كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان خلال الدورة السابعة للحركة العالمية من أجل الديمقراطية - ليما/ البيرو
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة خلال الدورة السابعة للحركة العالمية من أجل الديمقراطية عاصمة البيرو، ليما، فيما يلي نصها:
إن عنوان نضالنا الحالي والقادم هو ضمان المواطنة المتساوية لجميع بني الإنسان، ضمان الحقوق المتساوية للجميع، نحن نؤمن أن الجميع متساوون في الكرامة ونعتقد أن جميع بني الإنسان ولدتهم أمهاتهم أحرارا، ونلتزم أخلاقيا بجعل هذه الحقيقة أمرا معاشا في جميع أرجاء الأرض.
وعليه فإن شعورنا بالتقصير مهما حققنا من انجازات يجب أن يكون دائما وملازما لعملنا المدني طالما هناك مظلوما أو محروما في هذه القرية الصغيرة، والتي غدت بفضل تكنولوجيا الاتصالات المتسارعة والمتعاظمة منزلا واحدا وأسرة واحدة.
إن خلق البيئات المواتية لأي تحول وتغيير ديمقراطي عميق وشامل يتطلب النضال من أجل إطلاق حرية التعبير في المجتمعات، وخصوصا في الدول التي تعاني من انظمة قمع استبدادية، أو تلك التي لم تنعم بعد بنعمة الحرية والحقوق الديمقراطية، يتعين على الحركة الديمقراطية في كل أرجاء الأرض النضال الواسع والضغط على حكومات تلك الدول من أجل إطلاق حرية التعبير وكفالتها للمواطنين ومن أجل كفالة حق امتلاك وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة للمواطنين أفرادا كانوا أو منظمات أو احزاب، أو مؤسسات عامة أو خاصة، فضلا عن كفالة حق امتلاك وسائط ووسائل الانترنت والاتصالات.
إن حرية التعبير أمر بالغ الأهمية لمراكمة العمل الحقوقي، وشرطا اساسيا لإحداث التحول الديمقراطي، إن من شأن كفالة ذلك تحقيق القدرة على الحشد والتغيير للأصوات الديمقراطية الشابة والجديدة ولناشطي المجتمع المدني وللمطالبين بالتغيير السلمي، كما أن من شأنه أن يكفل لهم وسائل التأثير والتنظيم المبتكرة وغير التقليدية في إدارة الجماهير وحشدهم لتحقيق التغيير المنشود في الطريق إلى الدولة المدنية الحديثة.
إن التحول الديمقراطي يقوم على المعرفة، فلا خير في الناس إلا إذا كانوا يعلمون.. ولا فاعلية إيجابية للناس إلا إذا تحققت لهم المعرفة، وتمكنوا من تداولها.
إن الحديث عن حركة ديمقراطية وعن تغيير مدني عميق لا يمكن أن يكون ذا جدوى إن كان منعزلا عن تدفق للمعلومات مستداما وشاملا ومتصاعدا، وعن كفالة حق الحصول على المعلومة وتداولها على نطاق واسع وشامل في المجتمع في ظل سوق للمعرفة مفتوح للجميع ومتاح للمواطنين.
وعليه فيمكن القول أيها الأعزاء أن أهم ميادين ومجالات الحركة الديمقراطية العالمية، هو كفالة الشفافية وحق الحصول على المعلومات وتداولها للمواطنين في كافة أرجاء العالم.
إن نضالكم المدني من أجل كفالة الحق في الحصول على المعلومة وتدفقها أمر لا يستهان به وهو فعل حاسم لإطلاق حركة مجتمعية سلمية واعية ومضطردة وشاملة لكافة الدول تطالب بالتغيير وتتوق للإصلاح، وتدافع عن الحقوق وتناهض الفساد وتدعو للحكم الرشيد على أساس من المعرفة الحقة.
إن إشراك الشباب والمرأة في عملية التغيير السلمي يعد وسيلة وغاية؛ وسيلة لإحداث التغيير وغاية نبيلة للتغيير.
لقد أثبتت ثورات الربيع العربي أن المرأة والشباب هما أداتين حاسمتين لإحداث التغيير السلمي المنشود. يمكن القول أن الشباب والمرأة ونظرا لما يتعرضان لهما من تهميش وإقصاء شاملين في الظروف الراهنة، هما أصحاب المصلحة الحقيقية للتغيير في كثير من بلدان العالم، ذلك يحملهما المسؤولية الأولى في دفع كلفة التغيير والتضحية من أجله، وخوض نضال كبير من أجل تحقيقه، إنني أدعو الحركة الديمقراطية في العالم وأنصار الحقوق والحريات إلى جهد مضاعف للشباب والمرأة، يفضي إلى اشراكهما فعلا في كافة مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن إقامة كافة البرامج المختصة بالتدريب والتأهيل، ورفع قدرات الشباب والمرأة على الحشد والمناصرة وقيادة الحياة السياسية والعامة. يتطلب ذلك أيها الاعزاء كذلك انجاز حزمة من التشريعات الاقليمية والدولية والوطنية تجعل الشباب والمرأة على المسار الصحيح من التغيير، وبنسبة تتناسب مع تواجدهم القوي في المجتمع، كأصحاب فعل وقادة تغيير لا تابعين أو مهمشين.
إن على الحركة الديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان ورواد المجتمع المدني تطوير وسائلهم وأساليبهم وقدرتهم على الحشد والمناصرة بما يتناسب مع الأحداث والتطورات الديمقراطية السريعة وغير المتوقعة.
إن عدم مواكبتهم لمثل هذه الاحداث كما حدث مع الثورات الشبابية في الربيع العربي والتي بدى واضحا معها عدم قدرة منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية على مواكبة تلك الأحداث بالسرعة والقدرة المطلوبة.
واسمحوا لي أن اسجل هنا، استيائي من حالة القصور الكبرى التي أبدتها منظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية و الوطنية على السواء إزاء ثورات الربيع العربي وما شهدته من انتهاكات واسعة للمسيرات السلمية تنوعت بين قتل وجرح عشرات الآلاف من المتظاهرين سلميا، فضلا عن إخفاء عشرات الآلاف منهم قسريا، وكلها جرائم فظيعة تعد جرائم ضد الإنسانية في تضحيات عظيمة قدمها الشباب الطامح للتغيير والحرية والكرامة بنضال سلمي صارم، وشجاعة أسطورية نادرة.
وبالمقابل، لا يزال المجرمون ومرتكبو تلك المجازر من الحكام ومسؤولو اجهزتهم الأمنية والعسكرية بعيدين عن العدالة، وعن المحاكمة الدولية لهم في محكمة الجنايات الدولية وغيرها من وسائل المحاكمة والملاحقة الجنائية.
إن ذلك يكشف مدى القصور الكبير لمنظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية والمحلية عن القيام بواجبها إزاء تلك المجازر. لقد كان أداء منظمات المجتمع المدني تقليديا للغاية ولم يكن على مستوى الحدث، ولم يتجاوز البيانات والتقارير التي كانت تصدر قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، قد نلتمس الأعذار والمبررات لذلك القصور والعجز وعدم القدرة على مواكبة الأحداث بالقول أنها أحداث غير متوقعة ولم تتمكن الحركات الحقوقية من الاستعداد لها بما فيه الكفاية، لكن عليكم أن تعلموا أن ثورات الربيع العربي قابلة للاستنساخ، فلا تزال الثورة مشتعلة في سوريا وفي البحرين، وهي قابلة للتمدد والمحاكاة والاستنساخ في اكثر من مكان وأكثر من قطر ليس في المنطقة العربية فحسب ولكن في كل الدول التي يعاني مواطنوها من استبداد وقهر وتسلط . لن يكون مقبول أبدا استمرار مثل هذا القصور.
وهنا دعوني أؤكد أن على الحركة الديمقراطية من الآن مواكبة أحداث الثورات الربيعية بحيث تسلط الضوء على كافة الانتهاكات التي تحدث وكافة حالات الإخفاء القسري، وبحيث تعمل على حشد جهد عالمي مساند للمطالبين بالتغيير، ولملاحقة مرتكبي المجازر بحق المتظاهرين، ومرتكبي جرائم الإخفاء القسري. عليها أيضا أن تكون قادرة على تجميد ارصدة المسؤولين الذين تستهدفهم الثورات السلمية جراء اساءتهم استغلال السلطة، وتعمل على اعادة تلك الأموال للشعوب.
دعوني أيها الأحبة وأنا أختم كلمتي اليوم أن أبدي تضامني الشديد مع الشعب السوري البطل، وأدين بشده ما يرتكبه نظام بشار الاسد الفاسد والفاشل والمستبد.
دعوني أعلن تضامني مع الاخوة في البحرين، وأدين ما يتعرض له المطالبون بالتغيير من قتل وقمع وسجن.
دعونا نجدد العهد، نحن نشطاء حقوق الإنسان ندافع عن الحقوق، ونساند الحريات، نكافح الفساد، ونصنع التحول الديمقراطي، ونبني المجتمع المدني الحديث.