كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في فعالية الروح والفن..ثنائية السلام - اسطنبول
في البداية أود أن أبدي سعادتي بوجودي بينكم، أشكر حضوركم وتلبية دعوة مؤسسة توكل كرمان وقناة بلقيس للإفطار الجماعي، اعتقد انه من المهم أن نلتقي بين الفنية والأخرى في لقاءات كهذه،
فهذا يعزز من فكرة التواصل والترابط بيننا كما أتصور، وقد سعدت بأن مناسبتنا هذه تتضمن اطلالة على دور الفن الملتزم في الكفاح من أجل الحرية والنضال من اجل الشعب والدفاع عن السلام نقاشا وغناء.والحق ان سعادتي مضاعفة اليوم بمشاركة فنان كبير مناضل مثل رشيد غلام، فشكرا له وشكرا للعازفين الأتراك الذين سوف يرافقونه.
الأخوة والاخوات الأعزاء:
ندرك جميعا ما يمثله الفن في حياتنا، وكيف أنه يمنحنا القدرة على الإفصاح عن مشاعرنا ومواقفنا وانفعالاتنا بطريقة أكثر تأثيرا ورقيا، وكيف يساعدنا الفن في اكتشاف مواطن الجمال والقوة معا، وكيف أنه صورة من صور تحررنا، لذلك سعت الأنظمة الشمولية من خلال سياساتها القائمة على التجهيل والتخويف إلى ضرب المعنى الحقيقي للفن، وتحويله لعملية مملة من الإلهاء والرخص.
في عالمنا العربي، لا تتوانى الأنظمة القمعية في استهداف أي فنان يسعى ليعبر عن الواقع دون تزييف، ووضع العراقيل أمام أي عمل فني يساعد في الارتقاء بالمشاعر والمواقف، خوفا من الثورة والتغيير. تدرك الأنظمة القمعية كم هو الفن محرض على رفض الظلم، والانتصار للكرامة الإنسانية، ولذا تكرس جهودها لمنع ظهور وانتشار أي فن صادق تحت حجج وذرائع عدة، فالفن الذي يمارس التضليل على الشعوب، ولا يتحدث عن الواقع بصدق، هو انحطاط وتهافت وتصادم مع قيم المجتمع.
وهكذا يراد لنا أن نؤمن بأن الفن سلاح بيد الأنظمة وليس تعبيرا عن الروح الإنسانية ونافذة لتنفس الشعوب.
الاعزاء جميعا:
يقال أن كل فنان يكتب سيرة حياته، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكنه أيضا يكتب سيرة النظام بصورة أو بأخرى، فالفن الرديء هو مرآة للنظام الرديء، والفن الجيد لا يعيش طويلا إلا في ظل نظام سياسي يحترم الحريات وحقوق الإنسان، وحق الجميع في التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم، بعيدا عن الاكراه.
الأخوة والاخوات:
تعيش المنطقة العربية مرحلة بالغة الحساسية، فمنذ ثورات الربيع العربي قبل ثمان سنوات، والاحداث تتوالى وتتوالى، وفي حين كان شباب الربيع العربي يعبرون عن أهمية تحول دولهم إلى دول ديمقراطية حقيقية، كانت هناك دول وأنظمة ديكتاتورية تعمل في الخفاء والعلن لإعادة عقارب الساعة للوراء، وما مشاهد الخراب والدمار والاستبداد التي تنتشر في اليمن وسوريا وليبيا ومصر إلا نتاج سياسات تلك الأنظمة التي تعادي الديمقراطية أكثر من أي شيء أخر.
لقد راهن الحكام المتسلطون في وطننا العربي على فكرة تخريب كل شيء حتى لا تفكر الشعوب بالديمقراطية مرة أخرى، فصنعوا المليشيات وصنعوا الحروب الأهلية، وصنعوا عملاء من داخل الجيوش ينقلبون على إرادة الشعوب التي تجلت في الانتخابات، وعمدوا إلى تقديم الأموال والرشاوي للغرب والشرق حتى يتمكنوا من دحر الربيع العربي، وفي اللحظة التي اعتقدوا أنهم سيطروا على كل شيء، جاءتهم الضربة من الجزائر والسودان، وها هم الآن يحاولون النفاذ إلى هاتين الدولتين، وتحويل ربيعهم إلى خريف.
دول مثل السعودية والامارات تخشى الثورة ولو كانت في موزمبيق أو دولة بأقصى أمريكا الجنوبية.
لكن هذه المعركة التي يتحد فيها المال الخليجي والتواطؤ الغربي والعصابات المحلية برغم شدتها وقسوتها في أحيان كثيرة إلا أنها سوف تبوء بالفشل في النهاية، فشعوبنا تريد أن تعيش في حرية، وهم يريدونها أن نعيش في ظل سلطتهم التحكمية، وشعوبنا تريد تداولا للسلطة بحيث يكون الأمر محل تنافس بين الناس بلا تمييز أو أقصاء، وهم يريدونها حقا خاصا لهم، سواء بالادعاء أنهم يمتلكون أفضلية دينية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، وشعوبنا تريد أن تصان كرامتها داخليا وخارجيا، وهم يريدونها شعوبا بلا كرامة يتم استباحتها ورهنها في بازارات دولية، وشعوبنا تريد أن يكون هناك عدالة في القضاء، وهم يريدونها شعوبا مجردة من حقوق التقاضي العادل والمنصف.
الأخوة والاخوات:
إن المعركة التي تدور بين الربيع العربي والثورة المضادة هي معركة بين الحق والباطل، ومواجهة بين الحرية والعبودية، ونزال بين الصدق والزيف، بين الدين الحقيقي والدين المزيف، دين السلطان الذي يرى نفسه فوق النقد والمساءلة وفوق كل شيء.
عندما ينتصر الربيع العربي سيعود كل شيء إلى صورته الجديرة بالاحترام، فالمواطنة سوف يتم تجسيدها في واقع الناس ومعاشهم، والدين لن يكون جزءا من لعبة سياسية، يصبح حرام الأمس حلال اليوم، وحلال الأمس حرام اليوم، دون تقديم ادلة مقنعة، والفن سيكون معبرا عن الناس، وعن طموحاتهم واخفاقاتهم واحلامهم، ومواقفهم.
الحقيقة.
أن انتصار الربيع العربي هو انتصار للإنسان العربي، وللإنسانية جمعاء، فالعرب في ظل حكومات منتخبة قادرون على تطوير بلدانهم، والحفاظ على ثرواتهم، والدفاع عن أمنهم ومقدساتهم، والاستفادة من عقول أبنائهم المصلحين والمبتكرين، لما فيه خيرهم وخير العالم.
لقد عانى العرب على مدى العقود الماضية من هزائم متكررة بسبب الاستبداد والتسلط، ويراد لهم أن يستمروا في هذه الحلقة الجهنمية إلى ما لا نهاية، والحل بكلمة واحدة: الحرية.
نعم الحرية هي أساس نهضة الشعوب وتقدمها وهذا جوهر ما خرج من أجله شباب وشابات الربيع العربي في ميادين تونس والقاهرة والإسكندرية وصنعاء وتعز وعدن وطرابلس وبنغازي ودمشق وحلب، والخرطوم ومدن الجزائر العظيمة.
أعرف أن هناك كتيبة من المتربصين الذين يتخفون وراء عمائم بيضاء أو سوداء أو صفراء سوف يقدمون وصفاتهم المعتادة لتشويه الحرية، لكن لا يجب الالتفات لأي صوت لا يهتز لمشاهد سحق الناس ورميهم في السجون والمعتقلات، يجب أن تكون معاييرنا واضحة بحيث نميز بين دعاة الحرية ودعاة العبودية، ودعاة الفضيلة ودعاة الرذيلة، وأتصور أن ما قبل الربيع العربي ليس كالذي بعده، فقد بات المواطن العربي أكثر إدراكا بالخطر الذي تمثله الأنظمة الاستبدادية على حياته ومستقبله.
الأخوة والاخوات:
ختاما، لا يفوتني أن انوه بجهود العاملين في مؤسسة توكل كرمان وشركة بلقيس ميديا وقناة بلقيس، أشكرهم جميعا على الأشياء الجيدة التي يقومون بها، متمنية لهم دوام التوفيق في حياتهم وعملهم.
شكرا لكم، شكرا لكم جميعا.