المقالات
كفى ..أوقفوا الحرب في اليمن
بقلم: توكل كرمان
يعاني اليمنيون اليوم اشد المعاناة جراء تدخلات الخارج، فقد اتخذت قوى إقليمية من بلدهم ساحة لصراعات بالوكالة لا علاقة لها بمصالح الأمة اليمنية، فعم الدمار أجزاء واسعة من البلاد بما في ذلك جزء كبير من بنيتها التحتية الأساسية، وبات ملايين اليمنيين مهددون بالمجاعة والمرض ناهيك عن عشرات الآلاف من القتلى أو الجرحى جرى الاقتتال. ما كان يجب لهذه المأساة الفظيعة أن تقع.
في مارس 2015، قررت السعودية ودولة الإمارات وحلفائهما الإقليميين والدوليين (بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) التدخل عسكريًا في اليمن ردا على انقلاب الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران واطاحتها بالحكومة الانتقالية المعترف بها دوليا .
أدان مجلس الأمن بالإجماع استيلاء الحوثيين على السلطة من خلال القرارين (2201 و 2216) اللذين تبناهما لاحقاً، وكان القرار رقم 2216 بمثابة تفويض للتحالف العربي بتفتيش السفن المتجهة إلى اليمن ومصادرة أي شحنات أسلحة يتم اكتشافها.
غير أن دول التحالف بعد ذلك ذهبوا أبعد من ذلك في في تدخلهم العسكري بما يتجاوز حدود ذلك التفويض، فقاموا مستغلين سيطرتهم على الجو بغارات جوية ألحقت أضراراً واسعة النطاق حصدت أرواحا لا حصر لها من المدنيين، وبدلا من إعادة بناء جيش يمني موحد تحت قيادة وطنية شكلوا مليشيات موالية لهم في المناطق المحررة من الحوثيين في تجاوز كامل للحكومة الشرعية التي يدعون أنهم يحاربون نيابة عنها. وعلى الرغم من خروج ما يقارب 80 بالمائة من الأراضي اليمنية عن سيطرة الحوثيين، إلا أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال خارج البلاد، حيث أمضى جل السنوات الأربع الماضية في الرياض فيما يشبه الإقامة الجبرية، غير مسموح له بالعودة إلى المناطق التي استعادها التحالف، ناهيك أن يعود الى صنعاء.
ومنذ بدء هذه الحرب العبثية والكارثية في العام 2014، لم يسأل لا مجلس الأمن ولا الدول الغربية الداعمة للتحالف عن منطق الصراع هذا، ولماذا يرفض السعوديون وحلفاؤهم السماح للحكومة الشرعية بالعودة إلى الأراضي المحررة؟ ولماذا كل هذه المجازر ضد المدنيين - في الأسواق ومخيمات اللاجئين والمستشفيات وصالات الأفراح والعزاء والمدارس والأحياء السكنية؟ ولماذا ترزح البلاد تحت حصار جوي وبرّي وبحري طوال هذا الوقت؟ ولماذا تسمح السعودية والإمارات، وهما من أغنى الدول في العالم ، باستمرارهذه الأزمة الإنسانية؟
لقد اغلقت السعودية المنافذ أمام سفر اليمنيين من وإلى اليمن عبرها، وعوضا عن استقبال اليمنيين وحسن التعامل معهم ذهبت لإعادة عشرات الآلاف من العمال ورجال الاعمال اليمنيين لديها الذين يعولون ملايين اليمنيين. لا مفر هنا من عقد مقارنة بين وحشية الحرب التي يقودها السعوديون في اليمن وبين جريمة القتل المروعة التي ارتكبوها بحق الصحافي جمال خاشقجي، فالنظام السعودي يرتكب جرائمه بصفاقة منقطعة النظير، ثم بعد ذلك يفعل كل ما بوسعه لينفض عنه المسؤولية. وحين يحصحص الحق، تجد المسؤوليين السعوديين يبحثون عن كبش فداء يلقون باللائمة عليه تاركين المسؤولين الحقيقيين.
رغم كل هولها، فإن جريمة مقتل خاشقجي ولدت على الأقل وعيًا عالميًا جديدًا إزاء طبيعة النظام السعودي – وبعثت مجددا الاهتمام بالحرب المنسية في بلدي، مما يعطي أملا حقيقيا بأن هذه الصحوة، رغم أنها جاءت متأخرة جداً، ربما تخلق زخماً جديداً باتجاه إنهاء الحرب وعودة اليمنيين إلى العملية السياسية، فخلال هذا الأسبوع فقط لاحت في الأفق بوادر بأن الأطراف المتحاربة على استعداد لخوض غمار جولة جديدة من المحادثات.
إن الطريق لإنهاء الحرب جلي وواضح، فما على الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلا ان توقف تصدير الأسلحة للسعودية والإمارات، وعلى مجلس الأمن تبني قراراً يطالب بإنهاء الحرب فوراً وإلزام السعوديين والإماراتيين على الانسحاب من اليمن، على أن ترعى الأمم المتحدة عملية سياسية تبدأ بإلزام جميع أطراف الصراع بنزع سلاح ميليشياتها.
فهذا سيسمح لليمن باستئناف العملية السياسية التي تعثرت جراء الانقلاب، شريطة أن تشرف الأمم المتحدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بتنظيم استفتاء حول مسودة الدستور والإعداد لانتخابات جديدة. ومن الأهمية بمكان إنشاء لجنة للمصالحة الوطنية يوكل إليها انصاف ضحايا الحرب، كما يجب ملاحقة السعودية والإمارات قضائيا وإلزامهما بتعويض اليمن عن الأضرار التي تسببتا بها.
لا يتحمل السعوديون والإماراتيون وحلفاؤهم المسؤولية عن المأساة في اليمن وحدهم، بل يجب إلزام الحوثيين بالتوقف عن سلوكهم التدميري والحيلولة دون تلقييهم أي أسلحة أو دعم آخر من إيران، فهم مجموعة متطرفة معادية بشدة للقيم المدنية ارتكبوا جرائم وانتهاكات لا حصر لها وتحركهم أيديولوجية كهنوتية تعطيهم حقًا إلهيًا وحصريًا في الحكم. السعودية والإمارات والحوثيون يجب أن يقال لهم بصوت واحد: كفى!
لقراءة المقال في صحيفة الواشطن بوست باللغة الانجليزية اضغط (هنــــــــــــــــــــــــا)
لقراءة المقال في صحيفة الواشنطن بوست باللغة العـــــــــربية اضغط (هنـــــــــــــــــــا)