كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى العالمي الأول للديمقراطية - ستراسبورج/ فرنسا
بسم الله الرحمن الرحيم أيتها السيدات، أيها السادة .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هي مفارقة سعيدة أن ينعقد مؤتمركم هذا في الذكرى الأولى لحيازتي على جائزة نوبل للسلام والتي فرح بها الكثيرون وفرح بها الشعب اليمني وشباب الربيع العربي والمرأة العربية والمرأة في العالم،
وكل الطامحين للديمقراطية و المناضلين من أجل التغيير السلمي؛ كل هؤلاء فرحوا كثيرا باعتبار أن الجائزة لم تمنح لتوكل عبد السلام كرمان فحسب، بل منحت لهم جميعا، انتصارا لقضاياهم الانسانية العادلة.
أيتها الاخوات، أيها الاخوة :
إن الحقوق الديمقراطية والمدنية للمواطنين لم تعد محل نكران، ولا تعاني من عدم الاعتراف أو ينقصها الاقرار العالمي بعدالتها وقدسيتها كحق أساسي لا سبيل لتأجيله، أقول لا ينقصها الاعتراف كنصوص ومبادئ تضمنتها العديد من الاعلانات والاتفاقات الدولية بقدر ما ينقصها الالتزام والاحترام والتطبيق لتلك القواعد والنصوص والمبادئ على المستوى الوطني في كثير من بلدان العالم، وبقدر ما تفتقر أيضا إلى الأطر المؤسسية والآليات الاممية والاقليمية التي تجعل منها حقيقة معاشة في كل دول العالم وشعوبه وأقطاره.
أيتها السيدات، أيها السادة :
تعلمون أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أهميته البالغة ودوره الرسالي والملهم قد ظل مجرد ميثاق شرف غير ملزم للأنظمة والحكومات، وبدعوى السيادة وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدولة تقف المنظمة الأممية موقف المتفرج غير القادر على عمل شيء في وجه الاستبداد والانتهاك الكبير والشامل الذي يطال الأفراد والجماعات داخل الدول المبتلاه بأنظمة استبداديه تقمع الحريات، وتمتص الخيرات، وتسيء استغلال السلطة، وتسخر الامكانات والقوة العامة لخدمة الفرد والعائلة الحاكمة.
إن التحدي العظيم أمام البشرية اليوم هو جعل ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، جعلها اتفاقات ومواثيق ملزمة لكافة الدول الاعضاء، وحين يتم خرقها وانتهاكها من قبل أي دولة عضو، فإن اليد الطولى يجب أن تكون للمجتمع الدولي ممثلا بالمنظمة الأممية بحيث تكون جاهزة وقادرة للوصول إلى أي مكان لحماية المظلومين، وإيقاف انتهاكات الحكومات والأنظمة.
هذا هو التحدي الأساسي أمام عالم اليوم، وهو أن تجد تلك الحكومات القامعة للحقوق والحريات نفسها في مواجهة فعلية وحقيقية مع أطر ومؤسسات أممية تعمل ضمن الأمم المتحدة كافية للردع ولكفالة الحقوق والحريات لكافة مواطني العالم، مثلما تضمن تنفيذ كافة الاتفاقات والتعهدات والاعلانات العالمية الخاصة بمكافحة الفقر وحماية البيئة وكفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطني العالم، وضمانة أن لا تتعثر تلك الاتفاقات والمواثيق بدعوى اختراق السيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
أيتها الأخوات أيها الإخوة :
ونحن نبحث عن ديمقراطية شاملة ينعم بها جميع شعوب العالم في ظل أمنا الأرض وقريتنا الصغيرة وأسرتنا الإنسانية الواحدة، علينا أن لا ننسى العولمة ومدى تأثيرها على الشعوب وعلى حلمها بالديمقراطية والمساواة العيش الكريم.
وهنا لايزال السؤول الملح والأكثر أهمية في عالم اليوم باقيا في أن: هل سيتم بالفعل جعل العولمة قوة ايجابية تعمل لصالح جميع شعوب العالم؟، وهل تم أو سيتم اتخاذ الاجراءات والسياسات وإنشاء المؤسسات الدولية لضمان تحقيق هذه الغاية، ومتى سيتم تحقيق ذلك الحلم ؟ ومتى ستنتصر البشرية في التغلب على هذه المعركة؟
أيها الأعزاء:
إن العولمة الايجابية ستتعثر كثيرا في زمن ممنوع فيه التعثر، ان لم يتم النظر إلى السيادة الوطنية وفق نظرة لا يشدها الماضي وأنماطه السياسية ونظمه الاجتماعية بقدر انحيازها للمستقبل واستشرافها له.
لا يمكن للعولمة أن تكون شاملة وعادلة ما لم يشعر سكان العالم لاسيما الضعفاء منهم أن تقاسم فوائدها يجري بصورة عادلة ومنصفة، وأن فرصها توزع بصورة متكافئة بين الشعوب والأمم.
تشعر شعوب العالم لاسيما شعوب الدول النامية والأقل نموا، وخصوصا تلك التي تشهد تحولات ديمقراطية عميقة أن العولمة وعلى الرغم من الفرص العظيمة التي تقدمها إلا إنها غير عادلة وغير منصفة، فهي لا ترى العولمة إلا في تدمير البيئة وتلاشى التنوع البيولوجي وانهيار النظم الايكولوجية للأرض، هي لا تلمس العولمة إلا في تصحر الأراضي وازدياد الفيضانات والزلازل واحتراق الغابات، فضلا عن الكوارث الاقتصادية وغيرها من الكوارث غير المتوقعة وغير المقدور عليها لكثير من تلك الشعوب والأمم.
إننا اليوم نواجه هذا التحدي بصورة أكبر مما كان عليه حين انعقاد مؤتمر قمة الأرض التاريخية في عام 1992، والتي تميزت بتوافق عالمي بين الآراء، والتزام سياسي على أرفع مستوى بشأن التعاون في مجال التنمية والبيئة، والتي أجمعت على ضرورة ضمان أن لا نضحي بسلامة الأرض حين نسعى لتحقيق التنمية.
لكن للأسف أيها السادة، إنه لا تزال شعوب كثيرة في العالم تجمع بين مختلف أنواع المعاناة؛ تفاقم الجوع والفقر والاعتلال، والأمية، واستمرار تدهور النظم الايكولوجيا التي يعولون عليها من أجل رفاهيتهم، وفي ذات الوقت استمرار الاستبداد والفساد والقمع بهم.
أعود فأقول أن تحدي جعل العولمة قوة ايجابية تعمل لصالح شعوب العالم لايزال حاضرا أشد مما كان عشية اعلان الألفية، هذا التحدي يزداد مع كل ساعة تمر بفعل ثورة الاتصالات المتعاظمة والمتسارعة، وهنا دعوني أدعو مؤتمركم هذا إلى أن يخرج بتوصيات ومقترحات واتفاقات تفضي إلى عمل مقترحات وحلول لكل تلك التحديات والاشكالات التي تعترض حاضر البشرية ومستقبلها.
أيها السيدات أيها السادة:
لا يوجد نموذج وحيد للديمقراطية، لكن توجد معايير ومبادئ وحيدة متعارف عليها يمكن الحكم بناء عليها على مدى الرشد وجودة النظم. إن معايير الحكم الجيد والرشيد تعد انجازا رائعا وسوف تكون أكثر أهمية وذات فوائد حاسمة حين يتم تحويلها إلى أهداف وبرامج أممية محددة وقابلة للقياس يتم تنفيذها ضمن خطط أممية وبرامج اقليمية تستهدف دول العالم لا سيما الدول النامية والأقل نموا.
مطلوب دورا أمميا واقليميا يفضي إلى تنفيذ كامل لاتفاقية مكافحة الفساد، والقضاء على جميع أشكال التمييز، واحترام حقوق المهاجرين والعمال وأسرهم، والقضاء على الأفعال العنصرية وكراهية الأجانب المتزايدة في مجتمعات كثيرة ، وتعزيز الوئام والتسامح بين المجتمعات. مطلوب صناديق وبرامج أوروبية مضمونة التمويل لقضايا هامة وملحة في عالم اليوم، مثل البيئة وكفالة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتماسك الاجتماعي وحقوق الأقليات ومكافحة الجريمة المنظمة يتم تمثيلها بالتنسيق مع المنظمة الأممية تخطيطا وتنفيذا وتقييما.
أتطلع أيها الأعزاء إلى أن يفضي مؤتمركم هذا إلى توصيات ومقترحات وآليات عملية، تفضي إلى تعزيز حقيقي للمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والعامة، وأطمح أن يساهم هذا المؤتمر في كفالة تشريعات ملزمة تضمن مشاركة المرأة في القوائم الانتخابية، وفي الحكومات التي تتمخض عنها بنسبة لا تقل عن ثلاثين بالمائة.
أيها الاخوات أيها الاخوة:
يشهد العالم اليوم ربيعا عربيا ممتدا خرج فيه الملايين من الشباب والنساء يعلنون توقهم للحرية والكرامة، ويضيقهم من دول الرشاوى والمحسوبيات والفساد والاستبداد، خرجوا جميعا مطالبين بإسقاط الأنظمة، ومواجهين استبدادها وقمعها بصدورهم العارية وإرادتهم الحرة، فتحقق لهم النصر وتحقق لهم سقوط تلك الأنظمة، وهم في طريقهم لبناء دولهم المدنية الديمقراطية الحديثة.
إن الربيع العربي يشبه الى حد بعيد الربيع الذي شهدته دول أوربا الشرقية ابان انهيار جدار برلين، مثل هذا الربيع الحر والشجاع المتطلع للحرية وللحقوق الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحتاج إلى موقف أوروبي وأممي مسؤول ومساند يفضي إلى كفالة التنمية المستدامة الشاملة والمتوازنة في كافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الدول. إن التحول الديمقراطي والإصلاحات السياسية العميقة التي تشهدها دول الربيع العربي، تتطلب نموا شاملا ومستداما معها. تتطلب إنجاز تحول واصلاح اجتماعي واقتصادي مماثل حتى لا يتعثر الاصلاح السياسي بتعثر الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، إذ لا تنمية ديمقراطية، دون تنمية اجتماعية واقتصادية، ولا تنمية اقتصادية دون تنمية ديمقراطية ودون إصلاح سياسي.
وهنا كذلك دعوني أدعو مؤتمركم هذا إلى تبني مبادرة سياسية تنموية شاملة تفضي إلى مساعدة الدول التي تشهد تحولا ديمقراطيا جماهيريا شعبيا، تبدأ بمساندة الانتفاضات الشعبية السلمية، وتمر بالحجز على أموال كافة الأنظمة التي تسقطها شعوب تلك الدول وإعادتها كاملة لهم، مثلما تعمل على ملاحقة ومحاكمة رؤساء تلك الأنظمة وكبار مسؤوليهم المدنيين والعسكريين الذين ارتكبوا مجازر ضد الإنسانية وتورطوا في قمع التظاهرات والمسيرات السلمية، وتكفل التنمية المستدامة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول.
أيتها الاخوات والاخوة، يا أحرار العالم:
في الوقت الذي تعقدون فيها مؤتمركم هذا عن الديمقراطية، يموت المئات والآلاف من أبناء الشعب السوري العظيم في سبيل الحرية والكرامة.
أيها الاعزاء:
تلك ساحات حلب وحمص ودرعا وحور والزور ودمشق وريفها وكل مدن وقرى سوريا المهدمة على رؤوس الرجال والاطفال والنساء والتي تشهد انتفاضة سورية شاملة تطالب بالحرية والكرامة فتتعرض لمجازر ضد الانسانية يرتكبها نظام بشار الأسد الفاشل والفاسد والمستبد.
دعوني أعبر لكم عن استيائنا الكامل لحالة الخذلان العالمي الشامل التي يتعرض لها الشعب السوري الشجاع. إن أمم وشعوب العالم بحاجه إلى أن تعبر عن التزامها الأخلاقي من خلال نصرة الشعب السوري.
هل أنا اتخلى عن واجبي الانساني في حماية وبناء السلام، إذ أدعو لإقامة المناطق العازلة والممرات الآمنة الكافية لحماية الشعب السوري من القاذفات وراجمات الصواريخ التي تحصد المئات والآلاف في مجازر يومية يرتكبها نظام بشار الاسد دون هوادة ضد أبناء شعبه. لا، من قال ذلك!.
إن حماية المظلوم تعد جوهر رسالة السلام، إن الانتصار للعدالة عبر مقاومة الظلم والاستكبار، إننا عبر ذلك ننتصر للسلام ونكفل بناء السلام ونشيّد الاستقرار، اذ لا سلام دون عدالة.
يا أمم ويا شعوب العالم: أنتم بحاجه لأن تبرهنوا على فطرتكم السوية ومعدنكم الإنساني بمشاركة السوريين آلامهم والانتصار لتلك العذابات. إن الجرح السوري النازف يضغط على ضميرنا الانساني بقوة، ولن يتوقف، حتى نثبت أننا بني الانسان نشعر بإنسانيتنا الواحدة وندافع عنها، أو تثبت أن الرحمة والالتزام الانساني لم يعد لهما مكانا في عالم اليوم، ولم نعد سوى أشكالا وصورا انسانية فقدت جوهرها ومعدنها النفيس.