الأنشطة
توكل كرمان في مؤتمر المرأة والسلام والأمن بأرمينيا: السلام يبدأ بتمكين النساء وتعزيز الديمقراطية وترسيخ العدالة
أكدت الناشطة الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، أن بناء السلام المستدام يبدأ من تمكين النساء وتعزيز الديمقراطية وترسيخ العدالة، مشدّدة على أن العالم يقف اليوم أمام اختبار حاسم لأجندة المرأة والسلام والأمن بعد مرور 25 عاماً على إطلاقها.
جاء ذلك في كلمة لها خلال مشاركتها عبر دائرة الفيديو، في المؤتمر الدولي "العيش مع الأجندة: 25 عاماً على المرأة والسلام والأمن ودعوة أرمينيا لأمن الإنسان"، الذي استضافته العاصمة الأرمينية يريفان يومي 1 و2 ديسمبر.
القرار 1325 وعالم مضطرب
واعتبرت كرمان أن الذكرى الخامسة والعشرين لقرار مجلس الأمن 1325 تمثّل محطة لمراجعة إخفاقات العالم في حماية النساء والضحايا خلال النزاعات.
وقالت كرمان إن القرار لم يكن وثيقة أممية فحسب، بل إعلان ضمير عالمي جديد يعترف بدور النساء كقائدات وصانعات سلام، لا كضحايا.
وأشارت كرمان إلى أن العالم يشهد توسعاً في الحروب والأنظمة السلطوية، في ظل استمرار النزاعات في غزة وأوكرانيا والسودان وميانمار واليمن ولبنان، وهو ما يتسبب في أثمان باهظة تدفعها النساء والأطفال جراء فشل النظام الدولي في منع الانتهاكات.
دعوة لتجديد الالتزام الدولي
وشددت كرمان على أن التحديات الراهنة – من صعود التطرف والنزعات القومية إلى القمع الرقمي وتغذية خطاب الكراهية – تهدد أجندة السلام العالمية.
وأضافت كرمان أن العالم لا يحتاج إلى الاحتفال بالأجندة، بل إلى حمايتها وتوسيعها وتجديدها، معتبرة أن ضعف الالتزام الدولي هو السبب الحقيقي وراء استمرار الأزمات.
خطة أرمينيا الوطنية
وأثنت كرمان على إعلان أرمينيا خطتها الوطنية الثالثة لتنفيذ أجندة المرأة والسلام والأمن، مؤكدة أن الخطوة تعكس توجهاً واضحاً نحو بناء دولة أكثر أمناً وشمولاً وديمقراطية.
وأشارت كرمان إلى أن الخطة تقوم على قناعة بأن النساء يشكّلن جزءاً أساسياً من منظومة الأمن الوطني، وأن الديمقراطية شرط لازم لتحقيق السلام، وأن العدالة والمساواة تمثلان الركائز التي يقوم عليها أي سلام مستدام.
وقالت كرمان إن أرمينيا، عبر هذا النهج، تختار طريق القيادة المسؤولة وتعزيز التعاون الإقليمي، رغم ما مرّت به من سنوات صعبة وصراعات متراكمة.
النساء عنصر حاسم
وتوقفت كرمان عند تجارب دولية برهنت على الدور الحاسم للنساء في إنهاء النزاعات، مذكّرة بالحركة النسائية في ليبيريا التي أسهمت في إنهاء الحرب الأهلية، وبالدور الذي أدته النساء في كولومبيا خلال صياغة اتفاق السلام مع "فارك" بما ضمن حقوق الضحايا وجبر الضرر، فضلًا عن مساهمة النساء اليمنيات في لجان الحوار الوطني قبل اندلاع الحرب.
وقالت كرمان إن هذه النماذج تؤكد أن السلام يكون أكثر ثباتاً حين تتصدر النساء جهود الوساطة وصناعة القرار، وأن المجتمعات تتعافى بصورة أسرع حين يُفسح المجال للنساء لتولي أدوار قيادية في مؤسسات الدولة.
توسيع أجندة 1325
ودعت كرمان إلى تطوير أجندة المرأة والسلام والأمن لتشمل مساحات جديدة فرضتها التطورات الدولية، وفي مقدمتها ضرورة تعزيز المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والحماية من العنف الرقمي والهجمات السيبرانية التي باتت تستهدف النساء بصورة واسعة، إضافة إلى ترسيخ التمكين الاقتصادي بما يضمن وصولاً عادلاً للموارد والفرص، وتعزيز مشاركة النساء في مستويات الحكم وصنع السياسات، فضلاً عن إعادة توجيه الموارد من سباق التسلح نحو التنمية، والنظر إلى تغيّر المناخ بوصفه عاملاً متزايداً في تغذية النزاعات والنزوح.
وأكدت كرمان أن هذه المتطلبات ليست طموحات مثالية، بل شروط ضرورية لبقاء المجتمعات وقدرتها على الصمود.
السلام هو العدالة وكرامة الإنسان
واختتمت كرمان كلمتها بالتأكيد على أن السلام الحقيقي لا يُقاس بغياب المعارك، بل بحضور العدالة والمساواة وكرامة الإنسان، وأن مواجهة القمع ورفع صوت النساء يشكلان جوهر أي مشروع سلام مستدام.
ودعت كرمان إلى تجديد الالتزام الدولي بأجندة المرأة والسلام والأمن خلال السنوات المقبلة على نحو يعيد الاعتبار لحق الشعوب في الأمان، ويكرّس الدور القيادي المستحق للنساء، ويعيد العالم إلى مسار يتجاوز الحروب نحو مستقبل أكثر إنسانية.
وفيما يلي نص الكلمة:
أصحاب السعادة، الضيوف الكرام، الأصدقاء الأعزاء،
تحية طيبة،
يشرفني الانضمام إليكم في يريفان للاحتفال بحدثٍ تاريخيٍّ بارز، ألا وهو: "الذكرى الخامسة والعشرون لأجندة المرأة والسلام والأمن، وإطلاق خطة العمل الوطنية الثالثة لأرمينيا".
مرّت خمسة وعشرون عامًا منذ أن أكّد العالم بالإجماع حقيقةً لطالما أدركتها النساء وعايشتها: "أن السلام لا يمكن تحقيقه ولا استدامة له من دون الإدماج الكامل للمرأة”.
لم يكن قرار مجلس الأمن رقم 1325 مجرد اعتماد وثيقةٍ أممية، بل كان إعلانًا لضميرٍ عالميٍّ جديد، ضميرٍ يعترف بالنساء ليس كضحايا للصراع، بل كقائداتٍ ووسيطاتٍ وحامياتٍ ومفاوضاتٍ وصانعاتٍ للسلام.
إننا اليوم نجتمع في وقتٍ تتناسل فيه الحروب، وتتوسع فيه الأنظمة الاستبدادية، وتواجه حقوق الإنسان اعتداءاتٍ غير مسبوقة؛ والصراعات على أوجها في غزة وفي أوكرانيا والسودان وميانمار واليمن ولبنان، وغيرها.
اليوم، ملايين النساء والأطفال يدفعون الثمن الباهظ لفشل النظام الدولي، فيما في ظل تنامي النزعات القومية والتطرف، واتساع نطاق والقمع الرقمي، واستخدام الكراهية كسلاح.
إن أجندة السلام العالمية تواجه تهديدًا لا بسبب قصورها، بل نتيجة غياب الالتزام الدولي بها.
وفي هكذا ظرف، لا يكفي الاحتفال بأجندة المرأة والسلام والأمن.
يجب علينا تجديدها وتوسيع نطاقها وحمايتها.
رحلة أرمينيا في هذا المضمار هي رحلة بقاء وعزيمة وتطلع ديمقراطي.
خطة العمل الوطنية الثالثة ليست مجرد وثيقة سياسية – بل هي التزام ببناء أرمينيا أكثر أمانًا وشمولًا وديمقراطية.
إنها تقر بثلاث حقائق أساسية:
• المرأة عنصر لا غنى عنه للأمن الوطني.؛ فهن لا ينتظرن السلام بل يبنيه.
• الديمقراطية والسلام لا ينفصلان. لا يمكن لأمة أن تكون آمنة ما لم تُسمع جميع الأصوات — خاصة أصوات النساء.
• السلام يتطلب العدالة والمساواة؛ فبدون الحقوق والمساءلة والإشراك يصبح السلام مجرد وقف إطلاق نار هش.
وأرمينيا، بدفعها قدماً بهذه الخطة، ترسل رسالة للعالم بأنها اختارت طريق القيادة المسؤولة والتعاون الإقليمي، حتى بعد سنوات من عدم الاستقرار والصراع.
في جميع أنحاء العالم، كانت النساء القوة المعنوية التي واجهت الحرب والتطرف والاستبداد:
• في ليبيريا، قادت النساء حركة تاريخية سلمية أنهت 14 عامًا من الحرب الأهلية.
• في كولومبيا، صاغت النساء اتفاقية السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) من خلال ترسيخ العدالة والتعويضات وحقوق الناجين.
• في اليمن، قادت النساء لجان الحوار الوطني ووضعن خارطة الطريق الشاملة الوحيدة للانتقال الديمقراطي قبل أن تأتي عليها الحرب.
• في جميع أنحاء أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا، تواصل النساء مساعي حماية المجتمعات والمطالبة بالمساءلة.
تُذكرنا هذه التجارب بحقيقة بسيطة:
عندما تقود النساء، يدوم السلام. عندما تمتلك النساء السلطة، تتعافى الأمم.
ونحن نحيي هذه الذكرى، يجب أن نسأل: أي عالم نريد بناءه للجيل القادم من النساء والفتيات؟
نحن بحاجة إلى أجندة متجددة للمرأة والسلام والأمن، تطالب بما يلي:
• المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
• الحماية من الرقابة الرقمية، والعنف الإلكتروني، والحرب السيبرانية.
• التمكين الاقتصادي، والمساواة في الوصول إلى الموارد.
• قيادة المرأة على جميع مستويات مفاوضات السلام والحوكمة.
• إنهاء سباق التسلح، وتحويل الأولويات العالمية من العسكرة إلى التنمية.
• إيجاد حلول لأزمة المناخ، التي أصبحت الآن محركًا للصراع والنزوح.
هذه ليست مثالية، بل ضرورة.
تقف أرمينيا اليوم عند مفترق طرق بين جراح الماضي وإمكانيات المستقبل.
خطة العمل الوطنية الثالثة الخاصة بكم هي فرصة - ليس فقط لحماية النساء، بل لإطلاق العنان لطاقاتهن الكامنة كركائز للديمقراطية، وحارسات للاستقرار، وصانعات للسلام.
أيها الأصدقاء،
السلام ليس مجرد غياب الحرب؛
السلام هو العدالة؛
السلام هو المساواة؛
السلام هو الكرامة الإنسانية؛
السلام هو الشجاعة في مجابهة الظلم.
السلام هو أن يعلو صوت على نحو لا يُقهر ولا يقبل المساومة.
ونحن نحتفي بمرور ٢٥ عامًا على أجندة المرأة والسلام والأمن، فلنلتزم بالـ 25 عاماً القادمة بلا مواربة وبشجاعة وأمل.
شعبنا يستحق السلا؛
ونساؤنا يستحقن القيا؛
وعالمنا يستحق ما هو أفضل من الحرب.
شكرًا لكم..

