المقالات
بقلم: توكل كرمان
صورة اليمن التي يراها الغالب في الولايات المتحدة هي صورة قاتمة: ممزقة بالحرب ومبتلاة بالجوع والمرض وميؤوس منها. بيد أن أهوال كهذه ليست إلا لقطة مجتزأة لليمن الحقيقي، فالبلد الذي أعرفه وأحبّه – وأنافح من أجله منذ ما قبل الانتفاضة الرائعة قبل عشر سنوات – هو بلد منيع وجميل ذو تاريخ عريق، وموطن لبعض أقدم مدن العالم وأول ناطحات سحاب. إنه مليء بالحالمين والأحلام - تحقق بعضها والبعض الآخر لا يزال ينتظر تحقيقه.
رغم ما يقاسيه أهل بلدي في ظل حرب مريعة تشن بالوكالة وتشترك فيها دول نفعية، أظل مفعمة بالأمل الكبير لما أعرفه من صمودهم وتطلعاتهم. ليس بوسع دكتاتورية وحشية ولا لأعمال القمع الدامية لعصر الحرب على الإرهاب ولا حتى مجازر اليوم أن تطفئ جذوة سعينا من أجل الحرية.
زاد إيماني بأحلام اليمن ذكريات الأرواح الشجاعة التي التحقت بي في اعتصامات ساحة الحرية بعاصمتنا صنعاء، بدءا من 2007، وتعالت أصواتنا سلمياً من أجل الحرية حتى استحالت الاحتجاجات الى ثورة في الحادي عشر من فبراير 2011، ونال شعبنا اليمني مكانته المستحقة تحت شمس الربيع العربي.
وها أنا الآن بعد 10 سنوات أقف بجانب شعبي نناشد الولايات المتحدة والعالم الحر تكريم ثورتنا بإنهاء دعمهم للحكومات الجائرة في المنطقة وإعادة إحياء السعي نحو تحقيق يمنٍ سلمي موحد وديمقراطي. لقد أرسل الرئيس جو بايدن الإشارة الصحيحة حين أعلن الأسبوع الماضي أنه بصدد إنهاء الدعم الأمريكي للعدوان بقيادة السعودية على اليمن ووقف مبيعات الأسلحة الأخيرة للسعودية والإمارات.
لكن هناك حاجة إلى المزيد. في السنوات التي تلت أيام الحماس الأولى من الربيع العربي، غالباً ما اختار زعماء الديمقراطيات الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا التجاهل على التضامن والإنصات للمستبدين لا المناضلين من أجل الحرية. إنهم بدعمهم ديكتاتوريين كابن سلمان السعودية وبن زايد الإمارات وهم ينفذون بانقلابات عسكرية ويمارسون العنف ضد الشعب اليمني، وبتقاعسهم عن تحميل الرئيس المستبد السابق علي عبد الله صالح المسؤولية عن أي من جرائمه، يكون قادة الديمقراطية في الغرب قد هيأوا لرد انتقامي ضد الحركات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك اليمن.
إن على الرئيس بايدن العمل على رفع اضرار الماضي التي تسببت بها السياسة الأميركية، فقد ظلت لسنوات تدعم ديكتاتورية صالح، وجراء "حربها على الإرهاب" تعرض اليمن لخسائر كبيرة في صفوف المدنيين ولا يزال يتعرض لمزيد من سفك الدماء، ناهيك عن إلغاء العملية الديمقراطية في ظل ما تقوم به السعودية من حرب بالوكالة حظيت بمساندة الولايات المتحدة.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في ممالأة الطغاة العرب (وكل الطغاة من هذا القبيل) مثل صالح وحسني مبارك في مصر ومحمد بن سلمان في العربية السعودية فيما بينما هم ومن يخلفهم يمارسون الإرهاب ضد شعوبهم ويرتكبون انتهاكات جسمية ضد حقوق الإنسان. إن على الرئيس بايدن الآن المضي في موائمة أفعال إدارته مع القيم الديمقراطية لأمريكا، ودعم الجهود المستمرة للحالمين بالربيع العربي.
أنهوا الحرب
ليجد اليمن طريقه الى التعافي سوف يستلزم تغييرات كبيرة في السياسات ومحاسبة من يقفون وراء العنف، وتبدأ الخطوة الأولى بإنهاء الحرب بالوكالة. عندما نفذ المتمردون الحوثيون بدعم من إيران انقلابهم وشنت السعودية وحليفها الإماراتي حملة قصف مشؤومة عام 2015، بددوا بذلك أولى بشائر التقدم نحو التحول الديمقراطي في اليمن.
بررت السعودية تدخلها بذريعة استعادة الاستقرار، الأمر الذي ينافي المنطق كونها جزء من المشكلة منذ البداية. وبدلاً من تحقيق الاستقرار في اليمن تسبب التحالف السعودي بمزيد من زعزعة الاستقرار وبموجة عنف جديد، حيث فتح ذلك الباب لإيران لمزيد من التدخل بما يقوض أحلام اليمن بالديمقراطية من خلال دعمها لميليشيات الحوثي، ونجم عن ذلك صراع قاد إلى تدمير بنية البلد التحتية وقتل مئات الآلاف من اليمنيين وتعرض عدد لا يحصى ممن تبقى للمجاعة والحمى.
إن أرباب الثورة المضادة ومعهم الدكتاتوريون في مواجهتهم حركة الربيع العربي المؤيدة للديمقراطية ليسعون الى سحق تطلعات الشعوب نحو التحول الديمقراطي في منطقتنا. وعلى الرغم من خلافاتهم، فإن الإمارات والسعودية وإيران وميليشياتهم قد التقت مصالحهم في تقسيم اليمن وتدميره. إنهم يستلبون السلطة والأرض ليبرروا ويتنصلوا من انتهاكاتهم لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
حاولت الإمارات، على سبيل المثال، إنشاء ما يسمى بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" لإضفاء الطابع الرسمي على يمن مجزأ، وسعت القوات المدعومة من السعودية والإمارات إلى ضم جزيرتنا الإستراتيجية والجميلة سقطرى الواقعة على بعد 60 ميلاً شرق القرن الأفريقي. وبالتالي فإن إحلال السلام وإحراز التقدم في اليمن من شأنه أن يحبط أجندات الديكتاتوريين ويوقف سفك الدماء.
سوف يواصل شعبنا الدفاع عن نفسه، لكنه بحاجة إلى الدعم، وعلى إدارة بايدن استخدام موقعها للضغط على السعودية والإمارات للتوقف عن الوقوف في طريق السلام ويجب أن تعمل مع المجتمع الدولي لمحاسبة الجناة من جميع أطراف النزاع.
الحوار الوطني والمضي قدما
لقد آن الأوان ليس فقط لانتهاء الحرب بل ولبداية جديدة. وليس هناك من هو أقدر من اليمنيين أنفسهم لرسم هذا المسار. ضم مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر 10 أشهر مجموعة شملت الجميع قوامها 565 مندوباً، 30% منهم من النساء. تمثل عملهم بتحقيق مصالحة سياسية تجمع الأطراف الرئيسية تحت رؤية واحدة. وتمخض عن ذلك خارطة طريق أكدت على الحقوق المتساوية لجميع المواطنين وحددت نظامًا فيدراليًا لا مركزيًا جديدًا يكفل التوزيع العادل للثروة والموارد الطبيعية والسلطة لمعالجة المظالم الداخلية بين اليمنيين. تم تنفيذ انقلاب الحوثيين في 2014 والحرب السعودية الإماراتية في 2015 بغية وقف هذه العملية السياسية وتعطيل الانتقال السلمي للسلطة. بإمكان الرئيس بايدن تقديم المساعدة وذلك من خلال التزامه الدقيق بتعهده بأن تعمل الولايات المتحدة على رفع الحصار، ووقف جميع أشكال الوصاية والهيمنة السعودية على اليمن، وتسهيل العودة إلى العملية السياسية التي أوقفها المستبدون في 2014 و 2015، بما في ذلك استكمال الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات كما كان يجري الترتيب له.
ونحن ننظر الى الوراء بعد عشر سنوات من الربيع العربي في اليمن، علينا ألا ننسى ما بين ايدينا من إمكانيات. نحن بحاجة إلى وقف الحرب ومحاسبة المجرمين. سأستخدم صوتي وأفعل كل ما في وسعي لتقديم الإغاثة التي يحتاجها اليمن بشدة. لن يتحول اليمن إلى لعبة شطرنج تلعبها قوى خارجية. لن نتوقف أبدًا عن عملنا من أجل ديمقراطية مستقرة ومزدهرة. بإمكان اليمنيين بناء مستقبل جميل لليمن. فقط لو أن الولايات المتحدة تستخدم طاقتها لينبعث الضوء.
لقراءة المقال على موقع شبكة سي إن إن اضغط (هنــــــــــا)