السجن والتعذيب والاغتصاب: لماذا يجب إحالة ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

بقلم: شيرين عبادي وتوكل كرمان

قدمت بعثة الأمم المتحدة المستقلة الدولية لتقصي الحقائق في ميانمار، اليوم، نتائج تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان.يعرّف التقرير الشامل للبعثة انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات المرتكبة في ولايات؛ كاشين وراخين وشان، بأنها "صادمة لطابعها المرعب ووجودها المنتشر" وتدعو إلى التحقيق مع كبار المسؤولين العسكريين ومحاكمتهم بسبب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

يشرح هذا التقرير ما سمعناه وشاهدناه مباشرة من نساء روهينغيا عندما سافرنا إلى مخيمات اللاجئين في كوتابالونغ وثيانكالي في بنغلاديش، في فبراير من هذا العام: لقد عانوا ومجتمعاتهم من القتل والسجن والاخفاء القسري والتعذيب والاغتصاب. وغيرها من أشكال العنف الجنسي؛ الاضطهاد والاسترقاق.

وبشكل أكثر تحديداً، يسلط التقرير الضوء على دور رئيس الأركان الجنرال أونغ هلاينغ، ويجعل من الواضح أن هذه الجرائم الممنهجة تتبع سلسلة واضحة من القيادة من أعلى المستويات العسكرية في ميانمار.

يسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء على ما يصرخ به سكان روهينغيا من أسطح المنازل: أزمة الروهينغيا الحالية أكثر من كونها كارثة إنسانية. ومن المهم التأكيد على أن هناك معلومات كافية تبرر التحقيق والملاحقة القضائية لكبار المسؤولين في تسلسل قيادة التاتماداو "حتى تتمكن المحكمة المختصة من تحديد مسؤوليتها عن الإبادة الجماعية".

السؤال الأكثر إلحاحا الذي يواجه المجتمع الدولي الآن هو كيف سيستجاب لدعوة الأمم المتحدة الواضحةـ والواضحة للعدالة.

وكما يوضح التقرير، من الملح إحالة ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، والإعداد لهذه الإحالة من خلال إنشاء آليات واضحة ومحايدة لتوثيق وجمع وتحليل الأدلة الخاصة بالملاحقة الجنائية.

خلال الأشهر المأساوية الماضية، لم يقرر المجتمع الدولي الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، لأن ميانمار لم تكن موقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة.

غير أن المحكمة الجنائية الدولية تمكنت من حل هذه المعضلة القانونية من خلال حكم تاريخي صدر يوم الخميس، 6 سبتمبر/أيلول ، عندما قررت المحكمة أنه يمكنها في الواقع ممارسة الولاية القضائية على جريمة ترحيل الروهينغيا من ميانمار.

ويجب على المجتمع الدولي الآن أن يقوم بدوره وأن يحيل سلطات ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبالرغم من الانتقادات العديدة الموجودة في المحكمة، فإنها تظل الآلية القانونية الوحيدة لمقاضاة مثل هذه الجرائم، وقد صُممت لهذا الغرض بالذات. وهو أيضا السبيل الوحيد لضحايا الجرائم الجماعية، الذي كثيرا ما تكون أصواتهم غير مسموعة في دوائر صنع القرار ويمكن دفن معاناتهم بسرعة في ظل نقاش سياسي.

والأهم من ذلك ، أنه لا يمكن للمجتمع الدولي دعم سلطات ميانمار أو الثقة بها لتحقيق العدالة للضحايا.

بدلاً من مقاضاة السلطات العسكرية المسؤولة عن الفظائع، أصدرت لجنة التحقيق المستقلة "The Independent Commission of Inquiry" التي تم إطلاقها حديثًا بدعم من زعيمة ميانمار اونغ سان سو تشي، كبديل محلي للعدالة، حكمت على صحفيين رويترز، وا لون وكيو سويه أوو، لكشفهم أدلة عن مذبحة الروهينغيا في راخين.

سيكون من غير الواقعي أن نتوقع من السلطات نفسها أن تحاكم مرتكبي الجرائم، والعديد منهم ضباط عسكريون.

خلال زيارتنا إلى بنغلاديش، التقينا بأكثر من 100 امرأة نجت من الاضطهاد في ميانمار. كان بعضهن بالكاد تشمي بسبب إصاباتهن، وكان يجب أن يحملن آخرون. وشاهدت أخريات جميع أفراد عائلاتهن يذبحون أمام أعينهن.

إن الإفلات من العقاب مترسخ بعمق في ميانمار، وكما أخبرتنا النساء، لم يبد الجناة أي خوف من الانتقام من جانب رؤسائهم؛ كان رؤسائهم في الواقع، هم من أمر بالاغتصاب المنظم للنساء والفتيات وقتل عائلاتهن.

لقد عاشوا في صدمة لا يمكن تصورها، لكنهم اجتمعوا على رسالة واحدة وواضحة: رغبتهم في تحقيق العدالة. أرادوا التأكد من محاسبة الجناة، وأن هذا لن يحدث مرة أخرى.

كلانا قادم من بلدان متأثرة بشدة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ونعرف أن الإفلات من العقاب في أي مكان في العالم يغذي ويشجع الدكتاتوريات الوحشية ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. إن الفشل الدولي في منع الإبادة الجماعية والتصدي لها تداعيات عميقة ودائمة على السلام والأمن على الصعيد العالمي.

إن أهمية محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية - بما في ذلك العنف الجنسي - تمتد إلى ما وراء حدود البلدان المعنية.

إننا نؤمن بأن العدالة والمساءلة هي واحدة من أقوى سبل الردع للمجرمين المحتملين والفظائع في المستقبل. هذا لا يمكن أن يكون أكثر إلحاحا في مواجهة النهوض الحالي للأنظمة الاستبدادية والوحشية.

فقط عملية موضوعية وذات مصداقية تتخذ خطوات حقيقية لمقاضاة المسؤولين ومحاسبتهم، ستضع حداً لدائرة العنف الحكومية المفرطة ضد شعبها، ولا سيما الأقليات العرقية والدينية، وتخلق الظروف التي تتمتع فيها بالاستقرار والشمول والسلام. ميانمار يمكن أن تكون كذلك.

الناجون من الروهينغيا لا يتوقعون منا أقل.


* شيرين عبادي: نالت جائزة نوبل للسلام عام 2003. توكل كرمان فازت بجائزة نوبل للسلام في عام 2011. 

 

لقراءة المقال باللغة الانجليزية من موقع شبكة سي إن إن الاميركية اضغط (هنــــــــــــــا)

Subscribe now to get my updates regularly in your inbox.

Copyright © Tawakkol Karman Office

Search