكل المشكلات، لكنها تجعلنا نشعر بأننا بشر ونستطيع أن نعيش بكرامة.
الاصدقاء الاعزاء..
الأنظمة المتسلطة تصنع الحروب والازمات، لأنها لا تفكر في التنمية وتحسين وضع وأحوال مواطنيها. لذلك، ينبغي عزل تلك الأنظمة والتقليل من فرص التعاون معها، حتى يتم إجراء سياسات اصلاحية، فالعالم المكون من حكومات استبدادية هو عالم على حافة الهاوية، نعم، هو عالم حروب وفوضى وافقار للناس وتدمير للطبيعة والتنوع الانساني.
بالأمس زرنا منطقة حدودية بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، وكم سعدنا لكونها الآن منطقة خالية من الالغام، نعم هذه إشارة جيدة رغم أن هناك العديد من الأشياء المقلقة في ملف العلاقات والاستقرار في هذه المنطقة نتيجة وجود أنظمة لا تؤمن بالسياسة، فضلا عن عدم إيمانها بالديمقراطية وحقوق الإنسان. أعرف أن الموضوع معقد بدرجة كبيرة، لكني مؤمنة بتغير كل ذلك، لنحافظ على ديمقراطيتنا أولا، وكل شيء سيأتي لاحقا.
بالعودة إلى موضوع الالغام، كما تعلمون في بلادي هناك حرب متعددة الأطراف على الصعيدين الداخلي والخارجي، هذه الحرب المركبة التي تسعى لتفتيت البلاد وتدمير مؤسساتها ليسهل السيطرة عليها، هناك جانب مأساوي لا يتم التطرق إليه كثيرا، وهو زرع الالاف من الالغام بطريقة عشوائية ومن دون خرائط. إن مبليشيا الحوثي المدعومة من نظام إيران تتفرد بهذه الجريمة، ولذا سيكون من المهم في المستقبل، وضع حد لهذا السلاح المدمر الذي يستهدف حياة الناس لفترات طويلة، فالعالم يدفع أموالا مضاعفة لكي تنزع الالغام، وللاسف هذا الأمر يأخذ وقتا طويلا، بعد أن نفقد الكثير من الضحايا الأبرياء.
الاصدقاء الاعزاء..
اننا الذين حصلنا على جائزة نوبل علينا واجبات كثيرة، لعل أبرزها عدم التسامح مع الالغام التي تهدد أرواح الناس والتنمية، وكذلك تلك الالغام التي تهدد الحياة الكريمة وحقوق الإنسان، أقصد الأنظمة والجماعات المتسلطة والمتطرفة، كلها ألغام وتستهدف الإضرار بحياة البشر. ينبغي لكي يكون صوتنا أكثر تأثيرا، أن نتحرك بشكل جماعي تجاه القضايا العادلة. جائزة نوبل ليست صكا لتفعل ما تريد، باعتقادي أن الجائزة مسؤولية، لذا ينبغي أن نتصرف على هذا الأساس.
لقد قمنا بأشياء كثيرة جيدة في الماضي، ويجب أن نقوم بالمزيد، نحن ينبغي أن نمثل ضمير الناس، هكذا تصوري للأمور منذ كنت طفلة، فقد كان حلمي أن امتلك منبرا استطيع أن اخاطب من خلاله الناس، وأن أشرح معاناتهم وادافع عن حقوقهم وكرامتهم، وعندما حصلت على جائزة نوبل أحاول ألا اتخلى عن هذا الدور، رغم ما يجره عليَّ من متاعب، لقد اخترت أن اقف مع الحق، والحق كما تعلمون لا يملك الاغراءات أو البريق الذي يملكه الباطل، لكنه يمنح النفس اطمئنانا كبيرا، وحب الناس، ورضا الخالق.
الاصدقاء الأعزاء..
آمل أن تحقق هذه القمة، قمة الحائزين على نوبل النجاح اللازم لبدء مرحلة جديدة من الكفاح النبيل لمساعدة الناس في كل مكان على العيش بسلام وكرامة، فالسلام دون أن يكون هناك كرامة ليس سوى استسلام. يؤسفني القول إن هناك حكومات استبدادية تفرض الاستسلام على شعوبها، وتمارس القهر والاذلال بحق مواطنيها، لقد وصل الأمر أن مجرد لايك في الفيسبوك أو تويتر قد يضع الشخص في السجن لسنوات عديدة.
إن من أهم اهدافنا كما اتصور، أن نعمل أكثر على التبشير بثقافة حقوق الإنسان، وأن نسعى لنكون صوت الضعفاء والمقهورين في كل بلاد العالم، وبهذه المناسبة، أدعو لاطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إذ من المعيب الاستمرار في اعتقال أشخاص بسبب آرائهم السياسية، هذا يجب الا يستمر.
أعرف أن هناك العديد من القضايا التي سوف يتم نقاشها في هذه القمة المباركة، وهي قضايا مهمة بالمناسبة، لنعمل معا بروح واحدة من أجل القيم العليا، ومن أجل عالم بلا استبداد والغام وكراهية وتعصب وارهاب.
شكرا لكم،،