كلمات
محاضرة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان بعنوان "كفاح الشعوب العربية من أجل الديمقراطية في ظل خذلان عالمي" - جامعة كامبريدج - بريطانيا
بدايةً أود التعبير عن سعادتي بوجودي اليوم هنا في هذا المنبر الأكاديمي العريق ؛ واسمحوا لي أصدقائي وصديقاتي الحضور أن أبدأ حديثي أمامكم من اليمن ، بلدي الذي أكمل خمس سنوات في حالة حرب وبدون دولة ومفتوحا على تدخل إقليمي حوله إلى ساحة مستدامة للحرب والمناورة بين السعودية وإيران.
أعزائي عزيزاتي ؛؛
بعد خمس سنوات من تدخل التحالف السعودي الإماراتي بمبرر دعم الشرعية لا زالت الميليشيا الانقلابية الحوثية تمتلك القدرة على التعبئة والتحشيد والمبادرة بالهجوم. تدفع الميليشيات الإنقلابية اليوم بألاف المقاتلين إلى جبهات القتال في المدن اليمنية المدمرة ، وبينهم مئات الأطفال يتم تجنيدهم والذهاب بهم إلى محارق الموت بدلاً من إرسالهم إلى المدارس. يعاودون المحاولة بعد الأخرى لإخضاع اليمنيين ، وبتواطؤ سعودي إماراتي وجدهم ورقته الرابحة لإستباحة اليمن وتجزئته إلى دويلات تابعة للنفوذ الخارجي.
الإنقلاب الحوثي فتح أبواب اليمن للحرب والتدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي وأهدافه الساعية لتقسيم اليمن ، ومنذ خمس سنوات يتوزع الطرفان أدوار تدمير اليمن وتقسيمه. يتحكم التحالف بقرار الحرب ويديرها لإبقاء اليمن بلا دولة وخاضعة في قرارها السياسي للرياض.
خمس سنوات من إدارة الحرب ضد اليمن. خمس سنوات من الإستخدام الإجرامي للحرب في اليمن من قبل السعودية والإمارات وإيران في سياق الصراع الإقليمي.
كل يوم آخر في عمر الحرب يخدم المليشيات الإنقلابية والإنفصالية وتحالف الوصاية السعودي.
الحرب التي عانى منها اليمن وأوقفت حياة اليمنيين أستخدمت لتدعيم الإنقلاب الحوثي في صنعاء وأضافت إلى ذلك إنقلابا آخر للإنفصاليين في عدن ، وجعلت من الوصاية السعودية على اليمن مرجعية بديلة للشرعية اليمنية والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي.
دعونا نتحدث عن دور المجتمع الدولي وتحديدا عن الدور الأمريكي من قضايا الصراع المشتعلة في المنطقة العربية ، وفي اليمن على وجه التحديد.
مع إتخاذ أميركا موقفا إنسحابيا من الشرق الأوسط ، برزت الدول الإقليمية كلاعب أساسي في الحروب الإنتقالية ومعها دول كبرى مثل روسيا في الساحة السورية وفرنسا في الحرب الليبية. تكتفي أمريكا بالتركيز على ملف "الإرهاب"، وهو ملف من غير الممكن عزله عن مجمل ما يحدث من صراعات اندمجت فيها النزاعات المحلية بالإقليمية والدولية.
في العراق عمل النظام الطائفي التابع لإيران على تمرير حربه الخاصة ضد العراقيين تحت ذريعة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
تركت واشنطن قاسم سليماني يدير حروب إيران خارج حدودها في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، وعندما أكمل مهمته في تسوية المدن بالأرض وتشريد سكانها وقتل الآلاف بدأوا يتحدثون عنه . ولو لم تصل بضعة صواريخ أطلقت على السفارة الامريكية في بغداد لما توصلت أميركا إلى اكتشاف ما يمثله قاسم سليماني.
في اليمن تتضاعف المأساة الانسانية جراء الحرب وسيطرة الميليشيات على أهم مدينتين في اليمن ، صنعاء وعدن. تركت اليمن ساحة مغلقة للتدخل السعودي الإماراتي والنفوذ الإيراني وطوى النسيان قضيتها في المحافل الدولية مع إنصراف الدول الكبرى وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية عن الإهتمام بقضية خضعت للمساومات والصفقات ، وبإختصار تم بيع " ملفها " للرياض وأبوظبي.
كان ذلك ضوء أخضر للتحالف ليفعل ما يريد في بلد فقير سقطت دولته بمؤامرة عابرة للحدود ، وأختطفت عاصمته من قبل مليشيا الحوثيين وأحتجزت شرعيته تحت الإقامة الجبرية في الرياض ، وتركت عاصمته الثانية عدن ومحافظاته الجنوبية مسرحًا تجريبيًا لليد الإماراتية تشكل الميليشات وتدير الحروب ضد الدولة والشرعية وتستولي على الجزر وترتكب الجرائم دون أن تخشى عقاباً أو مجرد اللوم.
إنفرد باليمن تحالف سعودي إماراتي لا يأبه بقيم ولا بمواثيق دولية ولا بحق الجوار والمصير المشترك.
في منصة الأمم المتحدة وقف المندوب الإماراتي متباهيًا بقتل مئات الجنود من الجيش الوطني للجمهورية اليمنية تم قصفهم حول مدينة عدن.
قتلت طائرات الإمارات ثلاثمئة جندي وذهبت لتقتلهم مرة أخرى في منبر الأمم المتحدة بإتهامهم بالإرهاب ! ومندوبي الدول الكبرى ينصتون بصمت!
ما أسهلها كلمة " الإرهاب " قادرة على تغطية جرائم كبرى ضد الإنسانية. ما عليك سوى أن تطلقها وتغسل بحروفها جرائمك في قتل مئات البشر.
سياسة دولة عظمى وبجانبها دول كبرى في مجلس الأمن وصلت إلى قاع الحضيض بصفقات دامية كهذه. تغطي أمريكا والدول الكبرى على جرائم السعودية والإمارات في اليمن مقابل إبتزاز السعودية بصفقات تصل لمئات المليارات.
لقد حان الوقت ليتذكر المجتمع الدولي الملف اليمني. نحن جزء من هذه العالم ودمنا يسيل وبلدنا تنزف. هذه لا سابقة لها في تاريخ الأمم المتحدة أن يترك شعب كامل للموت اليومي.
وإننا نرى أن توجها صادقا لإنهاء الحرب وإحلال السلام مرهون بتوجهات جادة من الدول الكبرى والمجتمع الدولي ، وذلك يبدأ باستعادة ملف اليمن من يد السعودية والإمارات وممارسة ضغوط مؤثرة على تحالف الشر هذا الذي اتخذ من عنوان دعم الشرعية غطاءاً لتدمير لليمن.
نحتاج إلى مساندة دولية لإنهاء الحرب وإحلال السلام وان تستخدم الأمم المتحدة والدول الكبرى ثقلها لممارسة ضغوط حقيقية وحاسمة لإحلال السلام ووقف العنف ونزع سلاح الميليشيات ووعودة الدولة واستكمال عملية الانتقال السياسي.
أعزائي عزيزاتي ؛
في ذكرى مرور تسع سنوات على ثورات الربيع العربي ، بإمكاننا اليوم أن نلتفت إلى العام 2019 الذي غادرنا قبل أسابيع لنقول أن الربيع العربي كان حدثه الأبرز بعد مرور ثمان سنوات على موجته الأولى.
كانت ثورتا الجزائر والسودان تأكيداً جديداً على حلم لا يموت. تأكيد على كفاح أمتنا العربية ، على اختلاف كياناتها الوطنية ، من أجل استعادة حقها في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها.
أعادت ثورة الجزائر والسودان لشعوبنا الأمل بمستقبل مختلف عما تبشرهم به الجماعات الطائفية وميليشياتها. كان تأثير الجزائر والسودان واضحًا في العراق ولبنان.
لقد بدأ العراقيون واللبنانيون مشوارهم الشاق والطويل من أجل التوحد للتعبير عن مطالبهم متجاوزين الانتماءات الطائفية والمذهبية. هذه الإنتفاضات التي تواجه اليوم بالرصاص والقنابل والميليشيات اعادت تاكيد حقيقة كاد الناس ان ينسوها. حقيقة مجتمع المواطنين الذين تجمعهم المواطنة وحقهم في قول كلمتهم خارج معازل الطوائف وجدران المذاهب . حقيقة أن الجماعات الطائفية ليست مستقبلنا. حقيقة إفلاس الأنظمة الطائفية الفاسدة وتصادمها مع مصالح مجتمعاتها.
المواطنة والكرامة وحق المواطنين في اختيار حكامهم والرقابة عليهم وتغييرهم عناوين رئيسية للربيع العربي.
لن يقف الربيع العربي عند حدود ترسمها تحالفات ديكتاتوريات متخلفة تتخفى تحت لافتات الأديان والمذاهب.
أصدقائي صديقاتي الحضور جميعا:
في الجانب الآخر في ليبيا واليمن وسوريا ، تستمر قوى الثورة المضادة المسنودة بمطامع الدول الإقليمية في تغذية حروب انتقالية هي الوجه الآخر للثورات المضادة ووجهها البارز اليوم يتلخص في ثلاث كلمات : إنهيار الدولة ، الحرب ، الطائفية.
قامت ثورات الربيع العربي في منطقة حولها حكامها المؤبدون إلى بلدان مفخخة. لم تكن الدولة قد أنجزت كدولة قانون تمثل مكونات المجتمع وتحظى بموافقته ورضاه. الإرهاب كان حصاد الديكتاتورية ونمى في أحضان السلطات المستبدة ورعايتها. العصبيات الطائفية والقبلية كانت سمة للأنظمة الطغيانية استقوى بها مستبدون واستخدموها لإحتكار الحكم والسيطرة على الدولة وموارد المجتمع ، على سبيل المثال سوريا واليمن.
هذه المفخخات التي انفجرت في وجه الربيع العربي كانت مكونات قائمة ولم يستجلبها الربيع العربي وثوراته الحضارية السلمية.
تغذية الحروب الإنتقالية قرار اتخذته المحاور الإقليمية وخلفها حلفاءها الدوليين ، لكن الثقة بالثورة أكبر من صدمات بث الرعب الجماعي من الثورات. دوافع الانتصار للكرامة تفوق المخاوف من الحروب الانتقامية .
الصراعات الطائفية هي ثمرة أنظمة مستبدة استخدمتها واحدة من أدواتها ، وتركتها تتفجر في وجه ثورات الكرامة عندما حانت ساعة سقوطها . الحروب لم تكن لتستمر وتهدد مجتمعاتنا بدون تداخلها مع حروب خارجية تم خوضها في دول الربيع العربي.
أعزائي عزيزاتي ؛
ختاماً لكلمتي أود التأكيد هنا على حقيقة أن محاولات اعادة بناء أنظمة الإبادة عبر الحروب والميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية وترويع المجتمعات في منطقتنا لن يكتب لها النجاح.
هناك واقع يعيشه الناس ويدركون من خلاله حاجاتهم إلى الحياة والعيش الكريم وحاجتهم إلى الكفاح والتضحية من أجل دولة قانون تصون حقوقهم وحرياتهم ويقررون هم من يديرها. هذا ما دفع مجتمعاتنا للتوحد والخروج في 2011 وفي 2019 من أجل تغيير واقعها وكسر حواجز الممنوعات السياسية والمحظورات الإعلامية التي صيغت لتقييدها ومنعها من التعبير والكلام والمشاركة.
هذه الحروب والمليشيات الطائفية والإرهابية هي خيار الموت للنظام القديم الذي تهاوى تحت أقدام شباب وشابات الربيع العربي في 2011.
هذا الانتقام المروع لن يزيدنا سوى إيمانا بعدالة قضيتنا.
هنالك نظام قديم آن أوان دفنه ، وعالم جديد يتشكل ولن يكون بمقدور الحروب الإنتقامية والمليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية إعاقته أو تأجيل موعده.
أعزائي عزيزاتي ؛؛
بعد خمس سنوات من تدخل التحالف السعودي الإماراتي بمبرر دعم الشرعية لا زالت الميليشيا الانقلابية الحوثية تمتلك القدرة على التعبئة والتحشيد والمبادرة بالهجوم. تدفع الميليشيات الإنقلابية اليوم بألاف المقاتلين إلى جبهات القتال في المدن اليمنية المدمرة ، وبينهم مئات الأطفال يتم تجنيدهم والذهاب بهم إلى محارق الموت بدلاً من إرسالهم إلى المدارس. يعاودون المحاولة بعد الأخرى لإخضاع اليمنيين ، وبتواطؤ سعودي إماراتي وجدهم ورقته الرابحة لإستباحة اليمن وتجزئته إلى دويلات تابعة للنفوذ الخارجي.
الإنقلاب الحوثي فتح أبواب اليمن للحرب والتدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي وأهدافه الساعية لتقسيم اليمن ، ومنذ خمس سنوات يتوزع الطرفان أدوار تدمير اليمن وتقسيمه. يتحكم التحالف بقرار الحرب ويديرها لإبقاء اليمن بلا دولة وخاضعة في قرارها السياسي للرياض.
خمس سنوات من إدارة الحرب ضد اليمن. خمس سنوات من الإستخدام الإجرامي للحرب في اليمن من قبل السعودية والإمارات وإيران في سياق الصراع الإقليمي.
كل يوم آخر في عمر الحرب يخدم المليشيات الإنقلابية والإنفصالية وتحالف الوصاية السعودي.
الحرب التي عانى منها اليمن وأوقفت حياة اليمنيين أستخدمت لتدعيم الإنقلاب الحوثي في صنعاء وأضافت إلى ذلك إنقلابا آخر للإنفصاليين في عدن ، وجعلت من الوصاية السعودية على اليمن مرجعية بديلة للشرعية اليمنية والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي.
دعونا نتحدث عن دور المجتمع الدولي وتحديدا عن الدور الأمريكي من قضايا الصراع المشتعلة في المنطقة العربية ، وفي اليمن على وجه التحديد.
مع إتخاذ أمريكا موقفا إنسحابيا من الشرق الأوسط ، برزت الدول الإقليمية كلاعب أساسي في الحروب الإنتقالية ومعها دول كبرى مثل روسيا في الساحة السورية وفرنسا في الحرب الليبية. تكتفي أمريكا بالتركيز على ملف " الإرهاب " ، وهو ملف من غير الممكن عزله عن مجمل ما يحدث من صراعات اندمجت فيها النزاعات المحلية بالإقليمية والدولية.
في العراق عمل النظام الطائفي التابع لإيران على تمرير حربه الخاصة ضد العراقيين تحت ذريعة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
تركت واشنطن قاسم سليماني يدير حروب إيران خارج حدودها في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، وعندما أكمل مهمته في تسوية المدن بالأرض وتشريد سكانها وقتل الآلاف بدأوا يتحدثون عنه . ولو لم تصل بضعة صواريخ أطلقت على السفارة الامريكية في بغداد لما توصلت أمريكا إلى اكتشاف ما يمثله قاسم سليماني.
في اليمن تتضاعف المأساة الانسانية جراء الحرب وسيطرة الميليشيات على أهم مدينتين في اليمن ، صنعاء وعدن. تركت اليمن ساحة مغلقة للتدخل السعودي الإماراتي والنفوذ الإيراني وطوى النسيان قضيتها في المحافل الدولية مع إنصراف الدول الكبرى وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية عن الإهتمام بقضية خضعت للمساومات والصفقات ، وبإختصار تم بيع " ملفها " للرياض وأبوظبي.
كان ذلك ضوء أخضر للتحالف ليفعل ما يريد في بلد فقير سقطت دولته بمؤامرة عابرة للحدود ، وأختطفت عاصمته من قبل مليشيا الحوثيين وأحتجزت شرعيته تحت الإقامة الجبرية في الرياض ، وتركت عاصمته الثانية عدن ومحافظاته الجنوبية مسرحًا تجريبيًا لليد الإماراتية تشكل الميليشات وتدير الحروب ضد الدولة والشرعية وتستولي على الجزر وترتكب الجرائم دون أن تخشى عقاباً أو مجرد اللوم.
إنفرد باليمن تحالف سعودي إماراتي لا يأبه بقيم ولا بمواثيق دولية ولا بحق الجوار والمصير المشترك.
في منصة الأمم المتحدة وقف المندوب الإماراتي متباهيًا بقتل مئات الجنود من الجيش الوطني للجمهورية اليمنية تم قصفهم حول مدينة عدن.
قتلت طائرات الإمارات ثلاثمئة جندي وذهبت لتقتلهم مرة أخرى في منبر الأمم المتحدة بإتهامهم بالإرهاب ! ومندوبي الدول الكبرى ينصتون بصمت!
ما أسهلها كلمة " الإرهاب " قادرة على تغطية جرائم كبرى ضد الإنسانية. ما عليك سوى أن تطلقها وتغسل بحروفها جرائمك في قتل مئات البشر.
سياسة دولة عظمى وبجانبها دول كبرى في مجلس الأمن وصلت إلى قاع الحضيض بصفقات دامية كهذه. تغطي أمريكا والدول الكبرى على جرائم السعودية والإمارات في اليمن مقابل إبتزاز السعودية بصفقات تصل لمئات المليارات.
لقد حان الوقت ليتذكر المجتمع الدولي الملف اليمني. نحن جزء من هذه العالم ودمنا يسيل وبلدنا تنزف. هذه لا سابقة لها في تاريخ الأمم المتحدة أن يترك شعب كامل للموت اليومي.
وإننا نرى أن توجها صادقا لإنهاء الحرب وإحلال السلام مرهون بتوجهات جادة من الدول الكبرى والمجتمع الدولي ، وذلك يبدأ باستعادة ملف اليمن من يد السعودية والإمارات وممارسة ضغوط مؤثرة على تحالف الشر هذا الذي اتخذ من عنوان دعم الشرعية غطاءاً لتدمير لليمن.
نحتاج إلى مساندة دولية لإنهاء الحرب وإحلال السلام وان تستخدم الأمم المتحدة والدول الكبرى ثقلها لممارسة ضغوط حقيقية وحاسمة لإحلال السلام ووقف العنف ونزع سلاح الميليشيات ووعودة الدولة واستكمال عملية الانتقال السياسي.
أعزائي عزيزاتي ؛
في ذكرى مرور تسع سنوات على ثورات الربيع العربي ، بإمكاننا اليوم أن نلتفت إلى العام 2019 الذي غادرنا قبل أسابيع لنقول أن الربيع العربي كان حدثه الأبرز بعد مرور ثمان سنوات على موجته الأولى.
كانت ثورتا الجزائر والسودان تأكيداً جديداً على حلم لا يموت. تأكيد على كفاح أمتنا العربية ، على اختلاف كياناتها الوطنية ، من أجل استعادة حقها في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها.
أعادت ثورة الجزائر والسودان لشعوبنا الأمل بمستقبل مختلف عما تبشرهم به الجماعات الطائفية وميليشياتها. كان تأثير الجزائر والسودان واضحًا في العراق ولبنان.
لقد بدأ العراقيون واللبنانيون مشوارهم الشاق والطويل من أجل التوحد للتعبير عن مطالبهم متجاوزين الانتماءات الطائفية والمذهبية. هذه الإنتفاضات التي تواجه اليوم بالرصاص والقنابل والميليشيات اعادت تاكيد حقيقة كاد الناس ان ينسوها. حقيقة مجتمع المواطنين الذين تجمعهم المواطنة وحقهم في قول كلمتهم خارج معازل الطوائف وجدران المذاهب . حقيقة أن الجماعات الطائفية ليست مستقبلنا. حقيقة إفلاس الأنظمة الطائفية الفاسدة وتصادمها مع مصالح مجتمعاتها.
المواطنة والكرامة وحق المواطنين في اختيار حكامهم والرقابة عليهم وتغييرهم عناوين رئيسية للربيع العربي.
لن يقف الربيع العربي عند حدود ترسمها تحالفات ديكتاتوريات متخلفة تتخفى تحت لافتات الأديان والمذاهب.
أصدقائي صديقاتي الحضور جميعا :
في الجانب الآخر في ليبيا واليمن وسوريا ، تستمر قوى الثورة المضادة المسنودة بمطامع الدول الإقليمية في تغذية حروب انتقالية هي الوجه الآخر للثورات المضادة ووجهها البارز اليوم يتلخص في ثلاث كلمات : إنهيار الدولة ، الحرب ، الطائفية.
قامت ثورات الربيع العربي في منطقة حولها حكامها المؤبدون إلى بلدان مفخخة. لم تكن الدولة قد أنجزت كدولة قانون تمثل مكونات المجتمع وتحظى بموافقته ورضاه. الإرهاب كان حصاد الديكتاتورية ونمى في أحضان السلطات المستبدة ورعايتها. العصبيات الطائفية والقبلية كانت سمة للأنظمة الطغيانية استقوى بها مستبدون واستخدموها لإحتكار الحكم والسيطرة على الدولة وموارد المجتمع ، على سبيل المثال سوريا واليمن.
هذه المفخخات التي انفجرت في وجه الربيع العربي كانت مكونات قائمة ولم يستجلبها الربيع العربي وثوراته الحضارية السلمية.
تغذية الحروب الإنتقالية قرار اتخذته المحاور الإقليمية وخلفها حلفاءها الدوليين ، لكن الثقة بالثورة أكبر من صدمات بث الرعب الجماعي من الثورات. دوافع الانتصار للكرامة تفوق المخاوف من الحروب الانتقامية .
الصراعات الطائفية هي ثمرة أنظمة مستبدة استخدمتها واحدة من أدواتها ، وتركتها تتفجر في وجه ثورات الكرامة عندما حانت ساعة سقوطها . الحروب لم تكن لتستمر وتهدد مجتمعاتنا بدون تداخلها مع حروب خارجية تم خوضها في دول الربيع العربي.
أعزائي عزيزاتي ؛
ختاماً لكلمتي أود التأكيد هنا على حقيقة أن محاولات اعادة بناء أنظمة الإبادة عبر الحروب والميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية وترويع المجتمعات في منطقتنا لن يكتب لها النجاح.
هناك واقع يعيشه الناس ويدركون من خلاله حاجاتهم إلى الحياة والعيش الكريم وحاجتهم إلى الكفاح والتضحية من أجل دولة قانون تصون حقوقهم وحرياتهم ويقررون هم من يديرها. هذا ما دفع مجتمعاتنا للتوحد والخروج في 2011 وفي 2019 من أجل تغيير واقعها وكسر حواجز الممنوعات السياسية والمحظورات الإعلامية التي صيغت لتقييدها ومنعها من التعبير والكلام والمشاركة.
هذه الحروب والمليشيات الطائفية والإرهابية هي خيار الموت للنظام القديم الذي تهاوى تحت أقدام شباب وشابات الربيع العربي في 2011.
هذا الانتقام المروع لن يزيدنا سوى إيمانا بعدالة قضيتنا.
هنالك نظام قديم آن أوان دفنه ، وعالم جديد يتشكل ولن يكون بمقدور الحروب الإنتقامية والمليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية إعاقته أو تأجيل موعده.