كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان بعنوان كفاح الشعوب العربية المستمر في سبيل الحرية - جامعة هارفارد
إنه لمن دواعي سروري أن نلتقي مجددا في هذا الصرح العظيم، جامعة هارفارد التي ترمز للمعرفة والعراقة والاحترام. وكأي انسان يؤمن بأهمية العلم وقداسته، أود أن أتقدم لكم بالشكر الجزيل على انتماءكم للعلم، وحفاظكم على مكانة هارفارد بين جامعات العالم، جامعة رائدة ومهمة.
الأصدقاء الأعزاء
يموج العالم بقضايا وملفات كثيرة، بعضها يتسم بالتعقيد، والبعض الآخر يمكن القول إنه أقل تعقيدا، لكن في كل الأحوال، هناك مسؤولية تقع على عاتقنا تتمثل في تبيان الجذور والأسباب الحقيقية التي تؤدي لنشوء المشكلات، وعدم ممارسة التضليل والخداع من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية إلى حلول منطقية ومقبولة في الوقت نفسه.
في هذا السياق، تبدو أن الحكومات الغربية متورطة بشكل أو باخر في إعاقة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط تحت حجج واهية وبلا أساس. لقد استجاب كثير من هذه الحكومات للأكاذيب التي يسوقها المستبدون والطغاة في الشرق الأوسط، فبدلا من دعم ثورات الربيع العربي وإحداث تحول سياسي وديمقراطي يحمي الحريات ويمنع انتهاكات حقوق الإنسان، تم دعم منظومة حكم عفا عليها الزمن قائمة على القمع والسرقة وترسيخ الديكتاتورية.
اليوم، حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط تشهد تدهورا كبيرا. لقد ساعدت الحكومة الغربية بقصد أو بدون قصد في انتعاش الاستبداد العربي، بل وصل الأمر للتغطية على انتهاكاته وجرائمه، وهو أمر يجعلنا نتشكك في كون القيم الديمقراطية والليبرالية لا تزال تعمل في الدول الغربية التي كانت قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال.
الأصدقاء الاعزاء
تم تأسيس تحالف واسع لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وعلى هامش الحرب ضد الإرهابيين التي أراها حرب عادلة، وضرورية كون الإرهابيين يشكلون تهديدا على مجتمعاتهم وعلى الدين وكل المكتسبات الحضارية، أقول على هامش الحرب على الإرهاب يتم استهداف القوى الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة الحرة، والناشطين الحقوقيين والسياسيين، واعتبار ذلك جزء من الحرب على الإرهاب.
الأمر واضح في الشرق الأوسط على الأقل، لماذا لا يتم محاسبة الأنظمة التي تسيء استخدام الحرب على الإرهاب، هم أيضا ارهابيون، يمارسون إرهاب دولة بشكل معلن ومفضوح. باعتقادي أن انتهاكات حقوق الإنسان موضوع يجب أن يتصدر أولوياتنا كمدافعين عن حقوق الإنسان وحرياته، فليس من المعقول أن نسكت على كل ما يحدث من انتهاكات وقمع وإرهاب.
إنه من المعيب حقا، أن يتم التعامل مع ادعاءات أنظمة مستبدة في الشرق الأوسط باعتبارها حقائق غير قابلة للجدل. فتحت غطاء "الحرب على الإرهاب" يتم ممارسة كل اشكال التحريض على العمل المدني والانشطة الحقوقية ومعاقبة الصحفيين والناشطين السياسيين الذين ينادون بحرية التعبير ووقف سياسات القمع.
أكرر ما قلته سابقا، إن الإرهاب والاستبداد وجهان لعملة واحدة، كل منهما يتغذى على الآخر. المستبد يحتاج للإرهابي كي يغسل جرائمه ولكي يحصل على شرعية لنظامه، ويشتري الرضا الغربي، والارهابي يحتاج للمستبد لكي ينتحل بطولة مزيفة، فيما هو يقتل الأبرياء ويجاهر بخصومة كل فكرة تدعو للتمدن والتحضر والعقلانية.
الأصدقاء الأعزاء
في مثل هذه الأيام، قبل تسع سنوات خرجت الشعوب العربية للشوارع والساحات تطالب بحقها في العيش بكرامة مثلما يعيش الناس هنا في أمريكا أو في المانيا أو كندا، وكما تعلمون كان من ضمن هذه المطالب تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وأن يتم اختيار الحاكم من خلال انتخابات تنافسية حرة، لكن ما حدث، كان مريعا، فقد تم رعاية وتمويل ثورات مضادة من العسكر والمليشيات المسلحة لعودة عقار الساعة للوراء.
اليوم هناك صراع كبير يتم فيه خلط الأوراق، وبث ادعاءات مغرضة، والغريب أن المستبدين والمتهمين بجرائم حرب وإبادة هم الأشخاص الذين يحلو للسياسيين الغربيين وكثير من وسائل الإعلام الغربية الاستشهاد بأقوالهم. يجب أن يكون واضحا وبصورة قاطعة أن من يدعو للديمقراطية ويطالب بحرية التعبير ويتبنى مبدأ محاسبة السلطة، ليس إرهابيا، الإرهابي هو من يقوم بقتل هذه الأفكار العظيمة.
يوجد في عالمنا، إرهابي صغير يقوم باستهداف الأبرياء في الشوارع، ويفجر نفسه في المقاهي أو المدارس أو أماكن العبادة، وهناك إرهابي كبير يقوم بقمع الناس وبث الرعب في نفوسهم بقانون الدولة. في النهاية، الإرهابي الكبير والصغير هم خصوم ثورات الربيع العربي، وخصوم تطلعات شعوبنا التواقة للحرية والمساواة.
لقد تعرض الإرهاب لضربة قاضية بفضل ثورات الربيع العربي، لقد اكتشف الارهابيون أنهم معزولون ولا يمثلون إلا أنفسهم، وأن الشعوب العربية اختارت السلمية والمظاهرات الشعبية طريقا للتغيير، وهذا الأمر جعلهم في مأزق اخلاقي كبير، فاستعانوا بمجموعة من المتطرفين والمتعصبين الدينيين لاتهام المتظاهرين السلميين بالكفر والخيانة والفسوق والمجون والاختلاط، فعلوا ذلك دون حياء ودونما خجل، فعلوا ذلك لردع الناس عن فكرة التغيير، وعندما فشلوا في مسعاهم، قاموا بإنعاش الجماعات الإرهابية، اعتقادا منهم أن هذا كفيل بإسقاط فكرة التغيير للنهاية، لكن التاريخ يخبرنا أن هذه الحيل لا تصمد طويلا، وأن الأنظمة المستبدة مهما كانت محاطة بحلفاء وأصدقاء، ومهما امتلكت من مال ونفوذ، فإنها حتما ستزول.
الأصدقاء الأعزاء
غير بعيد عن الصراع في الشرق الأوسط، هناك مستوى يتصاعد من الكراهية والعنصرية يجتاح العالم، والغريب أن هذه الدعوات العنصرية التي تصدر من سياسيين بعضهم يحتل مناصب عليا في هذه الدولة أو تلك، غالبا ما تقود إلى انتهاكات وعمليات إرهابية.
إن من أهم ما يجب مواجهته اليوم في العالم، هو هذا الصعود المقلق للعنصرية، إذ يجب التذكير بأن العالم دفع أثماناً باهظة جراء ذلك، العنصريون لا يملكون أي منطق، الكراهية ليست منطق. علينا مساعدة أولئك الذين انتهجوا هذا المسار لكي يروا الأمور على حقيقتها، لا يمكن أن نضمن القدر الأدنى من السلام الاجتماعي والتعايش بين مختلف الأعراق والشعوب، وهناك من يحض على الكراهية.
سوف أكون مسرورة لو أن هناك شخص واحد من الذين مارسوا هذا العمل المشين قرر أن يتراجع، ويصبح شخصا مؤمنا بأن الناس متساوون. جوهر مشكلتنا في اليمن أن هناك من يعتقد بخلاف ذلك.
الأصدقاء الأعزاء
تعيش اليمن وضعا استثنائيا بسبب الحرب الدائرة هناك. لقد كانت اليمن على وشك الذهاب للاستفتاء على الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تفرز شرعية شعبية منتخبة. ما حدث هو أن قوى الثورة المضادة وداعميها قرروا الانقلاب على نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وعلى العملية السياسية، وإدخال اليمن في أتون حرب مستمرة حتى اليوم.
خمس سنوات من الحرب والحصار وقطع الرواتب وهدم البنى التحتية وانهيار المؤسسات العامة وتراجع الخدمات الصحية وانقطاع تام للكهرباء، ليست كافية لأن يلتفت العالم للمأساة اليمنية. يعش نحو ثلاثين مليون يمني في ظروف صعبة، يتم عقابهم، يتم ملاحقة الناشطين السياسيين والحقوقيين والصحفيين والزج بهم في معتقلات سرية، كل ذلك يحدث، لكن لا ادانات دولية، ولا موقف مشرف يقف مع شعب عريق مثل الشعب اليمني، كان اليونانيون يطلقون عليه شعب العربية السعيدة.
للأزمة اليمنية وجهان، الوجه الأول محلي، حيث تعتقد ميليشيا الحوثي أن بحوزتها صكا إلهيا يمنحها الحق في الحكم والثروة، ولم يكن ليقبل بهذا التفسير معظم الشعب اليمني الذي يرى أن الحكم حق لكل يمني والثروة كذلك. لقد نشأت على هامش هذه الحرب عشرات الميليشيات التي تدعي أن لديها امتيازات غير التي لكل اليمنيين.
أما الوجه الثاني، فهو التدخل العسكري الخارجي الذي حول اليمن لحلبة صراع دموية، فمن جهة تقوم السعودية والامارات بارتكاب جرائم حرب مروعة مثل قصف المدنيين وبناء المعتقلات السرية، واغتيال المعارضين السياسيين، واستغلال نفوذهما السياسي لتدمير بنيان الدولة اليمنية. ومن جهة ثانية، تقوم إيران بمساعدة ميليشيا الحوثي سياسيا وعسكريا، معتقدة ان اليمن ستكون بذلك ولاية إيرانية تدين بالولاء للملالي في طهران.
من المؤكد أن الأطراف اليمنية تتحمل مسؤولياتها تجاه هذا التدخل السافر في شؤون اليمن، وانه لولا الانقلاب الحوثي وصالح لكانت سارت العملية السياسية كما كان مرسوم لها، لكن هذا لا يجب أن يجعل العالم ليغض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها السعودية والامارات وإيران.
الأصدقاء الأعزاء
لا توجد حرب تستمر إلى ما لا نهاية. في يوم ما سوف تتوقف المعارك وتخفت أصوات الرصاص. عندما نصل لهذا اليوم، يجب أن لا ننسى تحقيق مبدأ العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب، وبهذه المناسبة، أكرر دعوتي لإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة باليمن تتولى محاكمة المتورطين في الجرائم والانتهاكات التي طالت المدنيين اليمنيين. لنتذكر أن معظم المجرمين لا يخشون العدالة المحلية، ولكنهم يخشون العدالة الدولية.
إن محاسبة القتلة خطوة مهمة لتحقيق سلام دائم في اليمن، لكن هناك خطوات كثيرة يجب القيام بها حتى يأتي هذا اليوم، فأني أطالب بفتح جميع المطارات والموانئ أمام المسافرين واستقبال البضائع، ما يشبه الإبادة هو ما يحدث في اليمن.
الأصدقاء الأعزاء
برغم كل الاحزان التي تحتل قلوبنا، وبرغم تفشي الديكتاتوريات في أوطاننا، إلا أنني لم أفقد الأمل في التغيير، هذا حقنا، وهذا قدرنا، وليس هناك قوة في هذه الأرض ستمنعنا أن نكون احرارا على أرضنا، وأن نعيش كما نريد، بكل كرامتنا، بكل كبرياءنا.
إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا.