كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في المؤتمر الذي نظمته اليونسكو احتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة - تونس
دعوني في البدء أبدي سعادتي البالغة بأن أحضر اليوم الاحتفال باليوم العالمي للصحافة في تونس الثورة السلمية وتونس الدولة المدنية الديمقراطية.
لقد فرحت جداً وأنا أعتلي أول سلم في الطائرة التي أقلتني من اسطنبول إلى تونس ، كنت أغني وقتها:
حماة الحمى ياحماة الحمى ... هلموا هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في عروقنا الدمى .. نموت نموت ويحيى الوطن
وطيلة ساعتين ونصف في الطائرة وأنا أردد:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر
نعم أيها الأحبة .. هذا هو نشيد ثورات الربيع ، الذي نشدناه في الشوارع والأرصفة ، في الأزقة والحارات ... كنا ننشد به ولا زلنا ونحن نواجه الرصاص بالورود .. ونحن نموت ونستشهد .. فقد كنا نوقن بأن إرادتنا في الحياة الحرة والكريمة .. في الديمقراطية والمواطنة المتساوية .. في الكرامة والمساواة حتما ستنتصر .. وقد فعلنا.
دعوني أهنئ منظمة اليونسكو على حسن اختيارها للمكان الذي تقيم فيه مؤتمرها وتسلم جائزتها للصحافة لهذا العام .. دعوني أؤكد أن الثورة التونسية التي رفعت شعار الشعب يريد اسقاط النظام ، كانت ترفع في الوقت ذاته شعاراً واضحاً أن الشعب يريد حرية مطلقة للتعبير وللصحافة والفنون ولكافة أنواع الإبداع في مجتمع مفتوح للمعرفة ، وقائم على فلسفة أن لا خير ولا كرامة ولا حرية للناس إلا إذا كانوا يعلمون ، ولا مكان للمعرفة إلا في ظل حرية مطلقة للصحافة والتعبير
أيتها السيدات أيها السادة..
إن حرية الإعلام بشقيها القديم والجديد هي المدخل إلى التغيير الشامل وهي الغاية والوسيلة ، إن ثورات الربيع العربي قامت في أحد أهم جوانبها من أجل كفالة حرية الصحافة والتعبير، لقد قدم الشباب أرواحهم الطاهرة وهم يهتفون وهم يكتبون ... وهم يصرحون وهم يصورون ، يكتبون الشعارات ويهتفون بها في الشوارع والأزقة والأحياء..،وعلى صفحات الصحف ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي وقنوات البث الإذاعي والتلفزيوني التي كان لها دوراً بارزا في إحداث التغيير وإشعال ثوراتنا الربيعية العظيمة، عبر الشباب عن إرادتهم الحرة في اسقاط الحاكم المستبد الفاشل والفاسد ومعه جميع شبكات محسوبياته ، وأعلنوا عزمهم إقامة الدولة المدنية الحديثة دولة الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية دولة والديمقراطية وسيادة القانون والحياة الحرة والكريمة ، لقد كانوا يعلمون أن ثمن كل كلمة وكل هتاف ، هو أرواحهم الطاهرة وجزءاً من دماءهم الزكية ، التي ستريقها شبيحة النظام وبلاطجته بدم بارد على الشوارع والأرصفة ، وهذا ماحدث لقد كانت التضحيات السخية ثمناً للدولة المدنية الديمقراطية التي بدأنا بناءها حين أسقطنا الديكاتور ، ولحرية الصحافة التي انتزعناها ، واستحققناها ونستحقها كاملة لا هبة ولا منحة ولا منة من أحد .
أيتها السيدات أيها السادة..
مع الأسف أنه لا يزال هناك العديد من الأنظمة في وطننا العربي وفي أجزاء مختلفة من العالم ، تحد من حرية الصحافة وتمنع من تدفق المعلومة وتداولها ، أنظمة تحتكر امتلاك وسائل ووسائط الإعلام وتتيحها فقط لمن يسبحون بحمد النظام ويلهجون بذكر الرئيس ، مثل هؤلاء .. وحدهم يحكمون على أنفسهم - فقط - بالسقوط والموت .. فالشعوب في عالم اليوم لا تموت ، والمعلومة اليوم شاؤوا أم أبوا تصل إلى كل مكان ، فهي تعبر الحدود ولا تأبه بالسدود والقيود والحواجز .
أيها الأعزاء..
إن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ، تقول .. بأن لا ديمقراطية بدون نظام رشيد يحفظ الحقوق ويصون الحريات ويكفل المواطنة المتساوية . لا ديمقراطية بدون حرية تعبير تبدأ بحق المواطنين في الوصول إلى المعلومة وتداولها ، وتقوم على أساس أن (الشأن العام هو شأن العامة) ، وعلى أساس أن الحق في امتلاك وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية حق متاح للأفراد والمنظمات والأحزاب ، وأن دولنا الجديدة لا مكان فيها لعقوبات على الرأي والنشر.
إن شباب الربيع العربي يعلم جيداً أن "لا خير في الناس إلا إذا كانوا يعلمون" ، ولا سبيل لأن يعلم الناس بدون حرية تعبير وحرية صحافة تكفل الحصول على المعلومة ووصولها إلى المواطنين.
إن أي مكافحة مجتمعية فاعلة للفساد وأي مناهضة للإرهاب والتطرف وإشاعة ثقافة الحوار والقبول والتعايش بين الناس ، مرهونة بمجتمع المعرفة وسوق المعلومات وحرية الصحافة ، ولا سبيل إلى ذلك دون أن نرفع أيادي العابثين المقيدة للصحافة وحرية الوصول إلى المعلومة وضمان تداولها ، ودون جعل سوق الإعلام والمعرفة والاتصالات خارج سيطرة الدولة وبعيدا عن التوجيه الرسمي.
ومن هنا .. من تونس الثورة والدولة .. دعوني أوجه الدعوة إلى كافة برلمانات وأحزاب وحكومات والمؤسسات المدنية والسياسية في دول الربيع العربي ، إلى استحداث نص دستوري واضح يغنينا عن إي أطار قانوني مقسط ومقطر لحرية الصحافة والتعبير والتجمع السلمي ، نص دستوري يقول : بأنه لا يحق للمجالس التشريعية في أي يوم من الأيام بأن تصدر قوانين أو تشريعات تحد من حرية الصحافة وتنتقص من حرية التعبير والتجمع السلمي.
دعوني أوجه الدعوة أيضاً إلى الحكومة التونسية ، إلى تأسيس جائزة سنوية لدعاة الحقوق المدنية والسياسية في كافة أرجاء العالم ، تمنح سنويا للعديد من مناضلي الحقوق والمدافعين عن الحريات ، أثق أن مثل هذه الجائزة التي ستمنحها تونس الثورة والدولة ، ستمثل دافعا حقيقياً لكفالة تلك الحقوق وستمثل حماية للمدافعين وانتصارا لحقوقهم المدنية والسياسية .
وفي الأخير أيها الأعزاء..
أشكر الرئيس التونسي المناضل منصف المرزوقي على كلمته البارحة ، والتي قال فيها أن فوضى حرية الصحافة أفضل بكثير من تنظيم الاستبداد ، نعم أيها المناضل الكبير .. إن فوضى حرية الصحافة أفضل بكثير من تنظيم الاستبداد .
فللذين لا يزالون يرغبون في تقديم الدعاوي والمحاكمات هنا وهناك ، لمحاكمة الأفكار والمعتقدات والآراء ومحاسبة الناس على ما يبوحون به أو يقولونه ، نقول : ذاك زمن غابر قد ولى ، أيها المستبدون الصغار، ويا مشاريع الديكتاتوريات التي لن نقبل أن تلوث حياتنا العامة أو تعبث بفضاءنا المفتوح ، نحذركن من أن النيل من حرية الصحافة وكبح حرية التعبير سواء بالصوت والصورة والكتاب أو في شقها الآخر عبر الاعتصامات والتظاهرات وكافة أشكال التجمع والتنظيم السلمي ، نحذر بأن النيل من تلك الحقوق مدعاة لثورة ثانية وثالثة ورابعة .. وعاشرة.