كلمات
نحن في عالم واحد، وليس بإمكان أحد أن يمضي دون أن يتأثر بما يحدث لدى الآخر.
أكد ذلك وباء جائحة كوفيد 19. وأكدته ظاهرة ترامب العنصرية. وأكده الربيع العربي. وأكدته الحروب الإنتقامية ضد ربيعنا العربي وثوراتنا الشعبية.
أغمض العالم عينيه عن حروب الإنتقام والإبادة التي شنها المستبدون وحلفائهم الاقليميون والدوليون انتقاما من شعوبنا الثائرة المطالبة بالحرية والديمقراطية.
كانت الظاهرة الترامبية وصعود العنصرية والانعزالية وكراهية الاجانب والمهاجرين في اوروبا واميركا والغرب عقابا لمجتمعات أوروبا والغرب وليست حلاً وجدارا يقيها انعكاسات عالم ذهب باتجاه الفوضى وانتشار الحروب وعودة الصراعات الامبراطورية.
منقسمون نسقط، يسقط كل العالم في الإستبداد والإرهاب والعنصرية والإنعزالية وصعود الشوفينيات.
نأمل ان يكون الغرب قد استوعب درس الظاهرة الترامبية وخطرها على مجتمعاته. نأمل ان تنعكس هزيمة ترامب بنهج عالمي جديد يلتزم بقيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ويسود العالم كله لا اوروبا واميركا فقط.
لطالما نُظِر الى الصين وروسيا كدولتين استبداديين عجزتا عن الاندماج مع الديمقراطية الليبرالية ومبادئها، لكن التهديد الحقيقي للديمقراطية جاء من معقلها في أميركا والغرب بصعود ترامب في اميركا وحالات مشابهة عنصرية وشعبوية في اوروبا.
بعد اربع سنوات هل نستطيع ان نقول ان وضعا جديدا سيعم العالم مع هزيمة ترامب في الانتخابات الأخيرة، وانها ستكون هزيمة للعنصرية والكراهية؟!
لا شك ان هزيمة ترامب جاءت نتيجة لتصويت غالبية الاميركيين ضد الظاهرة الترامبية وما ترمز له من ارتداد عن القيم التي تأسست عليها الدول الديمقراطية في الغرب.
لقد صوتوا لهزيمة التهديدات الترامبية لمجتمعهم ودولتهم وللعلاقات الدولية والعالم، تهديدات تختصر بكلمات مثل العنصرية والكراهية والانعزالية والاستهتار والشعبوية.
ولا أخفيكم القول بأن أغلبية الرأي العام في بلدان الربيع العربي قد رأى في ترامب والظاهرة الترامبية ظاهرة مناسبة لإيقاظ الديمقراطيات الغربية من سباتها، وتنبيهها عن ظلم النظام العالمي وافتقاده لحس العدالة ازاء شعوب تتعرض للإبادة لأنها رفعت صوتها في ثورات الربيع العربي مطالبةً بالديمقراطية وحقها في تغيير حكامها المستبدين الفاسدين.
يتحدث الغرب عن ازمة في الديمقراطيات الليبرالية بدأت في الظهور بصورتها الحادة في السنوات الماضية مع صعود ترامب والعنصرية وكراهية المهاجرين والاجانب.
في بلداننا العربية لم نعرف وجه الديمقراطية الغربية وانما عرفنا ان الدول الكبرى ومنها اميركا وبريطانيا وفرنسا تتواطأ مع الديكتاتوريات وتدعمها. كان ذلك في زمن الحرب الباردة واستمر فيما بعدها.
الربيع العربي كان اختبارا اكد هذا الوجه للنظام العالمي الذي يرى في التحول الديمقراطي في المنطقة العربية خطرا على مصالحه وعلى الديكتاتوريات والانظمة الملكية الفاسدة التي يرعاها.
فشلت الامم المتحدة في مساعدة اليمن لوقف الحرب واستعادة دولته. لم تفعل شيئا لوقف ابادة اليمنيين.
لم تأبه بقرارات مجلس الامن والشرعية الدولية، وكان ذلك لأن الدول الكبرى تفضل ان تبيع مواقفها للدول النفطية "السعودية والإمارات" وتتغاضى عن جرائمها في اليمن، وأولى هذه الجرائم هي جريمة اسقاط الدولة والانقلاب عليها وتسليمها للميليشيا الحوثية بدعم سعودي اماراتي إيراني، والجريمة الثانية استخدامها لـ"الشرعية" في اكمال قوس الحرب على اليمن من الخارج والوصاية عليه المستمرة منذ ست سنوات.
وقد مثل هذا الخذلان الأممي في اليمن جزءا من إخفاق وعجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لوقف صراعات داخلية وحروب دموية أزهقت أرواح أعدادا لا تحصى من البشر في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من المناطق الملتهبة حول العالم.
الأزمة هي أزمة عالمية. أزمة نظام عالمي اصبح عاجزا عن الاستمرار في توجهاته الظالمة الداعمة لأنظمة ديكتاتورية وطائفية، ومذابح الابادة الجماعية والحروب المضادة للثورات الشعبية السلمية.
هزت الظاهرة الترامبية مراكز الديمقراطيات العالمية. واجهت المنظمات الحقوقية والمدنية والصحفيين والاوساط الفنية والمهاجرين والأميركيين من أصول افريقية والمجتمع الأميركي ككل نوعا جديدا من الخطاب والسلوك لم يعرف مثيلا له في المنصات السياسية للدولة في العصر الحديث.
واجه القادة السياسيون في أوروبا دبلوماسية مختلفة لا تقيم وزنا للقانون الانساني الدولي أو لإتفاقيات تجارية دولية ولا لمعاهدات سياسية واقتصادية وامنية وعسكرية.
ضربت الظاهرة الترامبية عرض الحائط بالمنطق والسياسة والعلاقات الدولية. لم تحترم حتى قواعد السلوك الدبلوماسي.
لقد وضعت الشوفينية العنصرية في نموذجها الترامبي الحاد، دول الغرب أمام مرآة مكبرة لنوعية العالم الذي تبشر به الحركات العنصرية الصاعدة في أوروبا والغرب.
من هذه الصدمة المنبعثة من داخل اميركا وبعض دول اوروبا نأمل في العالم الثالث البعيد المنسي ان تكون سببا لمراجعة شاملة للسياسات الدولية.
كيف يكون الغرب ديمقراطيا بينما يرى في ثورات الربيع العربي السلمية المطالبة بدولة القانون والديمقراطية وحقول الانسان خطرا على مصالحه؟
من تصدمه الظاهرة الترامبية كيف لا يصدم بمذابح الإبادة الجماعية الممارسة في اليمن وليبيا وسوريا عقابا لشعوبنا الثائرة ؟!
خاض العالم حربا ضد شعوبا عزلاء. استخدموا ضدنا الانظمة الساقطة والإرهاب والمحاور الاقليمية الطامحة بتقاسم بلداننا وثرواتنا.
لم يتبق من المجتمع الدولي سوى مبعوثين يملأون مقاعد وظيفية شاغرة بروتينية اعتيادية، ولا يفعلون شيئا يذكر لمنع الجرائم ضد الانسانية ووقف حروب الابادة.
تتحرك الميليشيات والدول الاقليمية المارقة عن القيم الانسانية وتخوض حروبها بأريحية وسقف مفتوح أمام العالم وبدون قيود أو خشية من عقاب أو عقوبات من أي نوع.
ان المفاضلة ينبغي ان تكون بين نظام عالمي ظالم ونظام عالمي عادل.
ليس تغييرا ان يستبدل توجه عالمي ظالم وفج في شوفينيته وعنصريته، بتوجه عالمي ظالم يختلف عنه في اساليبه الناعمة والمراوغة.
ان أي إستمرار للتوجهات الأميركية والغربية الظالمة والمتعاونة مع المستبدين والمساندة لهم ضد شعوبهم، سيكون حصاده عودة الظاهرة الترامبية وصعود الشوفينيات العنصرية بصورة أشد وأكثر تطرفا.
توجهات عزل دول الغرب عما يحدث في العالم الثالث ليست حلا مناسبا لضمان أمن بلدانكم واستقرارها وبقاءها بعيدا عن تأثيرات انهيار الدول وشيوع المجازر والمذابح الجماعية وانتشار الإرهاب والميليشيات الطائفية وتغول الدول الدينية مثل إيران والسعودية في محيطها الجيوسياسي.
كراهية الاجانب ومكافحة المهاجرين ليست حلا. المهاجرون ليسوا هم المشكلة. لقد التزمتم الصمت امام حروب ثورات مضادة انتقامية حولت بلدان الربيع العربي الى جحيم يقتل فيه مئات الالاف ويفر منه ملايين النازحين واللاجئين الذين انهارت اوطانهم وفقدوا المأوى ووجدوا انفسهم في العراء بين حدود الدول في عالم متوحش لا يعترف بآدميتهم ولا ينظر لهم كبشر.
لقد وضعت ثورات الربيع العربي العالم كله امام ساعة الحقيقة. وضعت الديمقراطيات العريقة امام خيارات حاسمة؛ إما ان تثبت مصداقية توجهاتها وتساند حق الشعوب في كفاحها من أجل دولة القانون والديمقراطية وحقوق الانسان وتساند كفاح الشعوب من اجل العدالة والديمقراطية، أو تمضي في تراجعات وارتدادات عن كل منظومة القيم الحديثة من ديمقراطية ليبرالية وعدالة وحقوق الانسان وارثها العالمي، وهو ارتداد سيشمل الديمقراطيات المتقدمة في اوروبا واميركا، ولن يقف في حدود مدن عالم ثالثية حولها حكامها الى معازل كبرى أشبه بالسجون لبشر يحكمون بالميليشيات والعسف والطغيان والحرب الشاملة، ويجدون انفسهم بدون دول ولا اوطان وبدون اي ضمانات او حماية قانونية او مساندة حقيقية تخفف عنهم قبضات القهر العائدة بوحشية انتقاما من ثورات الربيع العربي.
اليمن جزء من هذا العالم الذي نعيش فيه ولكنها تعيش مآسي الحرب الفاشية وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم وحيدة وعزلاء من أي مساندة حقيقية.
ست سنوات وشعبنا يواجه حربا انتقامية شاملة. حربا شرسة تمثل نمطا جديدا من تقويض اسس الحياة لكل السكان. انهارت الدولة واجتاحت ميليشيات الحوثيين الطائفية العاصمة والمدن. قطعت المرتبات وانهار النظام الصحي ونظام الخدمات وتحكمت الميليشيات بالمساعدات الدولية. قصفت السعودية والامارات مدننا وبنيتنا التحتية وأنشأت ميليشيات اخرى موالية لها في مدينة عدن. منعت الحكومة الشرعية من العمل من داخل البلاد وسيطرت الامارات على الموانئ والمنشآت النفطية والغازية وتسيطر على جزيرة سقطرى بواسطة ميليشيات تتبعها.
نطالب العالم بايقاف هذه الحرب الوحشية ضد شعبنا اليمني. نطالب العالم بمساندة شعبنا لاستعادة دولته واستكمال المرحلة الانتقالية وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي، والشرعية الوطنية متمثلة باتفاقية نقل السلطة ومخرجات الحوار الوطني. نطالب العالم الديمقراطي بوقف مساندة السعودية والإمارات المتورطتين بجرائم حرب ضد الانسانية في اليمن ووقف مبيعات الأسلحة لهاتين الدولتين.
نطالب المجتمع الدولي بمساندتنا لرفع الوصاية السعودية الاماراتية عن بلدنا اليمن ومحاكمة المتورطين بجرائم الحرب في اليمن امام المحاكم الدولية، والزام إيران بوقف مساندتها للميليشات الحوثية. نطالب العالم بفرص القيود على أمراء الحرب وقادة الميليشات لا التعامل معهم كأطراف سياسية.
نطالب العالم بإحترام حق شعبنا في الحياة ووضع حد لحرب فاشية اجتمعت فيها إيران والسعودية والإمارات وميليشيات مدعومة منهم وشريكة لهم في حربهم ضد شعبنا وبلدنا.
أحييكم ، وعبركم أحيي كل المكافحين من أجل الإنسانية ومن أجل عالم أفضل تسوده قيم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.