كلمات
كلمة توكل كرمان في مؤتمر دولي نظمته اللجنة الوطنية لمسلمي كندا
يسرني ان أكون مرة أخرى هنا بينكم في كندا ، للمشاركة في مؤتمر الشؤن الخارجية للمجلس الوطني للمسلمين الكنديين، لتبادل الآراء حول كيفية بناء سياسات عالمية تعمل من أجل الجميع. سياسات عالمية تكون قضايا حقوق الانسان أساسا لها في عالم يتغير بوتيرة متسارعة باتجاه الحروب والمواجهات والإضطرابات وأزمات الطاقة والغذاء ، وأزمة اللاجئين ، وجائحة كورونا ، والتغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض.
ان مسلمي كندا لهم دور مهم في تعزيز التنوع الخلاق في تركيبة المجتمع الكندي وإثرائه بالبعد الثقافي للمسلمين الكنديين وإرثهم الحضاري. ان المسلمين الكنديين بامكانهم الإسهام الفعال في تغيير الصورة الزائفة عن الاسلام، التي تقدمه باعتباره ديناً يتناقض مع قيم العصر.
لقد ساهم في بناء هذه الصورة المضللة طرفان ، الجماعات المتطرفة الإرهابية ، والسياسات الدولية المتطرفة إزاء الاسلام ، على حد سواء. الاولى بتطرفها ونزوعها نحو العنف ، والدول الكبرى التي حولت الحرب على الارهاب الى عقيدة جديدة تصم مجتمعاتنا بنظرة عنصرية وتستخدم الجماعات الارهابية ستارا لنظرتها العنصرية ازاء الاسلام.
إننا نتطلع في البلدان العربية الى دور أكبر تقوم به كندا في السياسات العالمية في الشرق الاوسط واروبا والعالم ، ونأمل ان يكون هذا الدور متميزا ومعبرا عن المكانة التي تمثلها كندا كبلد متنوع ومتخفف من إرث الماضي الاستعماري. سأتناول في كلمتي العديد من القضايا والاهتمامات الراهنة ، وسأعطي الأولوية لأهمية بناء اجماع عالمي على الإلتزام بمعايير حقوق الانسان وعدم تغليب المصالح والتوجهات السياسية على قيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان.
أولاً : حقوق الإنسان
دعوني أولا اقول بأن التراجع والارتداد عن التوجهات الديمقراطية وحقوق الانسان بدأ بالتواطؤ مع حروب الثورات المضادة لثورات الربيع العربي وهي حروب مستمرة الى اليوم على مستويات متعددة. تم شيطنة ثورات سلمية شعبية وحظيت الانقلابات والميليشيات بالمباركة من دول ديمقراطية عالمية.
يقبل العالم جماعات متطرفة وإرهابية مثل حركة طالبان في أفغانستان والحوثيين في اليمن ، وفي الجانب الاخر يبارك سياسات اجتثاث لحركات سياسية سلمية في مصر وتونس يقوم بها نظامي عبدالفتاح السيسي وقيس بن سعيد.
ليس بمقدوري ان انظر بعين تميز بين كفاح الشعوب من أجل الحرية كما فعلت الدول الكبرى. فاشية بوتين في غزوه لأوكرانيا كانت موجودة في سوريا ، غير ان العالم فضل ان لا يراها.
قبل ان تصل الحرب وأزمات الطاقة الى أوروبا كانت روسيا وإيران والسعودية تدير حرب دامية في مدن عربية أبهرت العالم بثوراتنا السلمية الشعبية.
هذا ليس عتبا ، ولا تبريرا لما يحدث في أوكرانيا. لقد ذهبت الى الاراضي الاوكرانية لأعبر عن تضامني مع الشعب الأوكراني في مواجهة غطرسة القوة والفاشية التي تغزو مدنهم وحولت حياتهم إلى مأساة يومية. لقد قلت للأوكرانيين نحن معكم ، ونعبر عن إعجابنا بصمودكم ودفاعكم عن بلدكم أمام الغزو الروسي. قلت. لهم ان ما تصنعونه من بطولات سيغدو تاريخ مجيد وموضع فخر للأجيال القادمة من الأوكرانيين. وان هذا هو ما ينبغي لكل حر ان يفعله وهو يرى بلده تتعرض للغزو ويرى مدنه يدمرها الغزاة
وأقول أمامكم اليوم ان حرب روسيا ضد أوكرانيا تذكر أوروبا والغرب بأن الدرس المتكرر هو ان الصمت عن الفاشية والانتهاكات في مكان ما ، يشجع على اتساعها ووصولها الى أماكن أخرى. ان الحرية والعدالة وحقوق الانسان هي قيم عالمية لا تفرق بين إنسان وآخر ويستحقها كل البشر بمعزل عن لونهم او جنسياتهم وأعراقهم ودينهم ولغاتهم وانتماءاتهم.
الغزو الروسي لأوكرانيا تذكير لأوروبا والغرب ان الفاشية عندما يسمح لها بالتمدد في مكان بعيد مثل سوريا فإنها تتسع وتصل الى أماكن اخرى لتهدد أمن أوروبا والعالم. اننا نرى اليوم عودة الحرب لتهدد بإحراق العالم كله ، وان رد فعلنا يحتم علينا ان نذكر الدول الغربية ان التمييز في رؤية الخطر بين بلاد بعيدة لا تهدد أمن أوروبا وبلدان قريبة تهدد أمنها ، هذا التمييز ساهم في اشتداد عود بوتين ودفعه لغزو أوكرانيا.
ان عالم اليوم تعمه انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الانسان ، ويجب ان يكون رد فعلنا قويا وان تصعد جهودنا لمناهضة الانتهاكات.
تصعيد الضغط على الدول الاعضاء في الامم المتحدة للالتزام بمعايير حقوق الانسان في علاقاتها الدولية هدف مهم لحركة حقوق الانسان العالمية.
بامكاننا ان نمارس ضغوطا فعالة يكون هدفها تنشيط النظام العالمي لابتكار تدابير اكثر فعالية لمواجهة هذه الانتهاكات ووضع حد لها ومعاقبة مرتكبيها.
يعم العالم حالة غير مسبوقة من انتهاكات حقوق الانسان ، تتواطئ معها وتتورط فيها دول كبرى وديمقراطيات عالمية غلبت مصالحها في علاقاتها الدولية ولم تلقي بالاً لسجل حقوق الانسان الذي همش مع بروز صراعات العقد الاخير الذي ابتدأ بثورات الربيع العربي في الشرق الاوسط.
هل شاهدتم الشعب الايراني يكسر حاجز الخوف ويخرج للتظاهر احتجاجا على قتل الشابة مهسا أميني في سجون النظام الإيراني ؟ في ايران نظام ارهابي من القرون الوسطى يمارس الارهاب ضد شعبه ويقهرالنساء والرجال ويقمع من يرفعون اصواتهم ضده ، فيما العالم يقف صامتا ولا يحرك ساكنا امام سجل قمعي لم يتوقف خلال الأربعين عاما من حكم النظام هناك. في السعودية لا زال قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي بمنأى عن العقاب. في عالمنا اليوم قُتِل اكثر من نصف مليون سوري وهُجِر خمسة ملايين من قبل نظام مستبد وحلفاءه إيران وروسيا ، دون ان يحرك ذلك ضمير العالم.
إن أحلامنا بعالم تسوده العدالة والمساواة تصطدم بتوجهات سياسية دولية تعمل من وحي مصالحها وتضحي الديمقراطية وحقوق الانسان في علاقاتها الخارجية ، ولا تلتفت لاتساع مساحات القهر والظلم الذي يطال أعداد متزايدة من البشر.
دعونا نتسائل : هل وجدت الديمقراطيات الغربية ان شيطنة الربيع العربي والتعايش مع الانقلابات والانتهاكات في مصر وتونس وحروب ايران وروسيا والسعودية والامارات المضادة لثورات الربيع العربي ، هو الخيار المناسب للاستقرار في الشرق الاوسط وحماية المصالح الغربية ؟
لا لم يحدث ذلك.
الموقف المتواطئ امام انتهاكات حقوق الانسان وحروب المستبدين ضد الشعوب الثائرة لا يحقق أمن أوروبا والدول الغربية ولا يحمي مصالحها ، ولا يبقيها بمأمن من تاثيرات عالم يشهد ارتدادا مخيفا وتراجعا عن احترام حقوق الانسان وحق الشعوب في النضال من اجل العدالة والمساواة واختيار حكامها وتغييرهم سلميا. ان الغزو الروسي لأوكرانيا وسلسلة التهديدات التي تواجهها أوروبا والعالم من جرائه يمثل حصادا لتوجهات عالمية آن اوان مراجعتها وتغييرها. الانتصار للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، هي السياسة التي تخدم الجميع ، أفراداً وشعوبا ودوّل ونظام عالمي.
ثانياً : اللاجئين
الحرب تخلق المأساة. تدفع ملايين البشر لترك بيوتهم ومدنهم حيث ولدوا وعاشوا ، لينتقلوا بحثا عن مكان آمن للحياة.
حروب الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي ، وامتداد الحرب الى أوروبا بغزو روسيا لأوكرانيا ، تنذرنا بفصول اكثر هولاً في مآسي اللاجئين والنازحين بحثا عن مكان آمن وفرصة للحياة. هذا ما تفعله الحروب. هذا تاريخها ، تاريخ من الدم والآلام والنزوح والهرب بعيدا عن نيران الفاشيات والموت الذي تجلبه حروبها الى المدن الامنة.
ومع كل حرب تزداد الصعوبات امام البشر الذين يفرون بحثا عن ماوى وملاذات آمنة.
ان شبح الفاشية يحتم علينا ان نضع أيدينا بايدي بعض للتضامن وحث الدول على رفع القيود عن استقبال اللاجئين والنازحين من الحروب.الفاشية البوتينية تدق أبواب أوروبا وتهدد بنسخة جديدة من الجحيم سيكون اشد هولاً من مآسي الحرب العالمية الثانية التي لم تمح بعد من ذاكرة أوروبا.
هذه مناسبة ليستعيد العالم ادراكه لمخاطر الفاشية وانظمة الاستبداد.ان يتجاوز الغرب سياسة التمييز التي أعمته عن رؤية خطر عودة الفاشية الروسية من داخل المدن السورية التي دمرها الغزو الروسي.
نلاحظ في السنوات الاخيرة توجهات عنصرية صاعدة في دول الغرب لمزيد من الإنعزال ورفض " الغرباء " وتصويرهم في لبوس الشياطين والمهددين للأمن والنظر إليهم بعيون الإرتياب ، بل والكراهية والإتهام ، لكأن " الإرهاب " صار عقيدة عالمية للحكومات والدول وليس حالات منحرفة تجسدها منضمات إرهابية يتفق العالم على تجريمها والتعاون للقضاء عليها.
إن توجها لجعل العالم مكانا ملائما للحياة لابد له أن يأخذ حق البشر في الإنتقال والهجرة والعمل معيارا أساسياً لرؤيته.
في عالمنا اليوم مئات الالاف من الناس الذين انقطعت بهم السبل ووجدوا انفسهم في العراء جراء الحروب وإنهيار الدول ، وإن معاييرنا لحقوق الإنسان تلزمنا بجعل معاناتهم قضية عالمية في صدارة إهتمامنا.
توجهات ضالة هي تلك التي تقيم أمنها بالعزلة وكراهية الأجانب وإحياء النزعات العنصرية ضد الأقليات السكانية من ذوي الأصول المختلفة والمهاجرين القادمين من إثنيات تختلف عنا أو انتماءات دينية مختلفة عن معتقداتنا.
العالم لا يستقر بالعزلة والعنصرية وإستبطان الإرهاب لتبني إرهاب مضاد يصنف الشعوب والمجتمعات والأمم كأعداء ويضعها في خانة "الإرهاب".
هذه العنصرية الصاعدة في دول الغرب تثير مخاوفنا ورعبنا مثل ما يثيره الإستبداد والإرهاب فينا من المخاوف والرعب.
تعاني شعوبنا من الإستبداد والديكتاتوريات والإرهاب ، إرهاب الدولة كما هو مجسد في أنظمة شنت الحروب ضد شعوبها لتمنع التغيير وتقمع الثورات السلمية المطالبة بالعدالة والديمقراطية ، وتعاني من الإرهاب ومنضماته المارقة.
هل يكون على البشر الذين تتشكل منهم هذه المجتمعات أن يدفعوا ثمنا إضافيا أمام العالم الأول في الغرب الذي يصنفهم إرهابيين ويدع التوجهات العنصرية الإنعزالية الصاعدة تقفل الأبواب في وجوه بعض منهم دمرت حياتهم وهاجروا بحثاً عن ملاذ آمن ومرفأ نجاة وفرصة عمل ؟!
لا سبيل للخلاص بإغلاق الأبواب والعزلة والعنصرية. هذه تغلق خياراتنا على ثنائية قاتمة : الإستبداد والإرهاب والفقر في جهة ، والعنصرية والإنعزال وكراهية الأجانب في الجهة الأخرى
نحن نعيش في عالم واحد تربطه مصالح متشابكة وعلاقات متداخلة. لا طريق أمامنا سوى إصلاح هذا العالم ، عالمنا كلنا في الشرق والغرب والشمال والجنوب.
ثالثاً: أزمة الغذاء
صعدت الحرب الروسية في أوكرانيا أزمة الغذاء الى مستوى الأزمة العالمية الطارئة.
ان الحروب تزيد من أزمات الجوع ونقص الغذاء ، ولكن هذه الأزمة كانت موجودة قبل الحرب الأخيرة.
في الماضي البعيد كان البشر يعانون من الجوع والحاجة إلى الغذاء. واليوم في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، هناك اعداد هائلة من البشر ترزح تحت خط الفقر ولا تستطيع ان تجد احتياجاتها الكافية من الغذاء الآمن والصحي.
ان عجز البشر عن الحصول على الطعام اليوم يحدث في زمن التقدم التقني والصناعي وعصر المعلومات والإنترنت والتطور التكنولوجي. هذه الحقيقة المؤلمة هي صحيفة اتهام للنظام العالمي السائد في عالمنا ، ووثيقة إدانة لصراعات المصالح الدولية للدول الكبرى التي لا تضع اعتبارا لحقوق الانسان وعوامل الاستقرار والسلام العالمي.
تطورت أدوات الإنسانية ، وانتكست قيمها. تقدمنا في الوسائل والآلات ، وتأخرنا في تحقيق العدالة والأمن والسلام لكل البشر.
اعني بكلامي هذا سياسات الدول الكبرى ، أو ما نطلق عليه اسم " النظام العالمي ". لم يكن العالم موحشا مثلما هو عليه اليوم.
الجوع والفقر والقهر ، هي سمات لحياة كثير من البشر في العالم الذي نعيش فيه.
ان الديمقراطية ودولة القانون والاستقرار وتوفير الأمن الغذائي للمجتمع مرتبطة ببعضها البعض. تجاربنا تقول ان الاستبداد قد صادر علينا الديمقراطية والتنمية معا. الاستيلاء على السلطة بالقوة والحرب واحتكارها، أفقر مجتمعاتنا واهدر مواردنا.
مصادرة الحق في الحصول على لقمة عيش كريمة كان حاضرا بقوة في منظومات الإستبداد في بلدان الربيع العربي. الافتقار لدولة قانون ونظام ديمقراطي تحديات لا تنفصل عن تحدي الفقر وازمات الغذاء.
اتحدث تحديدًا عن بلدان الربيع العربي التي واجهت حروب الثورات مضادة.
هناك فقر وجوع في بقاع مختلفة من العالم وبالذات في الدول الفقيرة والنامية ، غير ان انهيار الدولة والحروب الانتقامية المضادة لثورات التغيير هي جوهر المشكلة التي نواجهها في اليمن ، الساحة الاكثر ضراوة للثورة المضادة.
يمر اليمن بأسوأ أزمة غذائية في عالم اليوم. هذا ليس كلاما وانما حقيقة تمثلها أزمة غير مسبوقة يعيشها سكان اليمن الذين يتجاوز عددهم الثلاثين مليون انسان.
انها الأزمة الانسانية الأكبر في العالم بعد ثمان سنوات من حرب داخلية وخارجية استهدفت بلدنا وشعبنا.
حالنا هو نموذج لتجارب مريرة في اكثر من بلد عربي انهارت فيه الدولة بفعل ممانعة أنظمة مستبدة امام مطالب التغيير الديمقراطي التي تطورت الى ثورات شعبية بداية العقد الماضي.
سيكون غير منطقيا لو ان اننا فصلنا ازمة الطعام والتحديات التي تواجه العالم لتوفير الغذاء ، عن بقية العوامل المؤثرة بالازمات الغذائية. لا اريد ان اجد نفسي اعود الى الازمات السياسية عندما ابدأ الكلام عن التحديات التي تواجه ازمات الغذاء في الدول الفقيرة الأكثر تضررا من أزمة الغذاء العالمية ، ولكن ذلك هو الواقع.
اعتقد ان المناطق التي تمر بحالة انهيار الدولة والحرب تمثل اولوية قصوى لأنها الأكثر تضررا من تصاعد أزمة سلاسل الغذاء التي تابعناها مؤخرا في اوكرانيا . ملايين البشر لا يجدون قوت يومهم في البلدان الفقيرة. انهارت الدولة في اليمن وتوقفت المرتبات وانهار نظام الخدمات. يعيش الناس تحت رحمة ميليشات تحركها ايران والامارات والسعودية. الميليشات الحوثية تفرض جبايات تعسفية على مجتمع فقير ومنهار. الحقيقة ان كلا الانظمة المستبدة والميليشيات في الشرق الاوسط لا تقبل ان تترك الناس في حالة اكتفاء غذائي ، ولا تسمح للعالم بتقديم خدمات انسانية دون ان تخضعها لشروطها وتستفيد منها.
انفجرت ثورات الربيع العربي بعد عقود من استبداد فاشل افقر مجتمعاتنا وفوت عليها فرص التنمية وبناء الدولة.
يحتاج الناس الى الحد الادنى من سلطة القانون لكي يمارسوا اعمالهم ويكافحون من اجل احتياجاتهم اليومية.
الانظمة المستبدة لا تترك مجالا خارج سيطرتها بما في ذلك الوظيفة العامة والاعمال الخاصة. في حالة انهيار الدولة تنفجر الازمات الانسانية بشكل حاد وتحتاج لتدخل عالمي لمساعدة ملايين البشر. الحروب والميليشيات تجعل الحياة عذابا يوميا امام ملايين البشر. على عالم اليوم ان يساعد محتمعاتنا في مواجهة أزمة الغذاء التي تزداد مع الحرب الروسية في أوكرانيا. إن رفع أصواتنا الى صانعي السياسات في الدول الكبرى سىف يساعد في دفع هذه الدول لزيادة دعمها للدول الفقيرة الأكثر تضرراً من الأزمة العالمية في سلاسل الإمداد الغذائي.
رابعاً: التغير المناخي
مشكلات المناخ وارتفاع درجة حرارة الارض وما يتعرض له النظام الأيكولوجي الطبيعي بسبب نمط الصناعة والاقتصاد وطرق الحياة التي يتبعها البشر في العصر الحديث ، هذا موضع أهمية قصوى.
إن الاهتمام بالمناخ والطبيعة يمثل معيارا بين طريقتين للتفكير ومنهجين للحياة. الأول آلي قائم على ايديولوجيات لا تعير اهتماما بالبيئة والمناخ ، ويقوم على التناقض مع الطبيعة والنظام البيئي ولا يعيرها أي إهتمام. والثاني منهج حيوي يهدف إلى الإنسجام مع النظام الأيكولوجي الطبيعي والتكامل معه والحفاظ عليه وليس تدميره .
لقد تشكلت روابط شبكية عبر العالم تضم منظمات مدنية وشبكات حقوق الانسان والمدافعين عن البيئة ومئات المنظمات المدنية وتيارات سياسية تتبنى رؤى تدعو الى وقف تدمير النظام الطبيعي وتنادي بإعادة صياغة حياتنا بالإنسجام مع النظام الأيكولوجي الطبيعي وليس خصما منه وحربا عليه.
ان نضالنا اليوم من أجل حماية البيئة والنظر في المشكلات الملحة المرتبطة بالنظام البيئي والزيادات المخيفة في معدلات ارتفاع درجة حرارة الأرض وغيرها من مشكلات بيئية وايكولوجية لا يتناقض مع نضالاتنا وسط مجتمعاتنا من أجل العدالة وتوفير فرص العيش الكريم للبشر ومن أجل نظم سياسية حيوية تضمن قيام حكم القانون والمشاركة الشعبية في صناعة القرار وقدرة السكان في كل مجتمع على الرقابة على حكامهم وفرض أولوياتهم على الإدارات السياسية المتعاقبة.
انه توجه واحد سنبني تحالفاته العابرة للقارات والجنسيات ، توجه ينطوي على رؤى مشتركة حول المناخ والنظام الأيكولوجي ومنظوراتنا لإعادة صياغة حياتنا بالتكامل مع البيئة من حولنا لا ضدا عليها وتدميرا لها.
توجه عالمي يمتد من النضال من أجل حقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المرأة إلى موقف يعطي أهمية أكبر للتكامل بين المنظومات البشرية والمنظومة الايكولوجية الطبيعية.
ان الاستقرار البيئي والاقتصادي ينبغي ان يكون تؤم المنظور الأيكولوجي للطبيعة والمناخ.
كانت الحياة في انبثاقها الأول قائمة على هذا التكامل بين حياة البشر والشجر والحيوانات والنباتات ، ونضالنا اليوم يتجه في أهدافه التكاملية في طريق تقربنا ولو خطوة بعد الأخرى من هذا الإنسجام المفقود والبعيد عن نمط حياتنا اليوم.
فرض المنظور الأيكولوجي القائم على ضرورة التكامل بين نشاطاتنا البشرية والطبيعة ، رؤية ليس بإمكان عالم اليوم تجاوزها إذا أراد البقاء والإستدامة.
ان المجتمعات البشرية في عالم اليوم بحاجة اكثر من أي وقت مضى إلى تصميم أشكال حياتنا من الأعمال والأقتصاد والعلاقات الدولية والتجارة والصناعة بطريقة تضمن التكامل مع الطبيعة وتحد من التدخل والإضرار بقدرات الطبيعة المتأصلة فيها على إبقاء الحياة وضمان إستدامتها.
إن هذا التكامل الذي نسعى إليه يتبلور في عالم اليوم بإعتباره ضرورة حياتية لا ترفاً فائضاً عن الحاجة.
إننا نتطلع إلى إرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية وتنظيم التجارة العالمية والإقتصاد بطريقة منظومية جديدة تمنع قيام الحروب التجارية وتحمي مصالح الدول الفقيرة وتصون الطبيعة وتمنع الإضرار بها وتجرمه .
خامساً: اليمن
في ختام كلمتي أعيد التاكيد على مأساة الحرب في بلدي اليمن ومسؤولية العالم نحو ثلاثين مليون انسان وضعت حياتهم رهينة في جحيم الحرب والحصار والمأساة الانسانية التي توصف بأنها الأسوء في العالم.
اليمن جزء من هذا العالم الذي نعيش فيه ولكنها تواجه مآسي الحرب الفاشية وأزمة إنسانية هي الأسوء في العالم ، وحيدة وعزلاء من أي مساندة حقيقية.
فشلت الامم المتحدة والدول الكبرى في مساعدة اليمن لوقف الحرب واستعادة دولته. لم يفعل العالم شيئا لوقف ابادة اليمنيين.
الدول الكبرى تغمض عيونها عن إيران ودعمها للميليشات الحوثية ، وفي الجهة المقابلة تغلب مصالحها مع السعودية والإمارات ، وتتغاضى عن عبثها وجرائمها في اليمن.
هذا الخذلان الأممي والدولي في اليمن يقدم مساندة ضمنية لأمراء الحرب في الداخل والعابثون بالدم اليمني في ايران والرياض وابوظبي.
ان إخفاق وعجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لإيقاف الحرب والانهيار الاقتصادي ومساعدة اليمنيين في استعادت دولتهم الوطنية ساهم في توطين الحرب والفوضى وفاقم الأزمة الانسانية . وهذا لا اراه عجزا من قبل الدول الكبرى بل احجاما عن استخدام اليات تاثير في اليمن لان المصالح هي ما يحرك الدول الكبرى وليس التزاماتها الانسانية. وقد راينا كيف تحركت في اوكرانيا وفعلت كل الياتها العقابية الفتاكة خلال ايام وعزلت دولة كبرى بحجم روسيا ، وهذا يثبت ان بامكانها فعل الكثير لاجبار ايران والسعودية والامارات على ايقاف حروبها ضد اليمن ووضع حد لاكبر جريمة يتعرض لها شعب وبلد في عالم اليوم.
لقد تخلى عنا العالم وترك الأحلاف الإقليمية للمحاور المعادية للديمقراطية في ايران والسعودية تعلن الحرب الانتقامية على مجتمعاتنا لا لشيء الا لأننا أردنا ان نكون بشرا مثل بقية البشر ، وثرنا سلميا من اجل الكرامة ودولة القانون والمجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
للعام الثامن وشعبنا يواجه حربا انتقامية شاملة. حربا شرسة تمثل نمطا جديدا من تقويض اسس الحياة لكل السكان.
الحرب مستمرة على شعبنا وبلادنا رغم ما يقال عن " الهدنة " في الأشهر الأخيرة. حرب تجويع وانهيار عملة وأزمة معيشية وانقطاع مرتبات. الحرب مستمرة بتغول الميليشات وفرض خارطة ممزقة تسيطر عليها ميليشيات تحركها دولتي التحالف وبجانبهما ايران. الحرب مستمرة عبر الصراع الاقليمي الذي يريد اليمن ساحة لنفوذ ومصالح السعودية والامارات وايران. الحرب مستمرة لأن توجهات الدول الكبرى لا يهمها سوى مصالحها وتكتفي بمبعوثين لا يتعدى تأثيرهم اللقاءات الدبلوماسية الروتينية ولا يتجاوز نشاطهم السقف الروتيني الذي يبقي الحال على ماهو عليه. ومع ذلك نؤمن بشعبنا وقضيتنا العادلة وحقنا في الحياة. اليمن ليست حالة طارئة ولن ترضخ لحروب التمزيق والتجويع الخارجية وأدواتها الميليشياوية الداخلية. لا خيار لنا سوى التمسك بحقنا في استعادة الدولة اليمنية وفق المرجعيات الثلاث ، وهزيمة المشاريع الطائفية والتمزيقية. لن يقبل شعبنا مسخرة هزلية كهذه التي تهدف الى تمزيق اليمن وتقاسم النفوذ عليه بين السعودية وإيران.