العمل من أجل المناخ ومردوده الخفي على السلام

بقلم توكل كرمان وباتريك فيركويجين

تغير المناخ يفاقم الصراعات والاضطرابات في ارجاء العالم، فهل الاستثمار في التكيف مع المناخ يمكن أن يحد من مخاطر الحرب والصراعات الأهلية؟

في 23 فبراير، يلتئم مجلس الأمن لمناقشة تغير المناخ كمهدد للسلام العالمي، فلم يعد التساؤل حول ما إذا كان الاحتباس الحراري يذكي جذوة الصراع بل أين يرجح أن تؤول الأوضاع الهشة الى حرب أو صراع أهلي بفعل الصدمات المناخية؛ لعل ذلك يكون في منطقة القطب الشمالي حيث التنافس الحاد على الموارد الطبيعية جراء ذوبان القمم الجليدية، أو في دِلتاوات العالم النهرية الخصيبة العامرة بالسكان التي أضحت قاحلة بفعل ارتفاع منسوب مياه البحار، أو في منطقتي الساحل والشرق الأوسط تحت وطأة الصراع والإجهاد المائي الحاد. إن الآثار المناخية في أي بقعة في العالم هي "عوامل تضاعف التهديد" – تزيد من تفاقم مخاطر الصراع وإن لم تك مسؤولة مباشرة عن اللاستقرار أو الصراع.

اليوم فقط بدأ صناع السياسة يلتفتون الى العائد الخفي على السلام من الاستثمار في التكيف مع المناخ. إنها فكرة منطقية وعلى قادتنا استجلاء الأمر بصورة أوفى. ما نعلمه أن لا علاقة ولو بسيطة بين تغير المناخ والصراع، لكن حين يضعف العالم أمام كوفيد-19 والضغوط المناخية القائمة نصبح أخلاقياً ملزمين ببذل كل ما في وسعنا لتخليص او تجنيب أنفسنا التهديدات المستقبلية للسلام، لاسيما وأننا نعلم ما الذي يتعين القيام به لأجل التكيف مع المناخ لكننا لا نقوم بما يكفي.

 

فجوة التكيف

بحسب تقرير حديث للمركز العالمي للتكيف (GCA)، لا ينفق العالم للتكيف مع المناخ سوى 30 مليار دولار سنويًا - أي أقل بخمسة الى عشرة أضعاف ما يحتاجه برنامج الأمم المتحدة للبيئة وغيره لمواجهة تأثيرات المناخ في العالم النامي، والذي يقدر ما بين 140-300 مليار سنويًا. وهو أيضاً أقل بسبع أضعاف إجمالي التكلفة العالمية للكوارث المناخية، والتي بلغت بحسب "مجموعة ميونخ ري"- وهي شركة عالمية لإعادة التأمين- 210 مليار دولار في 2020، وهو مبلغ لا يكاد يذكر من الناتج الاقتصادي السنوي المفقود جراء الحروب والصراعات الأهلية، والبالغ 14.5 تريليون دولار وفقًا لمؤشر السلام العالمي لعام 2020. وإننا أمام الكلفة البشرية والاقتصادية المهولة جراء الحروب والصراعات الأهلية بحاجة إلى نهج جديد لبناء السلام.

يسلط تقرير "الحالة والاتجاهات للتكيف المناخي للعام 2020" الصادر عن المركز العالمي للتكيف الضوء على بعض المبادرات التي تساهم في السلام والاستقرار الإقليميين. في العالم العربي، على سبيل المثال، يلعب المنتدى الإقليمي لتقييم تأثير تغير المناخ على الموارد المائية دورًا حاسمًا في نزع فتيل التوترات المحتملة بشأن ندرة المياه، حيث يجري استخدام مركز المعرفة التابع لمبادرة ريكارد (RICCAR) لزيادة الوعي وتعزيز التعاون الإقليمي والتنسيق في إدارة المياه، ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، يتجاوز ثلثا موارد المياه العذبة واحدًا أو أكثر من الحدود الدولية، مما يجعل التعاون الإقليمي في إدارة المياه ضروريًا لضمان السلام والأمن. في هذا السياق، ليس من المبالغة التشديد على أهمية مركز المعرفة الإقليمي في تعزيز السياسات المشتركة لإدارة المياه وتجنب النزاعات على المياه.

هناك أيضاً قصة أخرى مشجعة من رواندا، حيث تستمر كريستي نيكسون من جامعة أوبسالا في دراسة برامج التكيف مع المناخ وأثرها على تماسك المجتمعات التي لا تزال تعيش حالة الصدمة جراء الإبادة الجماعية عام 1994. ومن البرامج الخاصة التي تم تبنيها للحد من التعرض للأمطار الغزيرة والانهيارات الطينية هو إنشاء أنظمة الإنذار المبكر والتأهب للكوارث بالإضافة إلى زرع الأشجار لمنع انجراف التربة. وقد وجدت نيكسون أن المجتمعات هناك باتت أكثر وعياً وقدرة على التعامل مع تأثيرات المناخ بفضل البرنامج. إن الحد من ضغوط الموارد يجعل للتكيف مع المناخ تأثيراً إيجابياً على التماسك الاجتماعي والسلام.

 

الرابط بين التكيف والسلام

نعلم أنه يصعب إيجاد رابط بين التكيف مع المناخ والسلام، ونحن هنا لا نٌسوِق التكيف مع المناخ كعلاج ناجع للفقر وانعدام المساواة الاجتماعية أو للوهن المؤسسي وتجارة الأسلحة أو للتطرف الديني والصراعات والخصومات على المستوى الوطني والإقليمي والعرقي. لكن التكيف مع المناخ يسهم إيجاباً في تعزيز السلام والقضاء على البؤر المحتملة للتوتر والصراع على حد سواء، وذلك لأن التكيف الناجح مع المناخ هو صميم العدالة الاجتماعية، مثلما أن السلام، عموماً، هو مقياس للعدالة والإنصاف ورفاهية المجتمع.

إن جرى كما يجب، فالتكيف يحد من الاستبعاد الاجتماعي وعدم المساواة من خلال تعزيز سبل العيش المستدامة وإيجاد آليات اقوى في التعامل مع الصدمات المناخية الحادة، فحصول المزارعين على المحاصيل المقاومة للجفاف يقلل من احتمال تخليهم عن أراضيهم عند موجات الجفاف، والحلول المستندة الى الطبيعة كغرس الأشجار والإدارة الراشدة للمياه تقلل احتمال الصراع الناجم عن شحة الموارد.

بحسب تقديرات اللجنة العالمية للتكيف فإن استثمار 1.8 تريليون دولار في التكيف مع المناخ بحلول عام 2030 يمكن أن يعود بـ 7.1 تريليون دولار من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وإن كان من الصعب تحديد عائد السلام من الاستثمار في التكيف مع المناخ، إلا أنه موجود بالتأكيد، فالتكيف مع المناخ يساعد في تجنب الصراع من خلال زيادة قدرات المجتمعات على التكيف ومن خلال تسهيل التنمية والتقدم نحو رفاهية أكبر. لهذا السبب يجدر النظر إليه كأداة قوية لتعزيز السلام العالمي. 


لقراءة المقال على موقع مؤسسة رويترز تومسون اضغط (هنـــــــــا)

 

Subscribe now to get my updates regularly in your inbox.

Copyright © Tawakkol Karman Office

Search