كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في مؤتمر جمعية المعلمين وأساتذة الجامعات الدولية - بوسطن/أميركا
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في مؤتمر جمعية المعلمين وأساتذة الجامعات الدولية NAFSA، بعنوان "الربيع العربي ودور الجامعات والطلاب في تعزيز الحريات والديمقراطية"، فيما يلي نصها:
مصدر فرح كبير بالنسبة لي أن أكون بينكم، وما يجعل سعادتي مضاعفة أني أحمل تقدير خاص للطلاب ومقاعد الدرس والمعرفة، فمن هنا، يتغير العالم. في 2011 ومن بوابة جامعة صنعاء اندلعت ثورة سلمية كبرى ضد نظام عائلي عصبوي فاسد ومراوغ. لطالما اعتبرت الجامعات ساحات للنضال من أجل الحرية والعلم وهما قضيتان أساسيتان تحتلان الصدارة لدى أي أمةٍ تتوخى التقدم والازدهار.
في الدول المتقدمة ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية هناك إيمان بأهمية الحرية والعلم معا، على خلاف الدول التي تتبنى سياسات شمولية واقصائية، فهي غالبا تحارب الحرية وتحتقر العلم.
تسعى الأنظمة الاستبدادية لنشر الجهل، وفرض قيود على الحريات بما في ذلك حرية البحث العلمي، تصوروا معي وضع الاساتذة والطلاب في الدول التي تعاني من الحكم الشمولي، هل تتوقعوا أن يكونوا احرارا في آرائهم واختياراتهم وتفضيلاتهم؟ هل يمكن أن يصدر بحث أو دراسة أو مناقشة حرة أو محاضرة تناقش الأوضاع القائمة بحرية، أو حتى بجزء من الحرية؟.
أنتم هنا تقومون بانتخاب اتحاداتكم وقياداتكم الطلابية دون وصاية، هل تتوقعون أن يكون هذا النموذج الديمقراطي موجودا في جامعات الدول الاستبدادية؟
بالتأكيد لا. في جامعات هذه الدول ذات التوجه الواحد، لا يوجد حرية علمية كما لا يوجد حرية سياسية، ويتم اعتقال الطلاب وقتلهم، ويتم اعتقال الاساتذة والزج بهم في السجون بتهم الخيانة ونشر الأفكار الهدامة، وعندما نفتش عن هوية هذه الأفكار الهدامة نكتشف أنها الأفكار التي تحض على المساواة وعلى حقوق الإنسان وعلى نقد الاستبداد.
لنتحدث بصراحة، الأنظمة الشمولية تعتبر الجامعات مكان مشبوه، ولذا تقوم بزرع الجواسيس في أرجاءها وتفخر بذلك، وتقوم بوضع القوانين والتعليمات التي تقيد أي محاولة للتفكير الحر. سوف أسرد عليكم جانبا من الانتهاكات التي يتعرض لها الطلاب والاساتذة الجامعيون في العالم العربي لتدركوا أن الاستبداد السياسي لا يكتفي باحتكار السياسة، بل تمتد سيطرته إلى كل مناحي الحياة، وفي مقدمتها المدارس والجامعات.
في اليمن، عندما احتلت ميليشيا الحوثي صنعاء ومحافظات أخرى في 21 سبتمبر 2014، اتجهت لاختطاف العشرات من الطلاب الذين كانوا يعبرون عن رفضهم لتواجد عناصرها المسلحة داخل جامعاتهم، وبعضهم تعرض لعمليات تعذيب قاسية، وبالإضافة إلى ذلك تم تهديد الأساتذة الذين كانوا يتحدثون بصراحة عن ما يحدث. تصوروا هل سيبقى هناك حرية من أي نوع في ظل سيطرة الميليشيات؟، هل سيبقى هناك محاضرات ودورس وطلاب؟. كما تعلمون، يتم تجنيد الأطفال من قبل ميليشيا الحوثي والدفع بهم لجبهات القتال، إن هذا السلوك بقدر ما يمثل اعتداء على الطفولة والإنسانية، فإنه يمثل تهديدا للمستقبل، فعلى الأرجح، لن يستطيع معظم هؤلاء العودة إلى المدارس واستعادة حياتهم الطبيعية بسهولة، سيكون من المهم تأهيلهم من جديد.
إن المجتمع الجامعي يعد من المجتمعات الواعية والعقلانية، لذا يظل دورها أساسي في دعم القيم الديمقراطية والحريات، وفي تحديث المجتمع واستمرار حركة الابداع العلمي، وإذا كان هذا متوافرا في دول ديمقراطية مثل الولايات المتحدة فإن الوضع ليس على هذا النحو في الدول الاستبدادية التي تفرض على معظم أساتذة الجامعات أن يكونوا أبواقا لسياساتها القمعية تحت شعارات واهية وغير حقيقية، ويصل الأمر ببعض هؤلاء إلى تضليل الناس بطريقة تدعو للرثاء حقا، والأخطر القيام بلعب أدوار ليست من صميم تخصصاتهم مثل التجسس على طلابهم.
تسعى الأنظمة غير الديمقراطية إلى احتواء الجامعات وتدجين الاساتذة والطلاب، لكن التاريخ يعلمنا أن أي نجاح في هذا المجال لا يستمر طويلا، فهناك شيء ما داخل الجامعات وفي نفوس الطلاب يجنح للتمرد وإلى الحرية، وإذا وجد معلمون وأساتذة يدركون حقيقية دورهم فإن النتائج غالبا ما تكون عظيمة. كما قلت لكم، لست مقتنعة بأنه يمكن أن يكون هناك أبداع علمي دون حرية، وأظن أن كثيرين مثلي لديهم نفس القناعة.
في العالم العربي، هناك إيمان متعاظم بأهمية التغيير، على الرغم من التحديات الضخمة التي تقف في طريقه.
في أواخر 2010 ومطلع 2011، قررت الشعوب العربية ازاحة العار الذي يلاحقها منذ عقود، العار هو الاستبداد، هو الظلم، هو اعتقال المعارضين واهانة الخصوم بطرق شديدة الانحطاط والقسوة، هو الموافقة والترحيب بالانتخابات المزورة واعتبارها خيار الناس وقرارهم.
بعد مرور أكثر من أربع سنوات، على اندلاع ثورات الربيع العربي، يتساءل البعض هل هذا ربيع أم خريف؟، آخرون لا يخجلون من الكذب، فيصفون ثورات الربيع بأنها مؤامرة أمريكية وإسرائيلية للسيطرة على المنطقة العربية، ومحاربة الإسلام، ومما يؤسف له أن هذه التهم غير العقلانية والمضحكة في آن، تقوم بترويجها منابر اعلامية ودينية تتبنى الدفاع عن أنظمة استبدادية دونما شعور بالحرج، يقدمون كل تلك الاكاذيب بوصفها حقائق لا تقبل الفحص أو المراجعة.
لم يعد خافيا على أحد، أن الربيع العربي يواجه حرب مفتوحة، فالشباب والفتيات الذين خرجوا للشوارع والساحات واختاروا طريق التغيير السلمي، تم مواجهتهم بالقمع والقتل والاعتقالات التعسفية، وعندما فشلت هذه الإجراءات والحيل في إعاقة حركة الجماهير، تم إخراج الجماعات والحركات المتطرفة من الكهوف والمخابئ، وبدلا من أن تكون الجهود منصبة على تأسيس ديمقراطيات حقيقية أصبحت الجهود منصبة بالكامل على محاربة الإرهاب والتطرف، لكن هذه الحرب ليست نزيهة بصورة مطلقة كما قد يتصور البعض، فتحت هذه اللافتة يتم التخلص من بعض القوى السياسية الفاعلة والتي تحظى بشعبية جماهيرية.
إن ما يثير الحزن والارتياب في نفس الوقت، هو مواقف الدول الغربية التي طالما تحدثت عن أهمية الديمقراطية، واحترام الحريات وحقوق الإنسان، هذه المواقف الرمادية والمتواطئة ضد الربيع العربي تكشف أن هذه الدول ليست مرحبة بعد، بأن يقوم المواطنون العرب باختيار حكامهم بكل حرية واستقلال، خوفا من أن تتأثر مصالحهم التقليدية بوصول حكومات وطنية منتخبة لسدة الحكم.
وكما قلت في محاضرة سابقة، فإن هذا التواطؤ الغربي مع مخططات ضرب وتشويه الربيع العربي يكشف مدى هشاشة اتهام الشباب العربي الذي قاد موجة التظاهرات التي أدت لإسقاط أعتى الانظمة العربية وأكثرها فسادا وقسوة بالعمالة للغرب، فيما الحقيقة أن تلك الأنظمة كانت دائما تنحاز للتضحية بمصالح شعوبها لمصلحة من تعتقد أن رضاءهم أمرٌ جوهري لاستمرارها في السلطة، وهو الأمر الذي لم يتحقق نتيجة اعتمادها سياسات لدعم الفساد والسرقة على نحو جعلت كثير من التقارير الدولية المنصفة تصفهم بالمافيات القذرة.
في هذه اللحظة، ليس هناك أدنى شك في أن الربيع العربي يعيش أوضاعا صعبة، فالحروب والفوضى وصعود الجماعات المتطرفة يجعل كثيرين يتبنون مقولة أن الربيع العربي ليس إلا خريف، بل بردٌ قارس. بكل رحابة صدر، أود أن الفت عنايتكم أن الثورات ليست حدثا عابرا في التاريخ، بل عملية مستمرة ومعقدة، وفي هذا الصدد ندرك حجم الصعوبات التي تعترض طريقنا، لكننا مصممون على انتزاع حقوقنا وحريتنا، ولن نستسلم للمنطق القائل: عليكم الاعتراف بأنكم غير مؤهلين للديمقراطية والتغيير، هذا لن يحدث. على العكس من ذلك تماما، إن هذه الحرب ضد الربيع العربي لن تجبرنا على التراجع، بل تجعلنا أكثر اقتناعا بأن ما قمنا به كان صائبا جدا.
هناك مخاوف كثيرة من أن تتحول ثورات الربيع إلى حالة فوضى دائمة، والحقيقة أن هذه مخاوف مشروعة، لكن ما هو الحل من وجهة نظر أولئك الذين يبدون قلقا متزايدا حيال ذلك؟.
التوقف عن المطالبة بالحرية والديمقراطية، والقبول بأنظمة شمولية، هل هذا يمكن أن يشكّل حلا عقلانيا وعادلا؟
باعتقادي أن مواصلة النضال السلمي والاستفادة من الأخطاء السابقة، سوف يوصلنا إلى نتائج جيدة، وسوف يجبر الآخرين الذين يراهنون على تعبنا، أن يحترموا أرادتنا. لكن كيف يمكن المحافظة على هذه الثقافة، ثقافة التغيير السلمي، في ظل هذه الحروب والفوضى؟.
ما زلت أعتقد أن الشباب العربي يؤمن بالسلمية، ويرى أن هذا هو الخيار الأنسب لإحداث التغيير المنشود. والقوى التي اختارت طريق الحرب هي القوى التي كانت ولا تزال ترى في ثورات الربيع العربي مؤامرة خارجية وخيانة وطنية.
مخاض صعب تمر به المنطقة العربية، لكن ما يجعلني اتفاءل بالمستقبل، أن المستبدين والمتطرفين على حد سواء أظهروا فاشية وهمجية جعلت من الصعب تقبل أفكارهم التي كانت تلقى نوعا من القبول لدى بعض الفئات، لقد صاروا منبوذين، وهذا أمر مهم للغاية، حتى يمكن لنا بناء نموذجنا الخاص، والذي هو نموذج مدني ديمقراطي يحترم قيم المواطنة وحقوق الإنسان، يجب أن يظلوا منبوذين.
لكن هل تستحق هذه الديمقراطية والحرية كل هذه التضحيات، يسأل البعض بتشفٍ أو بشفقة؟.
بالنسبة لي، لا أعرف شيئا أكثر أهمية من الحرية، وكما قلت في مناسبات سابقة: من حقنا أن نعيش أحرارا، بل هو واجبنا، ستكون الحياة بلا قيمة إذا تنازلنا عن حريتنا وكرامتنا، ولذا نحن مستعدون أن ندفع كل الثمن الذي يجب دفعه من أجل أن نكون كما نريد لا كما تريد سلطة غاشمة أو جماعة فاشية.. لايجب أن نبحث عن حلول رمادية لمسألة مثل الحرية..
استطيع القول أن الربيع العربي حقيقة، لكنه ككل الأشياء الجميلة يواجه بكل قوة وتصميم قوى الاستبداد والفساد والإرهاب التي اجتمعت في لحظة تاريخية للحفاظ على تواجدها ومصالحها، ولا شك أن هذه المواجهة غير متكافئة، لكن قيم الخير وارادة الشعوب سوف تنتصر في النهاية.
إنه يجدر بالمجتمع الدولي أن يدرك أهمية الربيع العربي والديمقراطية في إحلال السلام في العالم، فوفقا لكل الاحصائيات، تكاد تنعدم الحروب بين الدول الديمقراطية، إن الديمقراطية هي الضمانة الأساسية لعدم نشوب الحروب وانتعاش التطرف والإرهاب، هذا طبعا يزعج شركات السلاح، لكنه لا يزعجني أو يزعجكم، نود أن نعيش في أمان وحرية أيضا.
قبل أكثر من مائة عام، توفي عبدالرحمن الكواكبي وهو مفكر عربي وإسلامي شديد الأهمية، وتنبع أهميته في مقارعته للاستبداد، وقد نشر عدة مؤلفات في هذا الاتجاه، ويعد كتابه "طبائع الاستبداد"، بمثابة دليل للتعرف على بشاعة الاستبداد بكل أنواعه، فالاستبداد كما يقول الكواكبي: يتصرف في أكثر الميول الطبيعية والاخلاق الفاضلة، فيضعفها أو يفسدها.
إننا عندما نقف في وجه الاستبداد، ليس لأنه يحتكر السياسة، لكن لأنه يقتل كل شيء، يجعل الحياة دورة عذاب لا تنتهي إلا بالموت.
قبل أن أختتم هذه المحاضرة، أود أن اعرج على الوضع في اليمن. في 2011 قمنا بثورة شبابية شعبية ضد نظام عائلي فاسد، وبسبب الظروف المعقدة في اليمن، ولتجنب أي انزلاق للحرب، فقد قبل اليمنيون بالمبادرة الخليجية التي تضمنت خروجا مشرفا للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وإعادة هيكلة الجيش الذي كان يعاني انقساما بين الثورة والمخلوع صالح، وعقد مؤتمر وطني شامل يضع الأسس العامة لبناء الدولة الجديدة وكتابة دستور جديد.
تم انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي، وجرى عقد مؤتمر وطني شامل شارك فيه مختلف القوى بما في ذلك جماعة الحوثي، وتوصل المؤتمر بعد مناقشات استمرت حوالي 9 أشهر إلى مخرجات وقرارات من ضمنها تشكيل لجنة لكتابة دستور يتم الاستفتاء عليه شعبيا، كانت الأمور تسير ببطء، لكن المهم أنها كانت تسير في الاتجاه الصحيح.
انتهت لجنة وضع الدستور من أعمالها، وبدا أن الامور في طريقها لنهايات سعيدة، لكن الحوثيين والمخلوع صالح الذي لا يزال يملك نفوذا داخل الجيش، قاموا بانقلاب صريح على السلطة الشرعية، وقاموا باحتجاز الرئيس ورئيس الحكومة واعضاءها، وأعلنوا بيانا دستوريا يضع السلطة في أيديهم، وعندما تمكن الرئيس من الهرب إلى عدن، لاحقه المتمردون إلى هناك وقاموا باستخدام الطيران لضرب القصر الجمهوري هناك.
كل ذلك تم بدعم ايراني غير محدود، وإزاء ذلك قام الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي بمخاطبة الدول العربية للتدخل عسكريا، وهو ما حدث بالفعل.
منذ شهرين وهناك حرب في اليمن، ومعاناة الناس في ازدياد، ومع ذلك هناك فرصة لإحلال السلام في اليمن، وباعتقادي أن البداية يجب أن تكون من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 بشكل نزيه، والعمل على إقرار قانون وإجراءات حقيقية في ما يتعلق بالعدالة الانتقالية، فلا يمكن تحقيق سلام دائم دون تحقيق العدالة، ومن ضمن الإجراءات التي يجب القيام بها هو نزع سلاح جميع الجماعات واللجان الشعبية، بحيث تصبح الدولة وهو الأمر الطبيعي هي الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح، وفي هذا الإطار يجب إعادة بناء الجيش بحيث يصبح جيشا وطنيا يدافع عن مصالح الشعب وليس السلطة القائمة أيا كانت.
في ختام هذه المحاضرة، أجدد تأكيدي أن الربيع العربي سيخرج من هذه الحرب منتصرا، فالله ونحن لن نقبل بعودة الاستبداد مهما كانت التضحيات. لديّ يقين وأكاد أرى الشعوب العربية وهي تعيش الديمقراطية والحريات مثل الآخرين، إن الذين يحاولون القول أن هذا محال، أقول لهم: متى عرفت الشعوب اليأس ومتى قبلت العيش بلا كرامة؟.
كفاحكم من اجل مجتمع المعرفة يعزز كفاحنا من اجل بناء الديمقراطية والسلام وكفاحنا من اجل الديمقراطية والحقوق والحريات يعزز كفاحكم من اجل بناء مجتمع المعرفة والنور والتنوير .. أيها السادة كفاحكم هو كفاحنا وكفاحنا كفاحكم.