الأخبار
توكل كرمان تحاضر في جنيف عن الحرب وآفاق السلام في اليمن
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، اليوم، محاضرة عن الحرب وآفاق السلام في اليمن، في قصر المركز الدولي للمؤتمرات في العاصمة السويسرية جنيف.
واستعرضت توكل كرمان في المحاضرة مراحل قيام ثورة فبراير السلمية وعملية انتقال السلطة من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح إلى نائبه آنذاك عبدربه منصور هادي، والمؤامرات التي حاكها المخلوع صالح لعرقلة العملية الانتقالية وصولاً إلى الانقلاب الشامل على السلطة من قبل ميليشيا الحوثي التي تحالف معها المخلوع واجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وغزو المدن الجنوبية واندلاع الحرب.
وقالت كرمان إن "ثورة فبراير السلمية جاءت في سياق الاعتراض المشروع بل الواجب على دولة العائلة والمنطقة والجهة، فقد استحوذ شخص واحد وعائلته وحاشيته على كل شيء، استحوذوا على المال العام وعلى مقدرات الدولة والمناصب والمعسكرات والموانئ والنفط والغاز والذهب والآثار والسلطة ونتج عن هذه السياسة الحمقاء فشل كبير على كل الصعد وفي مقدمتها صعيد التنمية والاستقرار".
وأضافت كرمان "ثورة فبراير جاءت استجابة حتمية لرفض القبح والاستغلال والاستكبار وتعبير شعبنا تعبيراً صادقاً عن توقه للحرية والحياة الكريمة وتجل صادق للالتزام الاخلاقي والشجاعة التي يمتلكها شعبنا".
وتابعت كرمان "ثورة فبراير هي كلمة الشعب اليمني التي طال انتظارها والحتمية التاريخية التي لا بد منها، وهي الرد الحضاري المناسب والوحيد على دولة الفساد والمحسوبية وانتهاك الحقوق والحريات واهانة العدلة وازدراء المواطنة وحكم القانون".
وأشارت كرمان إلى أن ثورة فبراير السلمية كانت عبقرية وعظيمة تجلى ذلك في الاداء السلمي والنضال السلمي الممهور بالتضيحات لشعب اشتهر عنه امتلاكه للسلاح.
وأكدت كرمان أن نظام صالح هو جذر المشكلات واسقاطه حل لجميع القضايا.
وقالت كرمان "مثل قبولنا للحوثيين في الثورة وهم الذين قتلوا في الحروب الستة حوالي 50 ألف جندي يمني باعترافهم، مثل ذلك اعلى درجات التسامح والقبول والنظر إلى المستقبل المشترك، كان شرطنا الوحيد لهم التوقف عن استخدام القوة المسلحة والعنف وأظن هذا الشرط كان عادلاً ورحيماً".
واضافت كرمان "توافقنا على بناء دولة كل اليمنيين، دولة العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة وحكم القانون، دولة يمنية تزاول السيطرة والسيادة على جميع التراب الوطني، دولة هي صاحبة الحق الحصري في امتلاك السلاح، واستخدامه كانت الاهداف واضحة ومكتوبة ومتوافق عليها مع الجميع بما فيهم ميليشيا الحوثي".
ولفتت كرمان إلى أن اليمنيين كانوا على وشك العبور، "وكنا على موعد مع الخطوة النهائية لاستكمال عبور اليمن نحو المستقبل..لكن للاسف قبل الذهاب للاستفتاء على مسودة الدستور الجديد ومن ثم اجراء انتخابات محلية ونيابية ورئاسية كانت ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح يقدمون تصريحات مشجعة على الصعيد السياسي لكن على صعيد الواقع كانوا يقتلون ويخطفون معارضيهم وينهبون مؤسسات ومعسكرات الدولة".
وقالت كرمان "مع كل التسامح مع الميليشيا والمخلوع صالح وحزبه كان الاثنان في تحالف غير معلن من اول يوم في الفترة الانتقالية بل للاسف الشديد من اول يوم في الثورة السلمية التي خانها الحوثيون وطعنوها من الخلف والتي استخدم فيها المخلوع صالح حصانته وارصدته المالية التي تقدر بـ60 مليار دولار حسب تقارير الامم المتحدة، استخدمها في الانتقام من الشعب اليمني وفي تدمير كل شيء".
وبينت كرمان أن عرقلة ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح للفترة الانتقالية انتهت بالانقلاب الكامل والاطاحة بالعملية السياسية باكملها وغزو عاصمة اليمن واحتلالها وبقية المدن بالتحالف مع ايران واطماعها للسيطرة والتوسع في منطقتنا.
وأضافت كرمان "من المحزن أن خلال الفترة الانتقالية من بدلاً من أن تكون جسراً لعبور نقل السلطة المدنية والعسكرية والامنية من المخلوع صالح ومساعدين إلى الرئيس هادي وحكومة الوفاق تحولت هذه الفرصة إلى إخفاق كبير والذي تعد الحرب اليوم أحد أبرز سماتها".
وأكدت كرمان أن الجميع أخطأوا، وليس بمقدور أحد التشكيك في هذه الحقيقة، مستدركة بالقول "لكن هناك فرق كبير من جهة أو شخص أخطأ سياسياً وبين آخر أخطأ وطنياً وارتكب الجرائم الجسيمة وارتكب الخيانة العظمىى، هذا الصنف الآخر هم ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح الذين قوضوا العملية الانتقالية برمتها والذين شطبوا السياسة واغلقوا وسائل الاعلام التي لا تتبعهم وانقلبوا على وثيقة مؤتمر الحوار الوطني والاخطر من ذلك ما لحق بالنسيج الوطني اليمني من تمزق على أيديهم".
وقالت كرمان أن اليمن تعيش اليوم أوضاعاً بالغة الصعوبة نتيجة الحرب وانهيار مؤسسات الدولة التي ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وانهيار الخدمات الأساسية، لافتة إلى أن الحرب اتت على كل شيء بما في ذلك عشرات الآلاف من الأطفال الذين تقوم ميليشيا الحوثي بتجنيدهم وتزج بهم في المعارك والذين يشكلون اكثر من 40 % من قوام ميليشياتهم حسب التقاير الدولية والمحلية ا لموثقة الامر الذي يزعزع الثقة في المستقبل.
وشددت كرمان على أن "روح الثورة السملية هي التي جعلت الناس في اليمن بكافة فعالياتهم لا يقامون الحوثي والمخلوع مقاومة جادة بما فيها السلطة الانتقالية".
وقالت كرمان "كان لدى اليمنيين خارطة انتقال سياسية واضحة لكن الرعاة الدوليين لم يكن لديهم خارطة رعاية واضحة ضامنة لمنع أي اختراق قد يطيح بالعملية السياسية من الأساس"، لافتة إلى أن "متقضيات الرعاية للدول الكبرى كانت ولا تزال تقتضي ان تكون رعاية ملزمة وضامنة للعملية السياسية، مؤكدة في الوقت نفسه أن العملية الانتقالية في اليمن شهدت أكبر رعاية عالمية تنلها أي عملية انتقالية أخرى في التاريخ.
وأشارت كرمان إلى الانقلاب لم يحدث نتيجة غياب الشراكة او الحوار او لغياب التسامح..لكن حدث الانقلاب لان هناك من قرر ان تكون اليمن ملكية خالصة له وهذا ما رفضه وسيظل اليمنيون يرفضونه إلى يوم القيامة.
وتساءلت كرمان: على من تم الانقلاب؟ مجيبة على التساؤل بالقول "الانقلاب كان على الشرعية الدولية والرعاية الدولية بقدر ما هو انقلاب على الرئيس التوافقي وعلى الثورة السلمية والتوافق السياسي ومخرجات الحوار".
وقالت كرمان إن ثقة اليمنيين بالمجتمع الدولي كانت كبيرة "وأخشى أن أقول إن هذه الثقة تعرضت لزعزعة كبيرة"، داعية المجتمع الدولي والرعاة الدوليين إلى استعادة ثقة الشعب اليمني بهم وان يساعدوا لتحقيق سلام عادل ومستدام يقضي على كل مسببات الحروب والصراعات الداخلية.
وأكدت كرمان أن كثير من اليمنيين يدعمون الوصول الى اتفاق ينهي الحرب كلنهم يطالبون ان يكون الاتفاق حقيقياً وألا يكون ممراً لحروب وصراعات مستقبلية.
وشددت كرمان على وجوب أن تفضي أي عملية سلام قادمة إلى احتكار الدولة للسلاح ومزاولة السيادة وان مؤسسات الدولة هي المنوطة بصورة حصرية في اصدار الاوامر الحكومية، وأن الانتخابات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة وليس العنف أو القوة المسلحة.
وقالت كرمان "الحل ليس في اتفاقات جديدة أو حوار جديد او قرارات جديدة وإنما يكمن في آلية فاعلة وخارطة طريق واضحة للرعاية تضمن تنفيذ جميع الاتفاقات السابقة وجميع قرارات مجلس الامن ذات الصلة".
وأضافت كرمان "يجب ان تتضمن الحلول المقترحة لأي عملية سلام او اتفاق سلام في اليمن سحب السلاح ووضع حد للدور السياسي للمخلوع علي صالح وتجميد أرصدته واستعادتها للشعب اليمني والى انسحاب الميليشيا من كافة المناطق وإلى إعادة بناء وتوحيد الجيش وقوى الأمن بشكل يتم فيه مراعاة التوزيع الجغرافي والسكاني بحيث يكون ولاء الجيش للوطن لا للفرد ولا الحزب ولا العائلة ولا القبيلة، وبحيث يتم الاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات المختلفة بناء عليه، وبذلك نعبر نحو آفاق الحرية والديمقراطية والرفاه الاجتماعي والسلام".
وتابعت كرمان "يحدث كل ذلك بالتزامن مع وقف اطلاق النار ويمكن ان يسبق اجراء الانتخابات حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع او حكومة تعمل من اجل اجراء الانتخابات لكن بعد أن تكون الميليشيا قد سلمت السلاح وتحولت إلى كيان سياسي ينبذ العنف".
وأكدت كرمان أن الأمر كذلك سيتطلب اتخاذ اجراءات لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية تكفل حقوق الضحايا وتجبر ضررهم وتضمن عدم تكرار هذه الجرائم ومحاسبة قادة الحرب، فضلا عن برنامج تنموي واسع يعيد اعمار ما دمرته الحرب ويكفل تحسيناً واسعاً لمعيشة المواطن اصلاحاً اقتصادياً يكون متوازياً مع الانتقال السلمي.