اخبار المنظمة
تونس- فرض قيس سعيّد نفسه بصلاحيات كاملة منذ تجميد البرلمان في يوليو/تموز 2021، واعتماد دستور جديد في الشهر ذاته العام التالي (2022) رغم امتناع التونسيين الكبير تونا التصويت.
واستمر في استصدار قوانين سيئة السمعة للتضييق على الصحافيين والمؤسسات الصحافية والإعلامية العمومية والخاصة؛ ضارباً عرض الحائط بكل الدعوات لإلغاء هذه القوانين، والبدء في مشاورات مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحرية الرأي والتعبير لإصلاح الوضع السيء لحرية التعبير في تونس وهي أبرز مكاسب ثورة الياسمين.
واستمر سوء وتعقيد وضع حرية الصحافة في تونس خلال العامين الماضيين، لتبدو الأسابيع الأولى من عام 2023 في جحيم يرمي "قيس سعيّد" والسلطات التونسية بالحطب ليشتعل أكثر. فخلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023 تعرض قرابة 61 صحافياً للانتهاكات بينهم 25 صحافية. وهو ارتفاع كبير مقارنة بعام 2022، حيث تعرضت (37) صحافية تونسية خلال العام للانتهاك، من بين 132 صحافياً وصحافية تونسية تعرضوا للانتهاكات حسب وحدة الرصد في منظمة "صحفيات بلاقيود". وتنوعت انتهاكات 2022 في تونس، بين (22) تعرضوا للمحاكمات والتحقق و(12) للاعتقال والاحتجاز المؤقت، و 31 صحفياً تعرضوا للاعتداء المباشر، (67) صحفياً منعوا من ممارسة عملهم وتغطية الأحداث.
يقدم هذا التقرير صورة للاستهداف الممنهج الذي تقوم به السلطات التونسية بحق الصحافيين والمؤسسات الصحافية والإعلامية في البلاد، ما يقوّض حرية الصحافة في البلاد.
التعدي باستخدام القوانين
عادة ما يمثل استخدام القوانين في الدول الدكتاتورية وسيلة من السلطات لملاحقة الصحافيين، ومحاربة حرية الصحافة. خلال العام الماضي (2022) كان نظام "قيس سعيّد" متفنناً في اصدار هذه القوانين، واستخدامها لمطاردة الصحافيين.
حيث استمر تواتر مثول الصحافيين التونسيين أمام القضاء العسكري في قضايا كان يفترض أن تحال إلى القضاء المدني بحسب المرسوم 115 و116 المنظم للقطاع منذ عام 2011 لا القوانين العسكرية؛ من بين هؤلاء عامر عياد الذي حُكم عليه في محكمة الاستئناف العسكرية بالسجن شهرين على خلفية بثه قصيدة في برنامجه التلفزيوني على قناة الزيتونة اعتبرت ذماً للرئيس التونسي، قيس سعيد، وتشويهاً لصورة الجيش التونسي.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022: أصدرت الدائرة المختصة في القضايا الإرهابية حكما بالسجن لمدة سنة في حق خليفة القاسمي مراسل إذاعة "موزاييك أف أم" بالقيروان على معنى قانون مكافحة الإرهاب وذلك على خلفية نشره خبرا صحفيا صحيحا يتعلق بتفكيك خلية ارهابية بالقيروان. طلب السلطات الأمنية في البداية من الصحفي الكشف عن مصادر معلوماته لكنه تمسك بحقه القانوني في حمايته. كان القاسمي قد نشر خبراً -حقيقياً- عن تفكيك خلية إرهابية بولاية القيروان.
نشير من بين ذلك إلى المرسوم رقم 54 الذي أصدره الرئيس التونسي في سبتمبر/أيلول 2022 أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، ويقوض حرية الرأي والتعبير في البلاد، واستخدم بالفعل في فتح ملفات قضايا ضد صحفيين ومحامين. تضمن المرسوم قيودا غير مسبوقة، في مسعى إلى ترهيب الصحفيين والجمهور التونسي من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه المسؤولين السياسيين.
ويتضمّن المرسوم 54 ثمانية وثلاثين فصلاً موزعة على خمسة أبواب، ينص على عقوبات تصل إلى السجن ست سنوات، وغرامات مالية تصل إلى 20 الف دولار، على من يرتكب جرائم مثل "الأخبار الزائفة والاشاعات" وما وصفها ب"الوثائق المصطنعة أو المزورة". ولم يقدم المرسوم تعريفاً للأخبار الزائفة أو الإشاعة أو الوثائق التي يقصدها. وقد تستخدم هذه المصطلحات الفضفاضة التي تفتقر إلى التعريف كذريعة لشرعنة انتهاك الصحافة إذ تمتلك السلطات سلطة تفسيره.
بموجب الفصلين 9 و 10 من المرسوم، يجوز للسلطات القضائية أن تأمر بمراقبة استخدام الناس للإنترنت وجمع بيانات الاتصالات الشخصية الخاصة بهم من مقدمي الخدمات على أسس غامضة بأن “من شأنها أن تساعد في كشف الحقيقة” أو “ضرورية للتحقيق” في جريمة مشتبه بارتكابها. بموجب الفصل 35، يمكن للسلطات التونسية تبادل هذه البيانات مع حكومات أجنبية.
ينص الفصل 24 من المرسوم على أنه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.“ وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه.”
القانون الجديد لا يستهدف الصحافيين التونسيين وحدهم بل حتى الصحافيين الأجانب حيث يتيح النص للقضاء التونسي ملاحقة المخالفين للفصل34حتى لو وقعت المخالفة خارج تونس: إذا ارتكبت ضدّ أطراف أو مصالح تونسية. ويهدد الصحافيين والمقيمين الأجانب في تونس بالمحاكمة إذا انتهكوا القانون حتى لو كان الانتقاد لأطراف ومصالح أجنبية: إذا ارتكبت ضدّ أطراف أو مصالح أجنبية من قبل أجنبي أو شخص عديم الجنسية يوجد محل إقامته المعتاد داخل التراب التونسي أو من قبل أجنبي أو شخص عديم الجنسية وجد بالتراب التونسي.
لا يضمن القانون الحماية للبيانات في وسائل الاتصالات والانترنت، فلم يحدد المدة المسموح بها بتخزين المعطيات، ويفسح المجال لانتهاك سرّية مصادر الصحافي دون أي حماية.
وبموجب هذا القانون تُصر السلطات التونسية على إحالة الصحافيين ومديري الصحف إلى القضاء، في مسار ثابت يحظر على التونسيين الوصول إلى المعلومات الدقيقة، والحديث في الشأن العام، ويهدد الصحافيين ومدراء الصحف بالمحاكمات التعسفية. ويوم 13 فبراير/شباط 2023 اُعتقل الصحافي نور الدين بوطار، مدير موزاييك إف إم، المحطة الإذاعية الخاصة في تونس، كما داهمت الأجهزة الأمنية منزله في تونس العاصمة قبل أن تقتاده إلى مقر فرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني؛ دون أن تقدم السلطات أي مبررات لاعتقاله.
لم يستثني القانون نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي الذي يلاحق قضائياً بسبب شكوى ضده على خلفية تغطيته لتظاهرة احتجاجية في 18 يوليو/تموز 2022. وتشمل قضيته تهماً مثيرة للقلق تتعلق “بالاعتداء على موظف عمومي والتحريض على العصيان” بسبب تغطية هذه التظاهرة.
هذا السلوك من السلطات التونسية يسعى إلى ترهيب الصحافيين التونسيين، ويدفع لتذكر الحقبة السوداء لحرية الصحافة في زمن نظام "بن علي".
حق النفاذ إلى المعلومة
يتعرض الصحفيون التونسيين إلى معاناة يومية في عملهم، بعد أن حظرت السلطات حق الوصول إلى المعلومة، على الرغم من سن قانون أساسي متعلق بالنفاذ إلى المعلومة (22/2016) الذي اعتبر أفضل التشريعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال. ومنذ صدور المنشور الحكومي رقم 19/2021 حول قواعد "الاتصال الحكومي للحكومة"، فإن مختلف هياكل الدولة والسلطات المحلية تفرض تعتيماً خاصاً على المعلومة. حيث يشير هذا المنشور الموجه إلى الوزراء وكتاب الدولة "إلى ضرورة التنسيق مع مصالح الاتصال برئاسة الحكومة بخصوص شكل ومضمون كل ظهور إعلامي، والامتناع عن الحضور والمشاركة في القنوات التلفزية والإذاعات المخالفة للقانون ولقرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري".
إن المنشور مهين لكل المكتسبات التي ضحى من أجلها التونسيون، ويتناقض تماماً، مع الضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية. ويدفع الصحافيين إلى البطالة في ظل حظر وصولهم للمعلومات الحقيقية، وهذا الترهيب الرهيب من القوانين سيئة السمعة، والمحاكمات التي لا تتوقف.
من جهة أخرى تمنع السلطات حق المؤسسات الصحافية في التغطية، حيث تشتكي معظم وسائل الإعلام من منعها من العمل والتصوير في الشوارع والأماكن العامة. وتطالب الأجهزة الأمنية بالتراخيص وهو إجراء تخلصت منه تونس بعد ثورة 2011، وحمته القوانين في السنوات اللاحقة، لكن في سلطة "قيس سعيّد" يجري منعهم من التصوير حتى مع إظهار بطاقات الهوية ومزاولة المهنة. كما يرفض المسؤولون المحليون التصريح والتعليق على تقارير المؤسسات الصحافية حتى لو كانت المواضيع بعيدة عن السياسة.
التعدِ على وسائل الإعلام
على الرغم من مرور أكثر من12 عاماً على سقوط دكتاتورية "نظام بن علي" ما زالت السلطة في تونس تفشل في تقبل فكرة أن وسائل الإعلام العامة (العمومية) هي مستقلة عن السلطة التنفيذية، إذ تسعى على تعيين الموالين لها في المناصب الرئيسية في الإذاعة والتلفزة ووكالة الأنباء الوطنية والتحكم بالخط التحريري لهذه الوسائل.
وخلال العامين الماضيين زادت الشكاوى من وسائل الإعلام العمومية، لكنها تصاعدت تماماً خلال العام الجاري (2023) حيث شكى صحافيون وصحافيات في وكالة تونس أفريقيا للأنباء من عمليات تعد واستهداف ممنهج، بسبب مقالات وتحقيقات صحافية لهؤلاء الصحافيين، وتدخلت الإدارة في عمل الصحفيين دون تقييم موضوعي مهني معتبرة أن مقالات والزملاء “محرجة” للسلطة.
في يناير/كانون الثاني 2023، تفاجأت الصحافية سامية حسين من التلفزة التونسية أثناء تحضيرها لتقديم نشرة الأخبار يوم 10 من الشهر، بقرار إدارة التلفزة تنحيتها عن تقديم النشرة. كانت "سامية" قد قدمت تصريحات لإذاعات خاصة مستقلة حول انتقادات طالتها بسبب تقديم تقرير عن أزمة الحليب في تونس في اليوم السابق.
وفي اليوم التالي لمنع "سامية حسين" من تقديم نشرة الأخبار، أصدرت التلفزة التونسية قراراً يمنع العاملين بالمؤسسة من الإداء بأي تصريحات حول "إفشاء معلومات أو وثائق تهم وظيفتهم أو تهم التلفزة العمومية، أو التصريح لمؤسسات خاصة تتعارض وواجب التكتم المهني والمصلحة العليا للدولة". ويعتبر هذا القرار المفاجئ والغامض بما فيه مصطلح "المصلحة العليا للدولة" ضمن مسار تكميم الأفواه والتضييق على الصحافيين التونسيين.
تطويع المؤسسات الصحافية
تستمر السلطات التونسية في مهمتها لتطويع المؤسسات الصحافية ومحاولات التحكم بخطها التحريري، لكن أسوأ الطرق تلك التي تستهدف معيشة الصحافيين وعائلاتهم بتأخير الأجور، أو الفصل التعسفي. وخلال الشهر مارس/آذار 2023 كان الاحتقان في مؤسسة "سنيب لابراس الصحافة" في أعلى درجاته بعد أن مضى أكثر من أسبوع دون تسلم أجور ومستحقات العاملين في المؤسسة. وهو أمر بات يتكرر مراراً خلال الأشهر الأخيرة، رغم وعود السلطات ووزارة المالية بالانتظام. ويقول العاملون في المؤسسة إن الهدف هو تطويعها ليكون الخط التحريري لها مناسب مع توجه السلطات.
التحريض على الصحافيين
عادة في الأنظمة الشمولية، ما يتم تشويه الصحافيين والمؤسسات الصحافية المستقلة. وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي في تونس صورة لتحريض مسيء للغاية للصحافيين يقوم به أعوان ومقربون من الأجهزة الأمنية-كما يقول الصحافيون التونسيون. لكن أن تقوم الوزارات بهذا الدور المشين فهو سلوك يكشف حجم العداء السلطوي ضد العمل الصحفي في البلاد.
من بين هذا التحريض، نشر وزارة الداخلية على صفحتها على شبكة فيسبوك يوم السابع من مارس/آذار تصريحا لوزير الداخلية توفيق شرف الدين يصف فيه وسائل الإعلام والصحافة والنقابات "بالمرتزقة والخونة". وهو الخطاب التخويني ذاته للدولة الأمنية خلال زمن "بن علي". ويأتي هذا الترهيب الممنهج من وزير يمتلك "الأدوات اللازمة" للعنف ضد الصحافيين تأكيد أن "قيس سعيّد" يمضي في مسارات الدولة البوليسية. كما أن وزير الداخلية المسؤول عن أمن التونسيين لا يمنحه أي حق في تقييم أداء الصحافيين ووسائل الإعلام في البلاد؛ وبدلاً من ذلك عليه التوقف فوراً عن القمع المتفشي في البلاد، ومنح مرتكبي الانتهاكات حقاً في الإفلات من العقاب.
توصيات لضمان حرية التعبير في تونس:
- إنهاء جهوده تجاه دفع "حرية الصحافة" في البلاد إلى مناخ الدولة البوليسية، ويتم ذلك من خلال إلغاء القوانين سيئة السمعة التي تهدد العمل الصحفي في تونس، وتعيد حقبة بن علي.
- تقديم ضمانات حقيقية لعمل الصحافيين وحرية الصحافة وحرية التعبير، وإخراج الصحافة والمؤسسات الصحافية من خلافاته السياسية. ووضع خطط عملية بمشاركة منظمات المجتمع المدني المعنية بالصحافة وحرية التعبير لحماية الصحفيين من تغوّل القمع والاستهداف الممنهج للمؤسسات العمومية والخاصة.
- وضع خطط بمشاركة المؤسسات الصحافية والإعلامية تراعي احتياجات القطاع وضمان ديمومتها.
- على القضاة في تونس عدم الانجرار وراء رؤية السلطة في استهداف حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في البلاد، والتمسك بالعدالة التي تحمي حق المواطنين التونسيين في الوصول إلى المعلومة الحقيقية والدقيقة.
- نقض قرارات الحكومة التي تضيق عمل الصحافيين، ومنع السلطة التنفيذية من السيطرة والتحكم بالسلطة القضائية.
- إلغاء العمل بالمذكرات، التي تحد من حرية الصحافيين العاملين في المؤسسة وحقهم في التعبير عن آرائهم.
- إلغاء كل القرارات التعسفية بحق الصحافيين والعاملين في المؤسسات.
- التمسك باستقلالية المؤسسات العمومية الصحافية والتأكيد أنها ملك للشعب وليس للسلطة.
- وقف الخطاب الشعبوي الذي يحرض ويشجع الكراهية والعنف ضد وسائل الإعلام، والصحافيين، واحترام العمل الصحفي، وتسهيل وصول العاملين في القطاع الصحافي إلى المعلومة.
وحدة الرصد في منظمة صحفيات بلاقيود
16 مارس/ آذار 2023