كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في المؤتمر الدولي للطاقة البديلة بوسن - كوريا الجنوبية
الأرض أمنا جميعا.. ولا نحتاج للتذكير بذلك ، وهي السفينة التي تقلنا جميعاً .. وحين يخرقها أحدهم أو أحدنا غرق وغرقنا جميعاً .. المسؤولية تشاركية والمصير مشترك ، والأمر جدٌ لا هزل فيه. تعلمون أيتها السيدات أيها السادة كم هي الأخطار والكوارث التي تواجه حاضر أمنا الأرض ومستقبلها ..
وتهدد سلامتها وأمنها البيولوجي ونظمها الايكولوجية ، وكلها للأسف أخطار وكوارث غير مقدور على تحمل عواقبها الوخيمة إذا توقفت البشرية دون إيجاد حلول ومعالجات جادة ومسؤولة وشاملة.
تلك الكوارث التي عانت منها الإنسانية كثيراً لم تعد مجرد احتمالات وظنون وتوقعات غير مؤكدة ، هي كوارث محققه وتزداد مخاطرها يوماً بعد آخر ، هي كوارث ناتجة عن التضحية بسلامة الارض من أجل التنمية الاقتصادية ، نتيجة الاعتماد على الاقتصاد الاحفوري الذي يتسبب يوماً بعد آخر في دمار هائل للبيئة ، وزعزعة الأمن البيولوجي للأرض ، وتدمير نظمها الايكولوجية ، وباضرار صحية بالغة الخطورة على جميع الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان.
أيها السادة ..
إن عالماً مفعماً بالاستقامة والاستدامة والالتزام هو مانسعى إليه ، ومانناضل من أجله ، لن يكون ذلك ممكنا إذا ظل كل واحدمنا أفرادا وشركات وأنظمة وحكومات ، يتصرف بالأمن والسلامة البيولوجية وكأن الأمر لا يعنيه ، إن انطلاق الغازات الدفينة بلا حابس ولا رادع .. من شأنه أن يدمر تماماً مستقبل الأرض وحاضرها.
إن ضميرنا الإنساني يطالبنا بإلحاح ... ويدعونا إلى أن نتصرف بمسؤولية مشتركة .. وأن نتقاسم المسؤوليات في سبيل حماية أجيالنا القادمة وبيئتنا المشتركة .
ولأجل ذلك نحن بحاجة ماسة إلى تغيير نظام الطاقة العالمي التقليدي المعتمد على الوقود الاحفوري ، إلى نظام مرتكز على الطاقة البديلة .. أو مايسمى بالطاقة النظيفة والطاقة الخضراء .. والتي تتولد بصورة طبيعية وبصفة مستمرة ومصدرها الاساسي الطبيعة كالاشعاع الشمسي والرياح والمياه ودوران الارض وحرارة جوفها. إن الطاقة الخضراء هي المخرج الوحيد للكرة الأرضية من المأزق الاقتصادي والبيئي الذي يضعها فيه الوقود الاحفوري بأنواعه.
نعلم أيها الأعزاء .. أن هناك الكثير من الصعوبات العملية التي تقف أمام تحقيق هذه الغاية النبيلة ، المتمثلة بالتخلي عن الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقة الخضراء المستدامة ، نعلم أن الأمر يحتاج الى إمكانات ضخمة لضمان تلبية ذلك الطموح ، لكن ليس أمامنا خيار سوى التغلب على تلك التحديات والمعيقات والانتصار عليها وبصورة عاجلة وملحة، إن تعاظم ظاهرة الاحتباس الحراري لايعطينا فسحة من الوقت ، هذا التعاظم يجعل من الضروري بمكان علينا المضي في خيار الطاقة البديلة ويحتم علينا ان نوليها اهتماما غير مسبوقا ومسؤولا كونها الخيار الآمن والوحيد امام اجيال الحاضر والمستقبل لتفادي الانبعاثات الكربونية الضارة المرتبطة بالطاقة التقليدية .
نعلم ايها الأعزاء أيضاً .. إن الانتقال الشامل والملموس الى الطاقة الخضراء سيؤدي إلى إنخفاض الكوارث الطبيعية الناتجة عن الإنحباس الحراري.والوقاية من تشكل الأمطار الحامضية التي تلحق الضرر بكافة أشكال الحياة. كما أنه سيحد من النفايات الضارة بكافة أشكالها الغازية والسائلة والصلبة ، وسيعمل على حماية كافة الكائنات الحية وخاصة المهددة بالإنقراض وحماية المياه والثروة السمكية من التلوث ، فضلا عن المساهمة في تأمين الأمن الغذائي. وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية نتيجة تخلصها من الملوثات الكيميائية والغازية. إن الاعتماد على الطاقة البديلة سيكون له دورا حاسماً في الحفاظ على الموارد الطبيعية وحفظ النظم الاكلوجية للارض وضمان سلامة تنوعها البيولوجي.
أيها الأعزاء :
لحسن حظ الدول النامية والأقل نموا أنها الأوفر حظاً في امتلاك مصادر الطاقة الخضراء ، إن استخدام الطاقة الخضراء في هذه الدول.. سيحقق التنمية المستدامة بكافة ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، لأنها طاقة متجددة غير قابلة للنضوب في المستقبل ، ولا تؤثر سلبا على صحة الإنسان و البيئة . فضلا عن أنها تعمل على تحسين معيشة الإنسان والحد من الفقر لاسيما في وسط النساء والفئات المهمشة كما أنها ستكفل اشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ان الاستثمار في هذا المجال يحقق فوائد ضخمة على صعيد الحد من الفقر فهو يخلق فرص عمل جديدة لقطاع واسع من سكان العالم الذين يفتقرون الى الحق في التنمية بسبب عدم حصولهم على الكهرباء والمياه لاسيما في وسط النساء والشباب ، وبالتزامن مع تلوث أقل وضمان صحة عامة أفضل مع تحسين كبير وملحوض للأمن الغذائي.
ولعل من نافلة القول التأكيد هنا بأن الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر سيعزّز قدرتنا على إدارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام، وسيزيد من كفاءة استخدام الموارد ويقّلل من الهدر بفضل انخفاض الآثار السلبية على البيئة .
أيتها السيدات أيها السادة:
اذا كنا نعترف بضرورة تعزيز الوئام مع الطبيعة واذا كنا نعترف فعلا بحقوق الطبيعة في سياق تعزيز التنمية المستدامة فإن علينا ان نلتزم بتحقيق توازن عادل بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأجيال الحاضرة والمقبلة وذلك باتباع مناهج شاملة ومتكاملة في التنمية المستدامة تسترشد ﺑﻬا الإنسانية من أجل العيش في وئام مع الطبيعة وتفضي إلى بذل جهود لاستعادة عافية النظام الإيكولوجي للأرض وسلامته .
أيها الأعزاء ..
- نحن بحاجة الى جهود عالمية سريعة وعاجلة يشترك فيها القطاع الخاص والحكومي وتتظافر فيها الجهود الوطنية والاقليمية والدولية على نحو مسؤول وجاد وبشكل شامل ومضطرد ومستدام ، يضع السياسات والخطط والبرامج الملزمة المحددة والمزمنة للانتقال الكامل والشامل إلى الاقتصاد الأخضر.
- نحن بحاجة ماسة إلى صناعات تنمو وتتطور معتمدة على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وسيكون على رجال الأعمال وحكومات دول العالم العمل الجاد والعاجل والمسؤول للإستثمار في مشاريع " الطاقة الخضراء" التي تبتعد بالإقتصاد عن استراتيجيات الطاقة التقليدية المعتمدة على إطلاق الغازات السامة وانبعاثها
- هناك حاجة ماسة لدعم الجهود التي تبذلها البلدان النامية لتنفيذ سياسات الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية والقضاء على الفقر، ومَدِّها بالمساعدة التقنية والتكنولوجية اللازمة وتوظيفها في بناء القدرات وإتاحة اﻟﻤﺠال لتبادل الخبرات والمعارف في مختلف مجالات التنمية المستدامة.
- هناك حاجة ماسة ايضا لتعزيز وتعميم الاجراءات التي اتخذتها العديد من دول العالم في إعتماد الطاقة الخضراء واختيار البدائل النظيفة التي تناسب بيئتها ، وكمية إستهلاكها للطاقة ، وكيفية بنائها لمدن خضراء خالية من الملوثات ذات أبنية خاصة صديقة للبيئة ، وكيفية دعمها للمشاريع الزراعية والصناعية التي تعتمد على الطاقة الخضراء وتأمينها لاحتياجاتها من المستلزمات التقنية التي تكفل تأمين إحتياجاتها من تلك الطاقة النظيفة .
- هناك حاجة ماسة إلى خلق وايجاد وتعزيزما بات يعرف بالمواطنة البيئية المرتكزة على الفرد الواعي والمتحمس لقضايا البيئة والصديق لها والمستوعب لها ، هذا امر حاسم وجوهري فى تحقيق التنمية المستدامة ويمكن أن يسهم بشكل كبير وفعال في مواجهة كافة التحديات البيئية في الحاضر والمستقبل.
- لاتزال هناك حاجة ماسة ومتصاعدة الى اتخاذ إجراءات عاجلة حيال كافة أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة في الطريق الى تحقيق مبدأ الاستدامة البيئية، وتعزيز حفظ التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية واستغلالهما استغلالا مستداما، وتجدّد الموارد الطبيعية، وتعزيز النمو العالمي المطرد والمنصف والشامل للجميع.
- هناك ضرورة ملحة لإتخاذ تدابير وسياسات وبرامج كافية تضمن كفاءة استخدام الطاقة الخضراء في التخطيط الحضري والمباني والنقل، وفي إنتاج السلع والخدمات ، وفي تصميم المنتجات مثلما تزداد اهمية تنويع مصادر الطاقة البديلة، بما في ذلك تشجيع البحث والتطوير في جميع المجالات.
ايتها السيدات والسادة:
يمكن القول انه وبرغم وجود العديد من مصانع توليد الطاقة البديلة في مختلف أنحاء العالم، إلاّ أن استخدام الطاقة النظيفة لم يحلّ مكان الطاقة التقليدية في أي بقعة من العالم .
ولا أنسى أن أذكركم أيها الأعزاء .. ان قمة ريو وما تمخض عنها من اتفاقيات ومواثيق لم تكن مجرد اوهام واضغاث احلام تتحدث عن اخطار محدقة لاوجود لها وعن حلول مفترضة لاسبيل للوصول اليها ، بل على العكس من ذلك كنا بدأنا نلمح بعض التحديات والأخطار الضارة بالأرض بسبب تغير المناخ ، و أما اليوم فقد أضحى العديد من تلك المخاوف التي كانت تبدو بعيدة، واقعًا ملموسًا بتداعيات خطيرة ، من انتشار للزلازل والفيضانات وكذلك انقراض بعض الكائنات والتصحر وتدهور الأراضي واحتراق الغابات بصورة متسارعة . لقد حملت قمة ريو رؤية استشرافية استطاعت ان تنفذ الى عمق وجوهر التحديات والمخاطر التي تهدد مستقبل البشرية وحاضرها القريب .. مثلما وضعت النقاط على الحروف حول العديد من الآليات والبرامج المتعددة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة ، تنمية لاتضحي بسلامة الارض في سبيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبرغم ماتحقق من تلك الآليات والبرامج ، الا ان الفجوة لاتزال هائلة بينها وبين ماقطعت الدول من التزامات وتعهدات في الاتفاقات والمبادرات والاعلانات العالمية منذ قمة ريوا وبرنامج القرن الواحد والعشرين واعلان الالفية وبرنامج اسطنبول ، لاتزال قمة ريو وماتلاها من قمم حملت معاهدات واعلانات مضيئة وفارقة في تاريخ الانسانية تدعونا لوضع الأبعاد البيئية والاجتماعية والسياسية للتنمية المستدامة على قدم المساواة مع البعد الاقتصادي بحيث تعطى نفس الوزن في عمليات التنمية الاقتصادية.
أقول .. على الرغم من العهود والاتفاقات التي صادقت عليها دول العالم منذ قمة الارض واعلان الالفية وجدول اعلان القرن والواحد والعشرين والعشرات من الاتفاقيات الاخرى التي قضت بضرورة ايلاء حماية البيئة والاخذ بسياسة التنمية المستدامة متعددة الابعاد ، إلا أن السنوات العشرين التي مضت منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام ١٩٩٢لم تشهد سوى تقدما طفيفا في مجال التحول نحو الاقتصاد الاخضر والتخفيف من استخدام الوقود الاحفوري وهو ما يدعونا الى توجيه الدعوة بضرورة تنفيذ كافة الالتزامات المقطوعة سابقا في تلك الاتفاقات اذا اردنا حاضرا مستقرا ومستقبلا آمنا.
ايها الاعزاء ..
بعد أسابيع قلائل ، وليس أشهر سينتهي العمل باتفاقية كيوتو المتعلقة بحماية المناخ ، هناك اسئلة كبرى مقلقة تتطلب اجابات تتمتع بقدر كبير من المسؤولية، بقلق بالغ يتسائل سكان كوكبنا الأرض، هل ستبقى معاهدة كيوتو الدولية لحماية المناخ ، حلا دولياً ناجعاً لمشكلة التغير المناخي ؟ ام انها قد غدت او على الأقل في طريقها لأن تغد مجرد حبر على ورق؟
ما الذي انجزناه منها؟ ما الذي تبقى؟ ، كم حجم الفجوة في التنفيذ؟ كم حجم القصور؟ ماالذي أعددناه لتنفيذ الاتفاقية؟ ماالذي فعلتموه بخصوص تجديد اتفاقية كيوتو والمصادقة عليها وتطويرها؟ وقبل ذلك ماالذي فعلتموه من أجل تطبيقها والوفاء بالتزاماتكم تجاهها ؟
أيها الأعزاء .. ستحملنا الأجيال القادمة مسؤولية الإجابة القاصرة عن هذه الأسئلة.
أيتها السيدات أيها السادة:
إن سلامة الأرض تستحق الكثير والكثير من الجهد والعمل .. لكننا نمضي بخطوات بطيئة للغاية .. مقابل خطوات متعاظمة ومتسارعة في مواصلة العبث بالأمن البيئي والصحة البيئية.
واسمحوا لي أيها الأعزاء أن أدعوا ومن خلال مؤتمركم الهام هذا .. الى تجديد التوقيع على بروتوكول كيوتو الذي ينتهي سريانه في كانون أول/ ديسمبر 2012، وحتى لاتنهار امال الانسانية في تطبيق معاهدة كيوتو الدولية لحماية المناخ ، دعوني أدعوا دولة " كندا " التي انسحبت من معاهدة كيوتو الى التراجع عن انسحابها والمضي بالشراكة وبروح المسؤولية وتقاسم اعبائها في الدفع بتنفيذ نصوص معاهدة كيوتو ، وكذلك أدعوا الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهما الدولتان اللتان لم توقعا على اتفاقية معاهدة كيوتو ، على الرغم من أنهما أكبر الدول الصناعية في العالم، ادعوهم إلى التوقيع والمصادقة عليه ، ومالم فبالتأكيد سوف تتعثر الجهود الدولية لحل مشاكل تغير المناخ بشكل كلي او جزئي اذا ظلت هاتين الدولتين تلعبان دور بالغ الاهمية في التأثير على البيئة سلبا وايجابا خارج الجهود الدولية.
ومالم يشمل بروتوكول كيوتو الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية الصين الشعبية صاحبتي أكبر قدر من الانبعاثات ، فسيبقى وستبقى اي اتفاقات او بروتوكول في هذا السياق غير فعال وقليل الجدوى.
دعوني أختم كلمتي بالقول .. إن التضحية بسلامة الأرض من أجل التنمية الاقتصادية ، جنون ليس بمقدور البشرية تحمل نتائجه وعواقبه الوخيمة، فانظروا ماأنتم فاعلون.