كلمات
السلام عليكم.. في البداية أود أن اعبر عن مدى سعادتي بوجودي بينكم. على مدى السنوات الماضية، اتيح لي أن اتحدث في منابر عالمية كبيرة، لكن يظل الحديث للطلاب والشباب له مذاق خاص، فأنا اتحدث للمستقبل والعنفوان والأمل في التغيير.
لقد سعدت كثيرا بإقامة هذا المخيم الذي يعلي من قيم المعرفة ويمنح المشاركين فرصة اكتشاف امكانياتهم وقدراتهم، واني على ثقة بأن هذه الامكانيات وهذه القدرات سوف تجد طرقا متعددة لتبدع أكثر وتصنع مستقبل يليق بها بطموحاتها. في الحقيقة، أنتم جيل يُعول عليه، وتستحقون كل الفرص الممكنة، لأن لديكم أحساس بالمسؤولية، ولديكم مهارات التواصل مع العالم بشكل يفوق ما كان لدى للاجيال السابقة.
أبنائي المشاركين في مخيم أنت مشروعك الخاص..
ثقوا بأنفسكم. أعرف أن البعض قد لا تستهويه هذه النصيحة، ربما لأنها اُبتذلت إذ يتم استحضارها بسبب أو بدون سبب، لكني أرى الثقة في النفس شرطا أساسيًا للتقدم في هذه الحياة، وتحقيق انجازات فيها. يُقالُ إن الأيدي المرتعشة لا تصنع تغييراً أو تحولاً ذا قيمة. ما الذي ينقصكم لتصبحوا أشخاصاً نافعين ومؤثرين، لا أعتقد أنه ينقصكم سوى الفرص التي تظهر امكانياتكم، وسوف تأتي. ومن خلال تجارب كثيرة حول العالم، كثير من الشباب آمنوا بأنفسهم أولا، وكان هذا سببا رئيسيا في مسيرة اثبات الذات وتحقيق نجاحات كبيرة.
أدرك كم يبدو الواقع صعبا، لكني أدرك أن من يملك ارادة قوية وتصميم على النجاح سوف يصل لمبتغاه. في طفولتي كنت أحلم بالحديث في منابر عالمية عن القضايا التي أومن بها، وفي مقدمتها الحرية ورفض الاستبداد، وقد تحقق ذلك.
لا تتخلوا عن احلامكم وطموحاتكم بسهولة. حاولوا ولا تفقدوا الأمل. معظم الذين حققوا نجاحات في الحياة، تمكنوا من فعل ذلك بعد العديد من المحاولات الفاشلة. إن أسوأ شيءٍ على الاطلاق أن نفقد الأمل، لأننا في اللحظة التي نفقد فيها الأمل، نفقد كل شيء.
الأصدقاء الأعزاء..
يموج العالم بالعديد من الازمات الكبيرة، وهناك سيناريوهات ليست جيدة بالنسبة للمستقبل، لكن الناس تمضي في تحقيق وجودها وذاتها، وهذا يعني ببساطة، أن ارادة الحياة أقوى من أي ارادة. باعتقادي أن أبرز تلك الازمات هي تصاعد موجة العنصرية في بلدان كثيرة حول العالم، لأن هذا يؤسس للصراعات والحروب، ومن المؤسف أن ينخرط عدد غير قليل من السياسيين في هذه اللعبة الخطرة، ابتغاء الحصول على تصفيق ورضا الجهلة. الجهلاء هم من يرون التعصب فضيلة، والمقامرة بمصير الناس عملا وطنيا يستحق الثناء.
على مدى التاريخ، عاش العالم لحظات صعبة كثيرة، وفي معظم تلك اللحظات كان التعصب حاضرا بقوة، نعم يأتي التعصب أولا، ثم يلحق به، الارهاب، ارهاب الجماعات وارهاب الدول، والجرائم التي يندى لها الجبين. لذا لا ينبغي التساهل مع الشعارات والافكار العنصرية لانها تجلب الحرب والموت وانهيار المجتمعات والدول.
لا يملك العنصري أي رؤية بناءة نحو المستقبل، كل ما يملكه هو كيف يقتل هذا أو يقصي ذاك..
لا يجب أن تكونوا وقودا للحروب التي يقودها المتعصبون والجهلاء، فمثل تلك الحروب لا تنتهِ بسهولة، العنصرية تعرف كيف تجدد نفسها، وكيف تخلق شعاراتها.
الأصدقاء الاعزاء..
جميل أن يكون لديكم رغبة في تحقيق ذواتكم، لكن لا تنفصلوا عن قضايا أوطانكم وأمتكم وعن القضايا الانسانية. لا أدعوكم للاهتمام بكل تلك القضايا بطبيعة الحال، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا في الجانب الصحيح من التاريخ، أدعوكم إذا تم تخييركم بين الحق والباطل، أن تختاروا الانحياز للحق. لا احترم اولئك الأشخاص الذين يعيشون في حالة انفصال عن مجتمعاتهم وأوطانهم، ظنا منهم أن هذا الانفصال سوف يحقق لهم أرباح، ويجنبهم الخسارة. غالبا هذا لا يحدث. إذا اصحبت طبيبا، اهتم بكيفية تطوير اداءك وتخفيف الالم عن المرضى، لكن لا تصفق للطغاة أو الفاسدين.
أعرف أنه لا ينبغي أن يكون جميع أفراد المجتمع سياسيين أو ناشطين سياسيين، هذا محال، وهذا لا يجب أن يكون، لكن من المهم أن يكون لدينا جميعا الحد المعقول من القيم التي تسمح لنا بمقاومة كل أنواع التسلط والارهاب والفساد.
ليكن شعاركم الدائم هو الانحياز لكل ما هو جميل وكل ما هو حقيقي.
الاصدقاء الاعزاء..
ليس خافيا على أحد أن منطقتنا العربية تعاني منذ عقود طويلة بسبب الاستبداد السياسي والديني. لا شك أن هناك عوامل أدت لهذا الوضع، لكن أكثر تلك العوامل تأثيراً هو أن شعوبنا لا تدرك أن المعركة مع الاستبداد معركة تستحق التضيحة. إن الاستبداد أكبر العوائق أمام إحداث تحول سياسي وثقافي واقتصادي في بلداننا العربية. فالاستبداد يخلق حوله نخبا فاسدة، تمنحه الشرعية دون وجه حق. وفي سبيل ترسيخ الوضع القائم، يسعى المستبدون لوصم معارضيهم بالإرهاب تارةً، والخيانة الوطنية تارةً أخرى.
إن الوطنية اخر ملاذ للاوغاد كما يُقال، ولذا من الضروري أن يتم رفض كل الدعاوى التي تحاول توزيع صكوك الوطنية، بمعزل عن حقيقة الاشياء. لعلكم تسمعون بين وقت لآخر، كيف يتم استهداف أي صوت حر لمجرد اعتراضه على السياسات والخيارات الخاطئة التي ينتهجها المستبدون.
الذين يعتقدون أن اي مصالحة مع الاستبداد والمستبدين سوف تنجح مخطئون في اعتقادهم وتوقعاتهم. الاستبداد يعيش على تخوين الناس وبث الرعب في قلوبهم، ونهب ممتلكاتهم، ولا يمكنه العيش خارج هذه المعادلات..
الاصدقاء الاعزاء..
لا يوجد حل سحري لمشكلاتنا في الدول العربية، لكن الخطوة الأولى للعلاج، هي مواجهة الاستبداد بكل تصوراته وتجلياته. وفي هذا السياق، ينبغي أن تعمل المعارضات السياسية العربية على تنقية صفوفها من كل الأمراض والاخطاء السياسية التي تسببت في اطالة عمر المستبدين. إن الجمود الفكري والتنظيمي وعدم التجديد على صعيد القيادات والافكار، يحوّل تلك الاحزاب إلى اقطاعيات سياسية مهمتها تقوية الانظمة السلطوية وإبقاءها على قيد الحياة.
لنتذكر أن ثورات الربيع العربي عندما اندلعت كان الهدف إزالة تلك الأنظمة الفاسدة، لكن قوى الثورات المضادة اعاقت هذا التحول، وتسببت بدلا من ذلك، بنشر الفوضى والحروب المسلحة في دول الربيع، مستخدمةً ما تمتلكه من الأموال والعلاقات الدولية والذين لديهم رغبة في إعادة عقارب الساعة للوراء.
الاصدقاء الاعزاء..
أشعر بأنكم تدركون حقيقة المعركة مع الاستبداد، وانه من الصعب تزييف الواقع، لذا أنا مطمئنة بأن الغد سيكون أكثر إشراقاً. لنؤمن بأنفسنا، ولنعمل بكل صدق على أن تكون بلداننا ومجتمعاتنا أكثر ديمقراطية وحرية، لان الاصلاح السياسي هو الضمانة الأكيدة لوجود تنمية مستدامة، ما لم، فسوف نظل ندور في حلقة مفرغة.
في نهاية هذه الكلمة، أود أن أشكر تفاعلكم مع هذا المخيم، وارجو أن تكونوا قد استفدتم من فعالياته ونشاطاته، وأن تكون قناعاتكم قد تغيرت نحو الأفضل.
أود بطبيعة الحال أن أشكر المديرة التنفيذية لمؤسسة توكل كرمان الاستاذة مسك الجنيد، كما أشكر مديرة المخيم ولاء النهمي، وجميع العاملين في المؤسسة على جهودهم في إنجاح فعاليات وأنشطة المخيم، والشكر موصول للمحاضرين والمدربين على ما قدموه من معرفة ومن أفكار.
شكرا لكم..