كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في حفل تأبين الرئيس المصري محمد مرسي - اسطنبول
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، كلمة خلال فعالية تأبين الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بعد مرور أربعين يوما على رحيله والتي أقيمت في مدينة اسطنبول التركية اليوم الجمعة، فيما يلي نصها:
السلام عليك أيها الرئيس الشهيد محمد مرسي..
السلام عليك وعلى روحك وهي ترفرف في ملكوت الله الواسع..
السلام عليك شهيد الديمقراطية في أربعينيتك التي جمعتنا هنا على نهجك والقيم التي آمنت بها ودفعت حياتك ثمناً لها..
السلام عليك وعلى كل شهداء الربيع العربي..
الأعزاء والعزيزات، الحاضرون جميعا؛
محمد مرسي الرئيس العربي الأول الذي صعد إلى كرسي الرئاسة بأغلبية أصوات شعبه ورسم بنضاله السلمي وإيمانه بالديمقراطية الطريق الحضاري لحل مشكلة السلطة في مصر والوطن العربي، وهو الطريق الذي يمثل بالمقابل مخرجا حديثا وسلميا وحضاريا للتيارات الاسلامية.
لقد تكلم كثيرون، وسيتكلم الكثيرون، حول محمد مرسي والإخوان المسلمين والثورة المصرية والاحداث التي شهدتها مصر والديمقراطية والانتخابات، وبين الاستنتاجات والمواقف والتوجهات ستبقى الحقيقة جلية وواضحة:
إن الطريق الذي مضى فيه تيار الاخوان في مصر "تأسيس حزب سياسي وتقديم نفسه كقوة سياسية تؤمن بالديمقراطية والدستور وتحتكم للشعب وأصوات المواطنين الناخبين" كان الحل الأمثل لأهم إشكاليتان واجهت العرب في العصر الحديث: أولهما، مشكلة السلطة ومن يحكم وبأي مشروعية وبأي آلية يصل لإدارة الدولة؟ والثانية: مشكلة الحركات الإسلامية والمراجعات المطلوبة منها، والتحولات المناسبة لإخراجها من كونها مشكلة إلى جزء من الحل.!
العودة إلى الصوت الواحد والزعيم الأوحد والحاكم بأمره ليس حلاً. لقد جرّب العرب الاستيلاء على السلطة بقوة الانقلابات، ولم يحصدوا سوى الإخفاقات والفقر والموت والبطالة والضياع والهزائم. فهناك ارتباط وصلة وثيقة بين زعماء الانقلابات وبين متلازمة الفقر والإرهاب والديكتاتورية.
لذلك، يأتي حديثنا اليوم عن محمد مرسي في سياق الرفض للاستبداد، وفي سياق الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية، وفي سياق التذكير بتواطؤ المجتمع الدولي، وجرائم الثورات المضادة.
الأعزاء، العزيزات جميعا:
إن الانقلاب على رئيس منتخب لأول مرة ديمقراطيا في مصر، واقتياده الى السجن وقتله بوسائل تعذيب عديدة، ليس واقعة عابرة نتحدث عنها لبعض الوقت ثم ننصرف لمشاغلنا.
هذه محطة فاصلة في تاريخنا، عصية على التجاوز.
تجاوزها من قبلنا يأخذنا إلى التسليم بعبودية جديدة.
يراد تعميم نموذج السيسي عربيا من قبل عواصم الثورات المضادة. لذا فإن قبولنا بتجاوز الانقلاب على محمد مرسي يقودنا إلى الخضوع لأنظمة تفوق ديكتاتورية التأبيد والتوريث التي خرجنا للثورة عليها وأسقطناها بقوة الاحتجاجات السلمية في الساحات والميادين.
وبهذا المعنى، فإن دفاعنا عن مرسي هو دفاع عن قيمنا، وهي قيم منحازة للديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة. هذه حقوق يستحقها الناس لكونهم بشر وأيا كانت قناعاتهم وانتماءاتهم الحزبية.
هذا ليس كلاما قديما تجاوزه الزمن. هذه قيم معيارية لا تسقط بفهلوات اعلامية ومناشير الكترونية.
إما ان نحتكم لهذه القيم المدنية أو سنكون مساهمين بالصمت والتواطؤ في انبعاث نسخ قاتمة لصراعات صفرية تخاض فيها الصراعات من أجل اجتثاث الخصوم ومحوهم من على وجه الأرض.
من يجتث خصومه بإرهاب الدولة سيخلق شبيهه في الضفة المقابلة من تحت الأرض.
إرهاب الدولة والإرهاب المضاد ثنائية قاتلة ومدمرة لمجتمعاتنا وبلداننا.
لا يملك نظام السيسي أي مبررات لتسويغ إبادته لتيار سياسي بالانقلاب والقتل والاعتقال والتصفية في السجون. عن ما يؤسف له في هذا الشأن هو أن النظام السيساوي قتل القضاء المصري قبل أن يقتل مرسي.
هل سمعتم عن عشرات الالاف اخذوا من منازلهم وزُج بهم في السجون بتهمة الانتماء السياسي السلمي لحزب حظي بأصوات أغلبية المصريين في انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية ؟!
إنهم في غياهب السجون والزنازين. النظام الذي سحق رئيس منتخب حتى لفظ انفاسه في قاعة المحكمة وهو يتمتم بجملته الأخيرة " بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ " لن يكون رحيما بعشرات الألاف الذين لا يعرف العالم أسماؤهم ولم يسمع بهم أحد.
أي مستقبل لمنطقتنا تبشرنا به هذه الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان؟!
أي مستقبل تعدنا به الانقلابات الدموية وأنظمة الإبادة الجماعية!
يتحدثون كثيراً عن الاستقرار، وهم يعرفون أن مصر كانت مستقرة ولسانها حرا طليقا في السنة اليتيمة للرئيس الشهيد في حكم مصر.
ما الذي حدث! أطلقوا ثورة مضادة لاستعادة سلطة خرجت من أيديهم. تحركوا بأموال جاءتهم من الرياض وأبوظبي لوضع نهاية سريعة للديمقراطية الوليدة ووأدوها في المهد.
الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان واحدة من نتائج انقلاب السيسي على الديمقراطية، وهو ونظامه مسؤولان أمام العالم عن هذه الجرائم. هذا النظام له علاقات دولية، ومسؤولية منظمات حقوق الانسان العالمية حث الدول الكبرى على ممارسة الضغوط على نظام السيسي لإطلاق المعتقلين وإيقاف مهزلة استخدام القضاء للتنكيل بخصومه.
نناشد العالم من هنا من أجل إدانة الانقلاب وسياسات القمع وتكميم الأفواه وإرهاب اصحاب الرأي، وهي السياسات التي تدار بها مصر اليوم.
إن تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في موت الرئيس محمد مرسي واحتجاز الالاف منذ سنوات في السجون بات مطلبا ملحا أمام مجتمع حقوق الإنسان العالمي.
هل منظمات حقوق الانسان وشبكاته العالمية والعربية بحاجة إلى نذكّرها ببديهيات من نوع أن المفترض بها أن تفصل بين موقفها من الضحايا، ورأيها في قناعاتهم السياسية وما يمثلونه من اتجاهات ؟!
هل تحتاج الديمقراطيات العالمية أن نذكّرها كيف غضت الطرف عن نظام السيسي الانقلابي وهو يقتل ويعتقل ويعذب، لأن "ديمقراطيتها" المسوقة عالميا لا تنطبق على الإسلاميين حتى وهم يشكلون أحزاباً وينبذون العنف ويتجهون إلى تشكيل الأحزاب والنشاط السياسي السلمي!
نحن في عالم واحد. لن يطول الوقت ليدرك العالم مرة أخرى هذه الحقيقة التي تجاهلها بتأثير من فوبيا الإسلام. لا أحد يستطيع أن يبني أسوار العزلة في حدوده ليأمن سقوط أجزاء من هذا العالم في الحروب والفوضى واللادولة. ولا يستطيع ديكتاتور هنا وآخر هناك أن يحصن حدود طغيانه من رياح الحرية والديمقراطية التي لا تعرف الحدود ولا الجدران وإنما تعرف البشر دون تمييز بين شرق وغرب وبين أعراق وأديان هذا العالم
العالم الديمقراطي تخاذل وملأته المخاوف من إستقلالنا من ربقة المستبد " المستعمر الداخلي " التابع له الذي أستولى على دولنا ومصيرنا وقرارنا. خاف الغرب من سقوط الانظمة التوريثية والطائفية في بلداننا. ولنقل انهم عجزوا عن رؤية مصالحهم الحقيقية مع شعوبنا وأنهم لا يرونها الا في ديكتاتوريات تبيع مصالح شعوبها بأبخس الأثمان أمام الأجنبي.
الديمقراطية والتغيير والتبادل السلمي للسلطة نقيض الإرهاب والميليشيات الطائفية والجماعات العنفية بكل أنواعها.
عندما تحضر الحرية والديمقراطية والحقوق ودولة القانون يغيب الإرهاب والعنف وتجفف بيئته ومنابعه.
تواطأ العالم مع الثورات المضادة وتشابكت مصالح إقليمية وعالمية في مواجهة صيحات التغيير السلمي التي اطلقتها حناجر الملايين العزل من السلاح والقوة والمال والذين لا يملكون سوى إيمانهم بكرامتهم وحقوقهم كبشر وحقهم في المواطنة والمساواة والعدالة.
ختاما، أقول لكم؛ قتل مرسي في السجن لن يطوي صفحة الدستور والشرعية والانتخابات واحترام إرادة الناس، لن يكون بمقدور هذه الجريمة أن تثبت مسار الثورات المضادة، فملايين العرب يبحثون عن مستقبل مختلف ومغاير.
إن إيماننا بحقنا في اللحاق بالعصر وبدول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان الأساسية وتصونها، لا يخبو ولن تنطفئ شعلته مادام فينا نَفّسْ ينبض بالحياة.
دمتم جميعا أحرارا ومكافحين أشداء من أجل الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والدولة المدنية الحديثة.
والمجد للكفاح الإنساني المستمر عبر التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل من أجل الكرامة والمواطنة والعدالة والحرية والحياة الكريمة لكل البشر.