كلمات
استمعنا للتو لأغنية تحيي ذكرى وفاة كبير أساقفة جنوب افريقيا. يعد ديزموند توتو واحدا من رجال الدين العظماء في التاريخ الإنساني، الذين جعلوا من الدين نصيرا للحرية والتحرير، لا أداة قمع يستخدمه المستبدون وأنظمة القمع والعنصرية لإضفاء الشرعية الدينية على تصرفاتهم المشينة.
ومثلما ناهض توتو نظام الفصل العنصري في بلاده فقد وقف بجانب حقوق الفلسطينيين وناصر قضيتهم العادلة وفعل امر عظيما آخر حين عارض الحرب الأمريكية البريطانية على العراق دعوني أحيي زميلي ورفيقي المكافح في سبيل الحرية والسلام الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 1984، الأسقف ديزموند توتو، لروحه الرحمة والسلام والذي عاش حياة مليئة بالكفاح والحب والسلام استمرت 90 عاما.
أيها الأعزاء..
تغمرني السعادة وأنا أقف أمامكم اليوم بعد مضي 17 عاماً على تأسيس جائزة السلام الدولية للأطفال، التي أعلنت عام 2005 خلال مؤتمر القمة العالمي للحائزين على جائزة نوبل للسلام في روما، وها نحن نلتقي اليوم لتكريم طفل متميز تمكن من إحداث فارق في مجتمعه، من خلال مبادرات متميزة تسهم في التغيير وتقديم نموذج محفز للأطفال في اليابان والعالم. إن تكريمنا للفائزة بجائزة السلام الدولية السنوية رقم 18، اليابانية رينا كاواساكي، هو تحفيز جديد للأطفال الذين يحدثون فارقاً في مجتمعاتهم ويؤثرون في قضاياها العامة، وبهذا التكريم تأخذ رينا كاواساكي، مكانها باعتبارها أحدث صانعة تغيير شابة تفوز بأهم وأعرق جائزة للشباب في العالم.
إن امتلاك القدرة على المبادرة والإبداع في خدمة المجتمع وابتكار ما يجعل الحياة خلاقة وأكثر سهولة، هو محفز لنا للبحث عن هؤلاء الأطفال الذين يصنعون هذا الفارق، وتكريم المتميزين منهم.
الأطفال هم المستقبل، والاهتمام بهم، وتطوير وسائل تحفيزنا لهم هو اهتمام بالمستقبل.
جائزة السلام الدولية للأطفال، هي عمل رائد يقود المبادرة العالمية لتنمية القدرات الخلاقة للأطفال وتحفيزهم للمشاركة والتغيير، وابتكار المبادرات التي تعزز العمل من أجل حقوق الطفل، وتحدث فارقاً في مجالات عامة تهم المجتمع بكل فئاته.
رينا اليوم، هي نموذج للأطفال الذين يتخذون خطوات مؤثرة لتغيير واقعهم. تأثيرها في مجتمعها، هو مثال يحفز الأطفال في بلدها، وفي جميع أنحاء العالم، على المشاركة والمبادرة في العمل العام في قضايا مجتمعية مثل التعليم والبيئة، والتأثير السياسي على صانعي القرار، ومناهضة العنف والحرب، والحض على تحفيز سلسلة واسعة من المبادرات المدنية للتغيير وإحداث فارق في قضايا تهم المجتمع. المبادرات المتميزة للفائزة بجائزة السلام الدولية لهذا العام، جعلتها نموذجاً للأعمال الرائدة في اليابان، ومثالاً محفزاً للأطفال في مجتمعها وخارج مجتمعها.
لقد اختارت "لجنة حقوق الأطفال"، رينا، كفائزة من بين "175" متقدما شابا، من صانعي التغيير من "46" دولة حول العالم، ومن خلال فوزها بالجائزة، اكتسبت منصة دولية ستشارك من خلالها رسالتها لإلهام جمهور من مئات الملايين من الأشخاص حول العالم.
هذه الجائزة تتطور اليوم كمبادرة عالمية، تتوخى بناء روابط متينة بين عالم الأطفال والمجال العام للمجتمع الذي يعيشون فيه.
إعداد الأطفال لتحمل المسؤولية، ليس مسؤولية حصرية على مؤسسات التعليم النظري ومؤسسة الأسرة. إن جائزة السلام الدولية للطفل تمثل مبادرة عالمية رائدة، لخلق مناخ عالمي يرعى المبادرات المتميزة للأطفال، ويكرمها لتكون مراكز إلهام للأطفال في كل أنحاء العالم.
وبمناسبة تكريم الفائز بجائزة الطفل للسلام للعام 2022، أود أن ألفت نظر الحاضرين هنا ومن خلالهم العالم، إلى معاناة الأطفال في البلدان التي تمر بحروب مدمرة وانهيار للدولة يترك آثاراً قاسية على حياة الأطفال في تلك المجتمعات.
إن حماية الأطفال، والعمل من أجل حصولهم على حقوقهم، في مناطق الحروب، وتخفيف اثارها عليهم، هي أولوية بالنسبة لنا وليست أمرا هامشيا. الأطفال هم مستقبل مجتمعاتنا، وسيكون هذا المستقبل مجهولاً، وشيئا يشبه الحطام الذي تعيشه الدول الواقعة تحت نير الحروب والنزاعات المسلحة، إذا لم نضع حماية الأطفال ورعايتهم وتقديم العون لهم لتجاوز آثار الحرب هدفا أساسيا لنا داخل مجتمعاتنا، وفي العالم ككل، الذي وقعت معظم دولة على اتفاقية حماية حقوق الطفل، والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال.
ملايين الأطفال في اليمن يعيشون في مناطق تشهد مواجهات مسلحة، ومئات الآلاف من الأطفال نزحوا من منازلهم، وإجمالا يعيش أطفال اليمن في مدن انهارت فيها الدولة، وانهارت فيها خدمات الصحة والتعليم، وانقطعت مرتبات الموظفين، مما ضاعف من أزمة الأطفال وعائلاتهم، وحرمهم من الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية والمعيشية.
تمنع الميلشيات وصول المساعدات إلى المدن وتتحكم بتوزيعها على الموالين لها.
أزمة الحياة والمعيشة في اليمن تُعَدٌّ اليوم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، وأثرها على الأطفال هو بدوره الأسوأ. الإحساس بصعوبة الحياة قبل النضج يضاعف من معاناة الأطفال في اليمن، وهذا يتيح لنا القول إن الأزمة الإنسانية في اليمن هي بتعبير آخر أزمة تطال الأطفال أكثر من غيرهم.
إن الحرب وانهيار الدولة يقذف بملايين الأطفال في اليمن إلى العراء ليواجهوا مصيرهم مجردين من كل حماية. الأطفال هم أكثر فئات المجتمع تضررا من الحرب وانهيار الدولة.
المبادرات الأممية والدولية لحماية الأطفال من آثار الحرب والنزاعات المسلحة وتقديم العون والتغذية والرعاية الصحية للأطفال، وتحديدا النازحين منهم، ليست حلا مستداما، ولكنها في حالات سقوط الدول والحرب وانتشار المجاعة تمثل واجبا إنسانيا دوليا، والعمل على إنهاء النزاعات وعودة الاستقرار وحكم القانون اتجاه أساسي لحماية الأطفال ومجتمعاتهم على حد سواء ويتطلب أن يتكامل مع الجانب الإنساني جنبا الى جنبا وألّا يكون حضور أحدهما مغيّبا للآخر.
إن تفعيل دعم فعال لبرامج الإغاثة الإنسانية والصحية في اليمن وتوفير الغذاء والدواء لفئات واسعة من السكان المحتاجين للمساعدة، وفي مقدمتهم الأطفال، سيبقى بحاجة إلى ضغوط واسعة على الجماعات المسلحة لضمان استقلاليه عمل المنظمات الدولية العاملة باليمن. تجربتنا في اليمن تكشف الكثير عن هذه التحديات.
جائزتنا التي نقدمها اليوم لتكريم المبادرة الخلاقة في العمل العام للفائز بها، هي مناسبة للحديث حول ما يعانيه ملايين الأطفال في العالم، وبين هؤلاء الأطفال من هم قادرون على الإبداع والابتكار والمشاركة الفارقة في تحسين وضع مجتمعاتهم والوقوف أمام التحديات التي تواجهها، إذا ما توفرت لهم الفرص المناسبة واستعادت مجتمعاتهم استقرارها، ونجحت في وضع حد للحروب والعنف وما تخلفه من مآس تشمل كل فئات المجتمع وفي مقدمتها الأطفال.